- قرأت في عدد من كتب الحديث الشريف قول الرسول صلى الله عليه وسلم: “لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا اليهود، فيختبئ اليهودي وراء الحجر والشجر، فيقول الحجر والشجر: يا عبد الله –أو يا مسلم– هذا يهودي ورائي فتعال فاقتله”.
وسؤالي: هل يفهم من هذا الحديث أن معركتنا مع اليهود ستستمر إلى قيام الساعة؟ وهل يدل الحديث على أن الحجر والشجر ينطقان حقيقة؟ وأيضاً: هل يكون ذلك “كرامة” للمسلمين؟ وهل المسلمون اليوم أهل لهذه الكرامة، أم أن هذا مدَّخر لأجيال أخرى قرب قيام الساعة كما يشير الحديث؟
– هذا الحديث صحيح رواه أكثر من صحابي عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ إذ صح من حديث ابن عمر، ومن حديث أبي هريرة.
فقد روى الشيخان عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا اليهود، حتى يقول الحجر وراءه اليهودي: يا مسلم هذا يهودي ورائي فاقتله” (ذكره في صحيح الجامع الصغير برقم: 7414)، وفي رواية لمسلم: “لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود، يقتلهم المسلمون حتى يختبئ اليهودي من وراء الحجر والشجر، فيقول الحجر أو الشجر: يا مسلم، يا عبدالله، هذا يهودي خلفي، فتعال فاقتله، إلا الغرقد، فإنه شجر اليهود” (ذكره صحيح الجامع الصغير أيضاً، 7427)، رواه الشيخان من حديث ابن عمر بلفظ: “تقاتلون اليهود، فتسلطون عليهم، حتى يختبئ جندهم وراء الحجر، فيقول الحجر: يا عبدالله، هذا يهودي ورائي فاقتله” (ذكره في صحيح الجامع الصغير، 2977).
فالحديث من حيث سنده صحيح بغير نزاع، وهو من أعلام نبوة رسولنا صلى الله عليه وسلم.
وقد مضت قرون، وقارئ هذا الحديث يعجب ما تضمنه من نبأ لا ينبئ عنه الواقع الملموس حال المسلمين وحال اليهود، نحو ثلاثة عشر عاماً.
فقد كان اليهود في ذمة المسلمين وحمايتهم، منذ اضطهدوا في كل أنحاء العالم، ونبذهم أصحاب الملل كلها، ولم يجدوا داراً تؤويهم وتحوطهم إلا دار الإسلام، ولم يجدوا من يحميهم ويذود عنهم وعن حريتهم الدينية والمدنية إلا المسلمين، الذين اعتبروهم أهل كتاب، أعطوهم ذمة الله وذمة رسوله، وذمة جماعة المؤمنين، فكيف يحدث قتال بينهم وبين المسلمين؟
وكيف يقاتل الإنسان من يحميه ويعيش في كنفه؟ ومن أين لهم القوة حتى يقاتلوا المسلمين؟!
لقد بدأ القتال بالفعل بين المسلمين واليهود منذ اغتصبوا أرض فلسطين، وأخرجوا أهلها من ديارهم، وانتهكوا كل الحرمات، وغدا المسجد الأقصى أسيراً في أيديهم، وهم يخططون لهدمه ليبنوا هيكلهم على أنقاضه، والمسلمون في غمرة ساهون، وفي غفلة لاهون.
لكننا مؤمنون بأن المعركة –التي نبأ بها الحديث الصحيح– قادمة لا ريب فيها، تلك المعركة التي “يسلط” فيها المسلمون على اليهود، بعد أن كانوا هم المسلطين على المسلمين، تلك المعركة التي يقاتل المسلمون فيها اليهود، فيقتلهم المسلمون بعد أن مضت سنون وعقود، والمسلمون يقتلهم اليهود.
هذه المعركة التي أخبر بها الحديث الشريف آتية لا ريب فيها، هذا ما يؤمن به كل مسلم، ولكن متى؟ علم ذلك عند الله عز وجل.
المقاتلون الذين ينصرهم الله
المهم أن هذه المعركة –كما ينبئ بها الحديث– ليست معركة وطنية ولا قومية، إنها معركة دينية.
إنها ليست معركة بين العرب والصهاينة، كما يقال اليوم، وليست معركة بين اليهود والفلسطينيين، أو بينهم وبين السوريين والمصريين.
إنها بين المسلمين واليهود، ليست معركة “فئة” من المسلمين ضد “فئة” من اليهود، بل معركة “مجموع” المسلمين مع “مجموع” اليهود، كما يفهم من الألفاظ.
والواقع أن مجموع اليهود يقاتلوننا إلى اليوم بكل ما لديهم من طاقة، إذ بذلوا أموالهم وهم أبخل الناس بالمال، وجادوا بنفوسهم وهم أحرص الناس على حياة، ولكنهم أخذوا الأمر جداً لا هزل فيه، وخططوا وصمموا وأجمعوا ونفذوا، مستمدين قوتهم من تعاليم التوراة، وأحكام التلمود.
أما نحن، فما زال الإسلام مستبعداً من معركتنا معهم، وما زال الكثيرون منا يريدونها معركة قومية لا دخل للدين فيها، ولا صلة له بها، فهم يجتمعون تحت راية اليهودية، ونحن لا نجتمع تحت راية الإسلام، وهم يحترمون السبت، ونحن لا نحترم الجمعة.
ولا بد أن نصارح أنفسنا: إننا إذا أردنا أن تتحقق معركة النصر الموعودة، فلا بد أن نغير ما بأنفسنا حتى يغير الله ما بنا، لا بد لنا أن نحاربهم بمثل ما يحاربوننا به، كما قال أبوبكر لخالد.
إن الحديث الذي بشرنا بالنصر، حدد ملامح المقاتلين الذين ينصرهم الله على اليهود من خلال نداء الحجر أو الشجر للواحد منهم، فهو يقول: “يا عبد الله، يا مسلم، هذا يهودي خلفي فتعال فاقتله”.
فهو هنا ينادي “عبد الله” أما عبد نفسه، عبد أهوائه وشهواته، عبد الدينار والدراهم، عبد المرأة والكأس، عبد الجاه والمنصب، هؤلاء فلن يناديهم حجر ولا شجر، بل سينادي عدوهم عليهم.
وهو هنا يقول: “يا مسلم”، لا يا عربي، ولا يا فلسطيني، ولا يا أردني، ولا يا سوري، ولا يا مصري، ولا يا شامي، ولا يا مغربي، إنه ينادي بوصف واحد وعنوان واحد عرف به؛ أنه “مسلم”، فحين ندخل المعركة تحت شعار العبودية لله، تحت راية الإسلام، حينذاك نرتقب النصر، وأن يكون كل شيء معنا حتى الشجر والحجر.
نطق الشجر والحجر
هنا نتساءل: أيكون نطق الحجر والشجر بلسان المقال أم بلسان الحال؟
والجواب: إنه لا يبعد على قدرة الله تعالى أن ينطق الحجر الأصم، وما ذلك على الله بعزيز، ويكون ذلك كرامة للمؤمنين من باب خوارق العادات، وقد رأينا في عصرنا من العجائب المذهلات، ما قرب إلينا كل ما كان يستبعده الماديون الجاحدون.
المهم أن من كان النصر حليفه كان كل شيء يعمل لحسابه، ويدل على عدوه، حتى النبات والجماد، ومن كتب عليه الخذلان، كان كل شيء ضده، حتى السلاح الذي في يديه.
لا تقوم حتى
أما السؤال: هل يفهم من الحديث معركتنا مع اليهود ستستمر حتى قيام الساعة؟
فالجواب: أن الصيغة لا يفهم منها ذلك بالضرورة، إنما تدل على أن الأمر الواقع بعد حرف الغاية “حتى” سيقع، لا محالة ولا ريب في ذلك قبل قيام الساعة، وكلمة “قبل قيام الساعة” تمتد من بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن تُطوى صفحة هذا العالم، وبعبارة أخرى: إلى أن تقوم الساعة.
والمرجو –إن شاء الله– أن النصر في المعركة ضد اليهود قريب، وقد لاحت تباشيره، وظهرت بواكيره، في الصحوة الإسلامية المرجوة لغد هذه الأمة، وفي ثورة المساجد، ثورة أطفال الحجارة، وحركة المقاومة الإسلامية الصامدة الباسلة، وفي التنادي في كل مكان بضرورة العودة إلى الإسلام، وهو ما يبشر بقرب يوم النصر، قال تعالى: (أَلا إِنَّ نَصْرَ اللّهِ قَرِيبٌ) (البقرة: 214).
العدد (1482)، ص59 – 14 شوال 1422ه – 29/12 2001م.