- ما الفلسفة الإسلامية للحروب؟
– الإسلام بحق دين الرحمة، ورحمته عامة، ليست رحمة للإنسانية فحسب، بل تمتد لتشمل الحيوان، ففي كلب دخل رجل الجنة، وفي هرة دخلت امرأة النار، كما أخبرنا نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم.
وتمتد الرحمة لتشمل الجماد أيضاً، فكان صلى الله عليه وسلم يمر على جبل أُحد ويقول: “ذاك جبل يحبنا ونحبه”.
ويتسع نطاق الرحمة لتكون رحمة أيضاً عند لقاء الأعداء، وسبق الإسلام كل قوانين العالم في إرساء قواعد التعامل التي تليق بكرامة الإنسان حتى في وقت الحرب، فالحرب في الإسلام ليست غاية تبيح أي شيء، بل هي وسيلة لإقرار مبادئ الحق وللدفاع عنه لنصرة المظلوم وردع الظالم؛ ولذلك لا غدر ولا تشفٍّ أو انتقام، ولا اعتداء على صغير أو امرأة أو شيخ كبير، ولا على أسير، فأين دساتير العالم من أخلاق الإسلام؟
إن الحرب ضرورة تفرضها طبيعة الاجتماع البشري، وطبيعة التدافع الواقع بين البشر الذي ذكره القرآن الكريم بقوله: (وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) (الحج: 40)، وقوله: (وَلَوْلاَ دَفْعُ اللّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَـكِنَّ اللّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ) (البقرة: 251).
ولكن ضرورة الحرب لا تعني الخضوع لغرائز الغضب والحمية الجاهلية وإشباع نوازع الحقد والقسوة والأنانية.
إذا كان لا بد من الحرب، لتكن حرباً تضبطها الأخلاق، ولا تسيّرها الشهوات، لتكن ضد الطغاة والمعتدين لا ضد البرآء والمسالمين.
قال تعالى: (وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ) (البقرة: 190)، وقال: (وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَن صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَن تَعْتَدُواْ وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ) (المائدة: 2).
إذا كان لا بد من الحرب، فلتكن في سبيل الله، وهو السبيل الذي تعلو به كلمة الحق والخير –لا في سبيل الطاغوت– الذي تعلو به كلمة الشر والباطل، قال تعالى: (الَّذِينَ آمَنُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُواْ أَوْلِيَاء الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً) (النساء: 76).
لتكن من أجل استنقاذ المستضعفين، لا من أجل حماية الأقوياء المتسلطين، قال سبحانه: (وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَـذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيّاً وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيراً) (النساء: 75).
ولتتقيد الحرب بأخلاق الرحمة والسماحة، ولو كانت من أشد الأعداء شنآناً للمسلمين وعتواً عليهم.
وإذا كان كثير من قادة الحروب وفلاسفة القوة لا يبالون في أثناء الحرب بشيء إلا التنكيل بالعدو، وتدميره، وإن أصاب هذا التنكيل من لا ناقة له في الحرب ولا جمل، فإن الإسلام يوصي ألا يقتل إلا من يقاتل، ويحذر من الغدر والتمثيل بالجثث وقطع الأشجار، وهدم المباني، وقتل النساء والأطفال والشيوخ والرهبان المنقطعين للعبادة والمزارعين المنقطعين لحراثة الأرض.
وفي هذا جاءت آيات القرآن الكريم، ووصايا الرسول الكريم، وخلفائه الراشدين، ففي القرآن قال تعالى: (وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ) (البقرة: 190).
وفي السُّنة كان النبي صلى الله عليه وسلم يوصي أصحابه إذا توجهوا للقتال بقوله: “اغزوا باسم الله، وفي سبيل الله، وقاتلوا من كفر بالله، اغزوا ولا تغلوا، ولا تغدروا، ولا تمثّلوا لا تقتلوا وليداً..”.
وكذلك كان الخلفاء الراشدون المهديون من بعده يوصون قوادهم: ألا يقتلوا شيخاً ولا صبياً لا امرأة، ولا يقطعوا شجراً، ولا يهدموا بناء.
بل نهوهم عن أن يتعرضوا للرهبان في صوامعهم، وأن يدعوهم وما فرغوا أنفسهم له من العبادة.
ويذكر المؤرخون المسلمون أن الخليفة الأول أبا بكر الصديق رضي الله عنه -في المعارك الكبرى التي دارت بين المسلمين والإمبراطوريتين فارس والروم- أرسل إليه رأس أحد قادة الأعداء من قلب المعركة إلى المدينة عاصمة الدولة الإسلامية، وكان القائد يظن أنه يسر بذلك الخليفة، ولكن الخليفة غضب لهذه الفعلة لما فيها من المثلة، والمساس بكرامة الإنسان، فقالوا له: إنهم يفعلون ذلك برجالنا، فقال الخليفة في استنكار، أستنان بفارس والروم؟ لا يحمل إليَّ رأس بعد اليوم.
وبعد أن تضع الحرب أوزارها، يجب ألا ينسى الجانب الإنساني والأخلاقي في معاملة الأسرى وضحايا الحرب، يقول الله تعالى في وصف الأبرار من عباده: (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً) (الإنسان: 8).
العدد (1470)، ص59 – 13 رجب 1422ه – 29/9/2001م.