أستاذي الفاضل، بعد تخرجي حدثتني أمي أن إحدى زميلاتها بالعمل قد رشحتني كزوجة لابنها، كانت مواصفاته أكثر من ممتازة، جلسنا للتعارف، انبهرتُ بشخصيته وخبراته الحياتية وطريقة حواره، وكان صريحاً جداً معي، فقد اعترف أنه كان شاباً لاهياً، ولم يقتصر عبثه بالساقطات، بل تعدى للمتزوجات، وكلما تعثرت محاولاته زاده شيطانه إصراراً! ومنذ حوالي 6 أشهر، ونتيجة إصابة أحد أصدقاء السوء بالإيدز؛ فاق وتاب وأناب ورجع إلى الله، وقام بأداء عمرة، ووعدني هذا العام إذا تزوجنا بأن نحج معاً.
حقيقة، تخوفت رغم أنه يفوق أحلامي، صارحت أبي بما قاله، فكان رده مفاجأة لي: «إن صراحته معك دليل صدق توبته، وأنت متدينة وتكونين عوناً له على طاعة الله»، توكلت على الله وتزوجنا، وكما بهرني خطيباً فقد بهرني زوجاً! قمة الكرم المعنوي والعاطفي والمادي، مهذب، ومتعاون، كما أنه حريص على أداء ليس الفروض، بل أيضاً النوافل.
لعلك سيدي تتساءل: ما مشكلتي؟ شكوك زوجي حطمتني، ماضيه يطاردني، إنني أجني شوك حياته الخطأ التي كان يعيشها.
كنت أبرر كثرة تساؤلاته: أين كنت؟ مع من تحدثت؟ فيمَ كان حديثك؟ حباً لي وغيرة عليَّ، ولكنني تيقنت أنه في كل تصرف لي، وكأنه اتهام صريح لي بأن لي علاقات! حتى إنه تجرأ وسألني صراحة عن علاقاتي قبل ما يتقدم إليَّ! وعندما غضبت وأخبرته أن هذا اتهام بأنه كانت لي علاقات، حتى إنني أقسمت له، فسكت مستنكراً عدم صراحتي.
هناك ألم نفسي آخر؛ وهو رغم حُسني وجمالي، فإنني في العلاقة الحميمية أشعر أنه غير راض! وقد سألته عن مدى سعادته فتهرب ولم يجب.
أستاذي، مر على زواجنا 5 أشهر وأنا حالياً حامل، وهذا ما يؤرقني، فرغم كل ما منَّ الله تعالى به على زوجي من نِعَم تتمناها أي زوجة، فإنني أفكر جدياً في الانفصال، ولكني مشفقة على الجنين الذي وهبنا الله إياه.
إنني أكاد أجن من الحيرة والتردد بين ما أعانيه من ألم الشك والريبة في كل تصرف، وإحساس بالعجز لعدم قدرتي كأنثى على إشباع زوجي، وفي المقابل دماثة خلقه وكرمه، ماذا أفعل؟
التحليل
بداية، لا بد من تذكر أننا في الدنيا وهي دار الابتلاء، ولا توجد بها نعمة خالصة صافية، بل إن كل نعمة بها ما يشوبها من معاناة.
رغم حكمة الله في شرعية الطلاق، فإنه يجب أن يكون آخر الحلول، وبعد أن:
– يبذل كل زوج جل وكل جهوده في إصلاح ذاته ومحاولات إصلاح زوجه.
– الاستعانة بالله، واستشارة المتخصصين من المسلمين في العلاقات الزوجية.
– فإن لم يتوافقا فعليهما اتباع توجيهات الله عز وجل: (وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُواْ حَكَماً مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلاَحاً يُوَفِّقِ اللّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيماً خَبِيراً) (النساء: 35).
قد يعتقد من يأتي الفاحشة أنه قد حمى نفسه باتخاذ الاحتياطات التي تحول بينه وبين الإصابة من الأمراض البدنية، وقد يغفل أو يتغافل «إن قضاء الله نافذ»، ولكنه يجهل -وهو الأخطر- الآثار النفسية المدمرة لما يقترف من فاحشة، إن اعتياد ممارسة الزنى يُحدث اضطراباً في نفسية الزاني، بحيث لا يستعذب إلا -أعوذ بالله- الحرام، ويصبح التعدي هو العامل المحفز لاستثارته، وعندما يمنّ الله عليه بالتوبة فإنه قد يعاني من الآثار السلبية لما تعودت عليه نفسه من ممارسة الحرام، الذي قد تمثل في إشكاليتين:
1- الحالة النفسية:
شتان بين من يتعبد لله بما أحل الله له بعلاقته بأهله، وهو هادئ مطمئن النفس، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «.. وفي بُضْعِ أحدِكم صدقةٌ»، قالوا: يا رسولَ اللهِ، أيأتي أحدُنا شهوتَه ويكونُ له فيها أجرٌ؟! قال: «أرأيتم لو وضعها في حرامٍ أكان عليه فيها وزرٌ؟»، قالوا: بلى، قال: «فكذلك إذا وضعها في الحلالِ كان له أجرٌ» (صحيح مسلم).
وفي المقابل، من يأتي شهوته حراماً متلصصاً متعدياً على حدود الله وحق العباد، وباعتياده على ذلك الجرم تألف نفسه البيئة غير الطبيعية والمضطربة للتناول، بل وتستعذبها نفسه التي أمرضها هواها، حتى يصبح المنكر معروفاً والمعروف منكراً، لذا قد يحتاج الذي منَّ الله عليه بالتوبة إلى مرحلة من التأهيل النفسي حتى تعود فطرته إلى طبيعتها السوية.
2- طريقة التناول:
إن العلاقة مع الزوجة العفيفة ذات الحياء التي حفظت بفضل الله نفسها، وتتعرف على العلاقة من خلال زوجها دون خبرة ولا مهارات، لا يمكن مقارنتها بالعلاقة مع المحترفات أو الساقطات أخلاقياً؛ لما لديهن من خبرات وجرأة وفحش؛ لذا فقد لا يجد مَن مارس الرذيلة واعتادها غايته مع زوجته البكر المصون.
إن الانغماس في عالم الرذيلة يدمر التصورات الذهنية عن الآخر، لسوء الصحبة من الرجال والنساء، خاصة وإن أخفى البعض سوء خلقه بمظهر من العفاف؛ لذا فهو يتشكك في كل امرأة وإن بدت عفيفة، لأنه تعرف على بعض الساقطات أخفين جرمهن بمظهر العفة.
الحل
إن زوجك كما وصفتيه به صفات طيبة كثيرة، ونحسبه والله العليم بعباده صدق في توبته، ونسأل الله أن ييسر له ولنا والمسلمين طاعته، ولكنه كما أوضحت؛ فقد تركت فترة طيشه آثاراً سلبية على نفسيته، فزوجك يحتاج إلى إعادة تأهيل، ويمكن بل واجبك أن تكوني عوناً له، بأن تيسري له الحياة الأسرية الطيبة، حتى يستعذب الحلال ويجد فيه ما يغنيه عن الحرام، وأن السعادة الحقة هي التمتع بما أحل الله، فتكونين عوناً له على شيطانه وهوى نفسه وحتى لا ينقلب على عقبيه.
إن مهمتك ليست هينة، ولكن بالإخلاص والبذل والدعاء نسأل الله أن يعينك وييسرها لك، قد تكون حالته تتطلب جلسات تأهيل مع طبيب نفسي متخصص، حيث الأمر يتوقف على عدة عوامل، من أهمها:
– المدى الزمني لفترة المجون: كلما ازدادت فترة المجون اعتادت عليها النفس وطمست الفطرة السوية للعبد، وبالتالي تعقدت أساليب العلاج.
– طبيعة الشخصية: هناك أفراد لديهم القدرة على التحكم في تصوراتهم الذهنية وضبط وتوجيه مشاعرهم بناء على تغيير معتقداتهم، فبمجرد توبتهم إلى الله تتلاشى كل تصوراتهم الذهنية عن فترة المجون ولا يستدعونها، وآخرون يظلون أسرى تصوراتهم الذهنية، بل وتطاردهم وقد تفسد عليهم توبتهم.
– مدى العون والدعم من المقربين خاصة الزوجة: تمارس الزوجة الدور الأكثر تأثيراً في إعادة التأهيل النفسي لزوجها، بالإضافة إلى المعالج النفسي المتخصص، إن الشيطان لن يترك زوجك يهنأ بالحلال، بل يزين له لذة الحرام، روى أنس بن مالك عن الرسول صلى الله عليه وسلم: «حُفَّتِ الجَنَّةُ بالمَكارِهِ، وحُفَّتِ النَّارُ بالشَّهَواتِ»، (صحيح مسلم، 2822)، لذا يحتاج زوجك إلى دعمك من خلال إطلاق الطاقات الإيجابية بما لديه من صبر ومثابرة وعزم وإصرار، من خلال:
1- التزود بالمعارف والمهارات الزوجية:
هناك العديد من مصادر المعرفة المتخصصة سواء الورقية أو الرقمية التي تتناول المعارف والمهارات الزوجية سواء فنون التواصل العاطفي بين الزوجين أو العلاقة الحميمية، التي تتناول هذه الموضوعات المهمة بأسلوب حيي مهذب، ويجب على كل زوج أن يعرفها، بل ويتقنها حتى يلبي احتياجات زوجه، وأنت بفضل الله مأجورة في محاولاتك إشباع زوجك حتى يكتفي بما أحل الله له ويجد فيه كفايته، وأن تعاونيه على غلق باب الشيطان باستدعاء صور ماضيه الماجن.
2- إزالة أي ريبة قد تجول بخاطره:
إن التعامل مع المريض يقتضي ضوابط خاصة، ومبالغات غير منطقية في التعامل مع الإنسان الطبيعي؛ لذا يجب الحرص على ألا تدَعي أي شك يتسرب إلى خياله المريض، وهذه بعض الاقتراحات:
– أعلميه بالرقم السري للهاتف، والإيميل..
– لا تشيدي بأي رجل خلاف محارمك في حديثك معه.
– الحرص كل الحرص على اتباع الضوابط الشرعية عند التعامل مع الرجال.
– الإشادة به.
– المبادرة بالإفصاح عما قد يستفسر عنه الإجابة.
– عدم إظهار أي ضجر عند استفساره عن أي شيء، والإجابة بكل وضوح.
– محاولة التواصل معه عندما تكونين بعيدة عنه وطمأنة هواجسه.
3- الدعاء:
يقول المولى عز وجل: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) (غافر: 60)، اللجوء لله بالدعاء له بالشفاء.
إن لم تشعري بتغير في سلوكه خلال فترة 3 – 6 أشهر، يجب مصارحته بأرق الألفاظ بأنك تقدرين حبه لك وغيرته عليك، ولكنك تشعرين بأنها تحولت إلى شك، وأنك قد تكون مخطئاً، كما أنك من منطلق حبك له تشعرين أنه لا يشعر معك بالسعادة التي تشعرين أنت بها وأنت معه، ولعلك تحتاجين دعماً من اختصاصية؛ لذا فأنت تقترحين استشارة من متخصصين، والله معك.