بدأ الناجون من الزلزال في بلدة جنديرس شمالي غرب سوريا يتجرعون آلام فقدان عائلاتهم وأقاربهم الذين قضوا تحت الأنقاض جراء الزلزال المدمر.
وتسبب الزلزال بدمار كبير بالمناطق السورية الخاضعة لسيطرة المعارضة، حيث نالت بلدة جنديرس في مدينة عفرين النصيب الأكبر من الضحايا والدمار.
وفجر 6 فبراير/ شباط ضرب زلزال مزدوج جنوب تركيا وشمال سوريا، بلغت شدة الأول 7.7 درجات والثاني 7.6 درجات ومئات الهزات الارتدادية العنيفة، ما خلف خسائر كبيرة بالأرواح والممتلكات في البلدين.
وبحسب الدفاع المدني السوري (الخوذ البيضاء) “قتل أكثر من 500 شخص في بلدة جنديرس وحدها، فيما تدمر مئات المنازل جراء الزلزال في البلدة”.
والتقت الأناضول بعدد من الذين فقدوا أقربائهم جراء الزلزال في جنديرس، ممن يعيشون حالة من الصدمة والألم على ما جرى.
وقال أحمد لبي وهو نازح من حمص ويعيش في جنديرس، إنه فقد والده ووالدته وأخيه وزوجته و4 من أبناء أخيه، و39 شخص من أقربائه ومعارفه.
وأشار لبي، إلى أنهم لم يتمكنوا من إنقاذ الضحايا، وإنهم أخرجوهم من تحت الأنقاض بعد 24 ساعة من الزلزال، ووجدوهم موتى.
من جهته، أحمد عثمان، الذي فقدت طفلته البالغة عامين حياتها تحت الأنقاض، تحدث عن لحظات الزلزال بحزن بالغ.
وقال: “حين وقوع الزلزال سقط البناء الذي كنا نسكن فيه فجاء إخوتي وأخرجونا من تحت الأنقاض، وكانت ابنتي قد فقدت حياتها”.
وأضاف: “كنت مستيقظاً عند وقوع الزلزال، وعندما شعرت به أيقظت أفراد العائلة وركضنا تجاه الباب، إلا أن البناء وقع علينا قبل خروجنا”.
بدر مصطفى، النازح من ريف إدلب الجنوبي هرباً من قصف النظام السوري، فقد ابنه البالغ 16 عاماً جراء الزلزال، وظل الوالد بلا مأوى.
وأوضح الأب المكلوم، أن ابنه لقي حتفه تحت أنقاض البيت أثناء محاولته إنقاذ أبناء الجيران.
وتابع: “لم نأخذ شيئا من البيت، ظلت كل مقتنياتنا تحت الأنقاض، والآن نعيش في الشارع وليس لنا مكان يأوينا، وليس لنا أقارب لنلجأ إليهم”.
الأب عبد الرحمن خلف، دفن 3 من أبنائه قضوا في الزلزال وهو الآن بلا مأوى.
وقال خلف: “فقدنا كل شيء ونعيش في الشارع منذ أيام، ولا نجد مكاناً نبقى فيه، نحن في وضع يرثى له”.
بدوره الطفل جان سعيد فقد 11 فرداً من عائلته من بينهم عمته وابن عمته وجده.
وأوضح سعيد أنه بعد الزلزال انهار بيت عمتهم ونقلت ابنتها المصابة إلى المشفى، وفي اليوم الثاني للزلزال انتشلت فرق الإنقاذ جثة عمته وابنها.
محمد زين البالغ من العمر (13 عاما) هو الآخر فقد 7 من أقربائه في الزلزال، وفق ما يقول.
أما فاطمة حسن، التي انهار منزلها فقالت إنها تربي طفلين يتيمين، وإن الجيران أنقذوها والطفلين من الأنقاض، لكنها الآن تسكن في خيمة.
على صعيد متصل نجد الأطفال الجرحى في مستشفى مدينة أضنة جنوبي تركيا أصغر من أن يعرفوا حجم المأساة التي أصبحوا فيها.
شاهدت الأطباء في وحدة العناية المركزة وهم يطعمون – عبر قنينة رضاعة – طفلة تبلغ من العمر ستة أشهر مصابة لا يمكن العثور على والديها.
هناك مئات الحالات الأخرى لأطفال مجهولي الهوية، مات آباؤهم أو يتعذر العثور على ذويهم.
لقد حطم الزلزال منازلهم، والآن حرمهم أسماءهم.
تمسك الطبيبة، نورسا كسكين، يد طفلة في العناية المركزة، والتي تُعرف فقط بالعلامة الموجودة على سريرها: “مجهول الاسم”.
الطفلة مصابة بكسور متعددة، ذات عينين سوداوين وتعاني كدمات شديدة في وجهها. لكنها تستدير وتبتسم لنا.
تقول الدكتورة كسكين، طبيبة الأطفال ونائب مدير المستشفى: “نعرف أين عُثر عليها، وكيف وصلت إلى هنا. لكننا نحاول العثور على عنوان، ولا يزال البحث مستمرا”.
العديد من هذه الحالات هم أطفال تم إنقاذهم من مبانٍ منهارة في مناطق أخرى. تم نقلهم إلى أضنة لأن المستشفى لا يزال قائمًا.
انهارت العديد من المراكز الطبية الأخرى في منطقة الكارثة أو تضررت، ومن ثم أصبحت أضنة مركزًا للإنقاذ.
في إحدى عمليات النقل، تم نقل الأطفال حديثي الولادة إلى هنا من جناح الولادة في مستشفى تضرر بشدة في مدينة الإسكندرونة.
يقول مسؤولو الصحة الأتراك إن المنطقة المنكوبة في البلاد يوجد فيها حاليًا أكثر من 260 طفلًا مصابًا، لم يتمكنوا من التعرف عليهم.
قد يرتفع هذا الرقم بشكل كبير مع الوصول إلى المزيد من المناطق، وظهور حجم التشرد بشكل كامل.
كنت أتابع الدكتورة كسكين عبر الممرات المزدحمة. ناجون من الزلزال يرقدون على عربات، وآخرون ملفوفون في بطانيات ويرقدون على مراتب في منطقة الطوارئ. اتجهنا نحو جناح الجراحة المليء أيضًا بالأطفال المصابين.
التقينا بطفلة يقول الأطباء إنها تبلغ من العمر خمس أو ست سنوات. إنها نائمة وموصولة بالتقطير الوريدي. يقول الأطباء إنها تعاني من كدمة في الرأس وكسور متعددة.
سألت عما إذا كانت قد تمكنت من إخبارهم باسمها.
تقول الدكتور إلكنور بانليسور، جراحة الأطفال: “لا، إنها تتواصل فقط بالعين والإيماءات”.
تشرح قائلة: “بسبب الصدمة، لا يستطيع هؤلاء الأطفال التحدث حقًا. إنهم يعرفون أسماءهم. بمجرد استقرار حالاتهم بعد يومين، يمكننا (محاولة) التحدث معهم”.
يحاول مسؤولو الصحة مطابقة الأطفال المجهولين بالعناوين. لكن في الغالب لا تكون العناوين أكثر من أنقاض. في ما لا يقل عن 100 حالة، تم بالفعل توفير رعاية للأطفال المجهولين.
امتلأت وسائل التواصل الاجتماعي التركية بمشاركات تظهر أطفالا مفقودين، وتقدم تفاصيل عن الطابق الذي كانوا يعيشون فيه في مبان منهارة، معربة عن الأمل في احتمال إنقاذهم ونقلهم إلى المستشفى.
يتنقل الأقارب الباقون على قيد الحياة ومسؤولو وزارة الصحة بين المراكز الطبية، في محاولة للعثور عليهم.
في مستشفى أضنة جنوبي تركيا، يستمر الجرحى في القدوم. إنهم مصدومون ومنهكون.
الجميع هنا ناجٍ، مرضى ومسعفون وأطباء على حدٍ سواء.
فقدت الدكتورة كسكين أقاربها في الزلزال ولجأت إلى المستشفى مع أطفالها، عندما ضربت الهزات الارتدادية منطقتها.
سألتها كيف تتكيف مع الوضع.
قالت: “أنا بخير، أحاول أن أكون بخير، لأن (الأطفال) يحتاجون إلينا حقًا”.
“لكنني أقول الحمد لله، لا يزال أطفالي معي. لا يمكنني تخيل أي ألم أكبر للأم من فقدان طفلها.”
بجانبنا، ينتظر المرضى الصغار في العنابر عودة والديهم.
تم لم شمل البعض بعائلاتهم أو أقاربهم. لكن البقية ما زالوا أطفالًا مجهولي الهوية بسبب الزلزال بحسب بي بي سي.
وبلغت حصيلة ضحايا الزلزال في عموم مناطق سوريا 3 آلاف و688 قتيلا، و14 ألفا و749 مصاباً، أكثر من نصفهم في مناطق سيطرة المعارضة.