بات الذكاء الاصطناعي المستقبل الرابح للرعاية الصحية، فيما تبرز تحديات كبيرة تواجه ذلك التطور الطبي، في مقدمتها المخاطر الأخلاقية.
هذه خلاصة ما أكده، في حوارين لـ«المجتمع»، كل من الأكاديمي المصري د. أحمد البنداري، أستاذ أمراض القلب بكلية الطب جامعة بنها، عضو لجنة تحكيم الأبحاث المقدمة لجمعية القلب الأوروبية.. والخبير الدوائي مستشار التعليم الطبي المستمر د. عبدالصمد خطاب، الذي يعمل كذلك مستشاراً لعدد من شركات الأدوية بمصر.
وأبدى د. البنداري، ود. خطاب، تفاؤلهما بشأن مستقبل التكنولوجيا الرقمية في المجال الطبي والدوائي، متوقعَيْن أن ترسم عجلة الذكاء الاصطناعي الدائرة رفاهية صحية قريبة.
وشدد الخبيران المهتمان بمجال التطوير الطبي المتصل بالتكنولوجيا بمصر على أهمية تجنب المخاطر الأخلاقية المرتبطة بتغول الذكاء الاصطناعي في عالم الرعاية الصحية.
د. البنداري:
كل نظام صحي يجب أن يستعد لتقبل الوضع الجديد
لن تحل التكنولوجيا الرقمية محل الطبيب ولكن باتت أساسية
المعالج الذي يستخدم الذكاء الاصطناعي سيحل محل من لم يستوعبه
تكنولوجيا الأتمتة انتشرت في المجال وهي سلاح ذو حدين
يوضح د. البنداري، في حواره مع «المجتمع»، أن المجال الطبي سيعتمد كثيراً في الفترات المقبلة على الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا الرقمية، ولكن بدون إخلال بموقع الطبيب الأساسي، الذي يجب أن يواكب تلك التغيرات التكنولوجية الطبية القادمة.
سألناه: ما تشابكات الذكاء الاصطناعي والجانب الطبي حالياً، وما أكثر أشكال الذكاء الاصطناعي شيوعاً، في التوظيف الطبي؟
– أجاب: يتشابك الذكاء الاصطناعي مع المجال الطبي كثيراً في الآونة الأخيرة، وخاصة في المجالات الطبية التي تعتمد على التكنولوجيا الرقمية مثل الأشعة التشخيصية، فعلى سبيل المثال: هناك أبحاث طبية حديثة تشير إلى إمكانية تقدير نسبة الخطورة القلبية المستقبلية باستخدام أشعة عادية على الصدر، هذا بالإضافة إلى تكنولوجيا الأتمتة (تقنية تهتم بتنفيذ عملية ما من خلال الأوامر المبرمجة مع التحكم التلقائي في التغذية الراجعة، لضمان التنفيذ الصحيح)، والتعلم التلقائي لقراءة رسم القلب وتحديد مستويات الخطورة من خلال ترك الآلة تتعلم على أعداد مهولة من رسومات القلب تصل لمئات الآلاف.
هل سيؤثر الذكاء الاصطناعي على تواجد الطبيب والممرضة وطاقم العمل الطبي عامة، أم هو عامل مساعد وداعم؟
– من الصعب أن يحل الذكاء الاصطناعي تماماً مكان الطبيب، ذلك لأن القرار الطبي (سواء في التشخيص أو العلاج) يعتمد على عوامل كثيرة، بما فيها الجوانب الإنسانية، وتلك العوامل مستحيل أن تقوم الآلة بأخذها في الحسبان، والأمر الأكيد هو أن تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي ستمثل عاملاً مساعداً ومسهلاً لمهام الطبيب اليومية، مثل: تنظيم العمل الورقي، وأرشفة السجلات الطبية، وتعضيد التشخيصات الإكلينيكية، ويمكن القول، في النهاية: إن الذكاء الاصطناعي لن يحل محل الطبيب، ولكن الطبيب الذي يستخدم الذكاء الاصطناعي سيحل محل الطبيب الذي لا يستخدمه!
سلاح ذو حدين
كيف لا يتم إساءة استخدام الذكاء الاصطناعي في الطب؟
– كل شيء في الحياة قد يكون سلاحاً ذو حدين، كذلك تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، فعلى الرغم من مناقبها سالفة الذكر، فإنه قد يكون لها بعض التبعات السيئة، منها على سبيل المثال لا الحصر: الاعتماد الكلي عليها في التشخيص دون النظر لاعتبارات أخرى، بالإضافة إلى خطر سرقة معلومات المرضى الطبية الخاصة، وتحديات متعلقة بالحفاظ على خصوصية معلومات المريض، كل هذا بالإضافة إلى صعوبات متعلقة بصيانة الآلات، كما أن التحول التدريجي لزيادة الاعتماد على تكنولوجيا الأتمتة قد يزيد من كلفة الخدمة الصحية.
ما رؤيتك للمستقبل الطبي في حضرة الذكاء الاصطناعي؟
– الذكاء الاصطناعي قادم لا محالة، وسباق الاعتماد عليه محتدم، ويجب أن يكون كل طبيب، وكل نظام صحي على أتم الاستعداد لتقبل الوضع الجديد، لأنه حتمي.
د. خطاب:
ذكاء اصطناعي بلا أمانة ودقة خطر على الطب والدواء
الذكاء الاصطناعي يقترن للأسف بمخاطر غير أخلاقية
هناك ثورة علمية تقنية في خدمات الرعاية الصحية
متفائل بشأن مستقبل التكنولوجيا في المجالين الطبي والدوائي
ويؤكد الخبير الدوائي مستشار التعليم الطبي المستمر د. عبدالصمد خطاب، في حواره لـ«المجتمع»، أن هناك ثورة علمية تقنية في خدمات الرعاية الصحية، مشدداً على أنه متفائل بشأن مستقبل التكنولوجيا في المجالين الطبي والدوائي، بشرط تلافي المخاطر الأخلاقية المرتبطة بتغول الذكاء الاصطناعي في عالم الصحة.
مخاوف عدة
سألناه: هناك مخاوف من مخاطر غير أخلاقية جراء الاستخدام الطبي للذكاء الاصطناعي، كيف نتعامل معها؟
– أجاب: للأسف، يقترن الذكاء الاصطناعي بمخاطر غير أخلاقية، كونه يعتمد أساساً على إدخال البيانات والمعلومات المرضية والتشخيصية، التي قد يساء استخدامها لصالح أصحاب رؤوس الأموال والاستثمارات الضخمة التي تصب في القطاع الصحي العالمي، وحصر هذه البيانات بصورة غير أخلاقية تصب بالمنفعة على جهات معينة دون غيرها؛ مما قد يعود بالضرر على مستخدمي هذه المنصات التكنولوجية، ويعود بالضرر على جميع قطاعات العمل الطبي والدوائي.
ولتحقيق الاستفادة من الذكاء الاصطناعي والحد من الممارسات الخاطئة، لا بد من وجود بعض التعليمات والنصائح المجتمعية والإرشادية للحفاظ على الملكية الفكرية لكل ما هو جديد ونافع، وأهمها الشفافية والموضوعية لمن يستخدم هذه الخدمات، وحماية خصوصية المعلومات الفردية للمرضى، وعدم الإفصاح بها لأي جهة كانت، مع تحلي مصمم الذكاء الاصطناعي بصفات مثل الأمانة والوفاء والدقة في إدخال البيانات التي يترتب عليها مخرجات قد تغير من النتائج النهائية لصالح هيئات أخرى.
هناك تخوف آخر؛ أن يلغي الذكاء الاصطناعي مقدمي الخدمة الصحية، هل هذا صحيح؟
– غير صحيح، الذكاء الاصطناعي لن يؤثر على تواجد مقدمي الخدمة الصحية سواء الطبيب أو التمريض، فهو لا يقوم بالفعل بدور الطاقم الطبي، وإنما هو فقط يزودهم بالتحديثات المرضية أو يوجههم لأسرع الطرق للسيطرة على خطورة الحالة أو يمدهم بالفحوصات المطلوبة، وعرض وسائل علاجية مختلفة، وبالتالي هو وسيلة للارتقاء بمستوى الطاقم الطبي وليس بديلاً عنهم.
إمكانات ضخمة
إذاً، برأيك، ماذا يضيف الذكاء الاصطناعي للرعاية الصحية؟
– يتضمن الذكاء الاصطناعي إمكانات ضخمة تؤهله لتحسين صحة ملايين الأفراد وتحسين جودة الخدمات المقدمة في المؤسسات الصحية، ويوفر فرصاً جيدة وسريعة للتشخيص والفحص الدقيق، وتقديم حلول علاجية متميزة تخضع للتوصيات الطبية الدوائية العالمية، كما أنها تساعد في تحسين الرعاية السريرية للمرضى وتعزيز الأبحاث العلمية، وكذلك تطوير العقاقير المستخدمة في علاج الأمراض المختلفة.
ولا يتوقف عطاء الذكاء الاصطناعي عند القائمين على الرعاية الطبية، بل يمتد إلى المريض نفسه، حيث إنه يمكن المريض أيضاً من الوعي بالأمراض ومخاطرها وكيفية السيطرة عليها من خلال بعض التطبيقات التي تشير مثلاً إلى ارتفاع أو انخفاض مستوى السكر في الدم لمريض السكري، ويساعدهم على تلافي الوصول إلى الدرجات المرضية الحرجة؛ وبالتالي يحافظ المريض على استقرار حالته باتباع التعليمات اللازمة التي تصل إليه فور طلبها من هذه التطبيقات التي تكون مبرمجة ذاتياً للرد السريع على مثل هذه الحالات.
ويقود الذكاء الاصطناعي حالياً ثورة علمية في المجال الطبي، فمن خلاله يتمكن الطبيب من سرعة تشخيص الأمراض المختلفة بمجرد عرض البيانات المرضية والفحوصات التشخيصية والمعملية، أيضاً عرض خطط علاجية مختلفة يختار منها الطبيب الخطة المناسبة التي تتماشى مع نوعية الحالة المرضية، ومن خلاله يتابع المريض حالته؛ وهو ما يعني تحسين مستوى الرعاية الصحية، ووجود بشريات طيبة يحملها لنا الذكاء الاصطناعي يجب أن نتعايش معها.
هل أنت متفائل بمستقبل الطب والدواء في وجود الذكاء الاصطناعي؟
– المستقبل الطبي والدوائي في حضرة التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي تحديداً مبشر للغاية، ويدعو إلى التفاؤل والتمسك بالأمل، فعجلة التكنولوجيا الدائرة قد ترسم لنا رفاهية صحية للوصول الى إنسان أفضل، لأنها تعطينا فرصاً علاجية آمنة لعلاج بعض الأمراض المستعصية من خلال تطوير صناعة العقاقير الآمنة والموجهة إلى مرض معين، والمطورة لتقليل الآثار الجانبية للعقار وصولاً إلى إعطاء عقاقير بدون آثار جانبية، بجانب التعامل مع طفرات العلاج الجيني التي تعتمد على إزالة بعض الجينات المسؤولة عن بعض الأمراض المزمنة؛ وبالتالي تتضاءل نسبة حدوث هذه الأمراض، والوصول إلى الأماكن البعيدة والمهمشة صحياً.