لله أخلاق الرجال إذا سمت .. والخلق فيكم يا أسود ترجلا
بر بوالدة وسجدة شاكر .. وعزيمة تدعو العزيز توكلا
وتوثب يسمو وصفو سريرة .. وإرادة لا تنثني دون العلا
وتواضع الكبراء ليس براحل .. حتى يبوئ حامليه المنزلا
هكذا أنشد الشاعر المغربي الصادق الزمبوق وغيره كثير، محتفين بإنجاز غير مسبوق حققه المنتخب المغربي بعد تأهله إلى أدوار متقدمة في نهائيات كأس العالم المقامة بدولة قطر العربية المسلمة.
وما كان مدهشاً حقاً، ما صاحب ذلك من مشاهد مؤثرة، تؤكد محورية قضية فلسطين في الوجدان المغربي وتبادل الحب بين الشعبين، بالرغم من محاولات بث الفرقة من خلال “تطبيع” الشؤم.
كما أنها مشاهد تبرز تعلق أبناء هذا الوطن لاعبي “منتخب الساجدين”، وإن ولد وترعرع بعضهم في المهجر، بهذا الدين الحنيف، وتمسكهم بقيم الأسرة وبر الوالدين والانضباط واحترام الآخرين وتجاهل انحرافات الفطرة.
وما كان مبهراً أيضاً تلك الروح العالية التي بثها الناخب الوطني وليد الرڭراڭي في نفوس اللاعبين، معتمداً على الثقة بالنفس، وأن النجاح لا يرتبط بشرق أو غرب، وإنما بتغيير عقلية التنافس والسعي نحو التقدم، وإن كان الأمر يتعلق بكرة القدم فهو أيضاً ممكن في كل المجالات والميادين.
وتساءل الجميع: لماذا فرح العالم بهذا الإنجاز، ورفعت الأعلام وأطلقت الزغاريد في أرجاء العالم الإسلامي وغيره؟
فلسطين في الوجدان
ظهر علم فلسطين في مونديال قطر علامة فارقة في محفل الرايات المرفوعة في شوارع قطر وفي مدرجات الملاعب من قبل جماهير عربية وإسلامية وغيرها، لكن لاعبي المنتخب المغربي جعلوا منه رمزاً لكل فوز، بل إن أنامل فنانين فلسطينيين مثل علاء اللقطة، وعز الدين لولو أبدعت في التعبير عن هذا الفرح والتلاحم وأظهرت للعالم أن “المستحيل ليس مغربياً”.
وكما أفرح ذلك الملايين من مناصري القضية الفلسطينية العادلة، أثار حنق محتلي أرض فلسطين حتى أن دبلوماسي من “تل أبيب” قال: إن ذلك لم يكن من تعليمات ملك المغرب بل اجتهاد من اللاعبين.
ويرد عزيز هناوي الكاتب العام للمرصد المغربي ضد التطبيع في حديث لـ”المجتمع”: إنه بحق “مونديال فلسطين”، سجل لحظة تاريخية ساطعة حاز بها المغرب حب وتشجيع كل الجماهير على رأسها الشعب الفلسطيني من غزة إلى القدس إلى الداخل الفلسطيني والضفة الغربية بالرغم من كل ظروف المعاناة من العدوان اليومي للجيش الصهيوني وقمع تظاهرات بالقدس في باب العامود رفعت أعلام المغرب.
وشاءت الأقدار أن يكون يوم 10 ديسمبر يوم انفجار الفرح العابر للقارات في شعوب الأمة وفي فلسطين لحظة تأهل منتخب المغرب إلى نصف النهائي وخروج المقاومة الفلسطينية في مسيرات فرح، هو نفس ذكرى يوم إعلان التطبيع قبل سنتين.
ويؤكد هناوي أن الإعلام العبري الصهيوني وقيادات الاحتلال عبرت بصراحة على فشل أجندة التطبيع في اختراق بنية العقل الجماعي لشعوب الأمة بالرغم من كل مسارات الاتفاقيات الإبراهيمية خلال الفترة الماضية، بل إن جماهير عالمية من اليابان إلى أمريكا اللاتينية رفضت التعامل مع منابر الإعلام الصهيوني.
قيم أسرية
احتضان اللاعبين المغاربة لأمهاتهم وآبائهم، والسجود بعد كل انتصار، ورفع العلم الفلسطيني من طرف أسود الأطلس وجماهيرهم، مشاهد التي لم يرها العالم إلا في قطر “دوحة النصر”، وهي في الحقيقة مشاهد مليئة بالمعاني والرسائل الحضارية العظيمة التي تجسد حقيقة المغاربة وكل الشعوب العربية والإسلامية، إنها قيم الأسرة وبر الوالدين والاعتزاز بالهوية والوحدة الدينية والوطنية، وهي قيم تشكل مصدر عزة وتماسك مجتمعاتنا، كما يبرز لـ”المجتمع” الإعلامي المغربي محمد عادل التاطو.
ويضيف: “أتخيل أن أمهات كثيرات في مجتمعات غربية، بعد مشاهدتهن لصور عناق لاعبي أسود الأطلس لأمهاتهم، يتحسرن على أوضاعهن في عالم غربي دمرته الفردانية والتفكك الأسري والأخلاقي وتفشي مظاهر الانحراف الفطري، وجعلتهن نزيلات في ملاجئ العجزة”.
ويرى التاطو أن الأمر تجاوز مجرد فوز أو هزيمة رياضية، إلى بعث رسائل ومعان وقيم رفيعة متجذرة في النفوس، بشكل عفوي وتلقائي، من طرف أسود الأطلس والجماهير المغربية والعربية، فمونديال قطر الذي أرادت دول وجهات غربية استغلاله للترويج لممارسات وظواهر غريبة وبعيدة عن ثقافتنا بصفتنا مسلمين وعرب، تحول إلى مونديال القيم والأسرة والفطرة والسجود وفلسطين والوحدة العربية والإسلامية.
طريق النصر
يبدو للعيان من خلال ما شاهدناه من صور بعد فوز المغرب في قطر، أن طريق النصر واضح، وكامن في الانطلاق من الذات نحو رحب سعة الدنيا بالتماسك الداخلي والتعاون مع الغير على الخير.
ويقول الاختصاصي النفسي والباحث الاجتماعي المغربي د. توفيق بنجلون لـ”المجتمع”: إن قطر المسلمة أبهرت العالم على مستوى التنظيم، ولم تتزحزح قيد أنملة عن ثوابتها مدافعة عن قيمها ضد حملة شرسة لمنظومة غربية مدافعة عن انحرافات الفطرة.
ويبرز أن ما يثير الانتباه هو الروح الكبيرة العابرة للحدود بخصوص الانتماء على المستوى النفسي والعقدي والجغرافي والاجتماعي، وهي روح ظهرت بشكل رائع في مونديال قطر، إذ إن جماهير عربية وإسلامية خرجت فرحة بالإنجاز المغربي، حتى إن البعض قد لا يكون يعرف تواجد هذا البلد في الخريطة، لكنه يعلم علم اليقين أنه ينتمي إلى أمة واحدة بهوية واحدة، بل من المدهش ما عبر عنه الشعب الفلسطيني من فرحة في الوقت الذي كان البعض يمني النفس أن التطبيع سيقطع تلك الأواصر الهوياتية وروح العقيدة بين الشعبين.
لم يفرح أي أوروبي بنجاح منتخب غير منتخب بلده، وهذا يدل أن ما يجمع الغرب أقل بكثير مما يفرقهم، لكنهم اجتمعوا ضد الفقر والتخلف والفساد، لكن بعد فوز المغرب رفعت أعلام في القدس وغزة وأطلقت زغاريد في إندونيسيا واليمن والعراق وسورية والجزائر.. وهو درس لنا في غاية الأهمية للحكام، ينبه د. بنجلون، مفاده أننا أمة واحدة وأن الطريق إلى التقدم لا يتم إلا عبر التعاون والتماسك.