ناصر الدين الألباني (*)
رسولنا صلى الله عليه وسلم هو الأسوة الحسنة في معالجة مشكلات المسلمين في عالمنا المعاصر وفي كل وقت وحين، ويقتضي ذلك منا أن نبدأ بما بدأ به نبينا صلى الله عليه وسلم؛ وهو إصلاح ما فسد من عقائد المسلمين أولاً، ومن عبادتهم ثانيًا، ومن سلوكهم ثالثًا.
ولست أعني من هذا الترتيب فصل الأمر الأول بدءًا بالأهم ثم المهم، ثم ما دونه! وإنما أريد أن يهتم بذلك المسلمون اهتماماً شديداً كبيراً، وأعني بالمسلمين بطبيعة الأمر الدعاة، ولعل الأصح أن نقول: العلماء منهم؛ لأن الدعاة اليوم –مع الأسف الشديد- يدخل فيهم كل مسلم ولو كان على فقر مدقع من العلم، فصاروا يعدون أنفسهم دعاة إلى الإسلام، وإذا تذكرنا تلك القاعدة المعروفة -لا أقول: عند العلماء فقط، بل عند العقلاء جميعًا- تلك القاعدة التي تقول: «فاقد الشيء لا يعطيه»، فإننا نعلم اليوم بأن هناك طائفة كبيرة جدًّا يعدون بالملايين من المسلمين تنصرف الأنظار إليهم حين يطلق لفظة «الدعاة»، وأعني بهم جماعة الدعوة، أو جماعة التبليغ، ومع ذلك فأكثرهم كما قال الله عز وجل: {وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} (الأعراف: 187).
ومعلوم من طريقة دعوتهم أنهم قد أعرضوا بالكلية عن الاهتمام بالأصل الأول -أو بالأمر الأهم- من الأمور التي ذكرت آنفًا، وأعني: العقيدة والعبادة والسلوك، وأعرضوا عن الإصلاح الذي بدأ به الرسول صلى الله عليه وسلم، بل بدأ به كل الأنبياء، وقد بيَّنه الله تعالى بقوله: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} (النحل: 36).
فهم لا يعنون بهذا الأصل الأصيل والركن الأول من أركان الإسلام -كما هو معلوم لدى المسلمين جميعًا- هذا الأصل الذي قام يدعو إليه أول رسول من الرسل الكرام؛ ألا وهو نوح صلى الله عليه وسلم قرابة ألف سنة، والجميع يعلم أن الشرائع السابقة لم يكن فيها من التفصيل لأحكام العبادات والمعاملات ما هو معروف في ديننا هذا؛ لأنه الدين الخاتم للشرائع والأديان، ومع ذلك فقد لبث نوح في قومه ألف سنة إلا خمسين عامًا يصرف وقته وجل اهتمامه للدعوة إلى التوحيد، ومع ذلك أعرض قومه عن دعوته كما بيَّن الله عز وجل ذلك في محكم التنزيل: {وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ يَعُوقَ وَنَسْرًا} (نوح: 23).
فهذا يدل دلالة قاطعة على أن أهم شيء ينبغي على الدعاة إلى الإسلام الحق الاهتمام به دائمًا هو الدعوة إلى التوحيد وهو معنى قوله تبارك وتعالى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} (محمد: 19).
هكذا كانت سُنة النبي صلى الله عليه وسلم عملاً وتعليماً.
أما فعله؛ فلا يحتاج إلى بحث؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم في العهد المكي إنما كان فعله ودعوته محصورة في الغالب في دعوة قومه إلى عبادة الله لا شريك له.
أما تعليمًا؛ ففي حديث أنس بن مالك رضي الله عنه الوارد في الصحيحين: أن النبي صلى الله عليه وسلم عندما أرسل معاذًا إلى اليمن قال له: «ليكن أول ما تدعوهم إليه: شهادة أن لا إله إلا الله، فإن هم أطاعوك لذلك»، إلخ الحديث وهو معلوم ومشهور إن شاء الله تعالى.
إذًا، قد أمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه أن يبدؤوا بما بدأ به وهو الدعوة إلى التوحيد، ولا شك أن هناك فرقًا كبيرًا جدًّا بين أولئك العرب المشركين -من حيث إنهم كانوا يفهمون ما يقال لهم بلغتهم- وأغلب العرب المسلمين اليوم الذين ليسوا بحاجة أن يدعوا إلى أن يقولوا: لا إله إلا الله؛ لأنهم قائلون بها على اختلاف مذاهبهم وطرائقهم وعقائدهم، فكلهم يقولون: لا إله إلا الله، لكنهم في الواقع بحاجة أن يفهموا -أكثر- معنى هذه الكلمة الطيبة، وهذا الفرق فرق جوهري جدًّا بين العرب الأولين الذين كانوا إذا دعاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقولوا: لا إله إلا الله يستكبرون، كما هو مبين في صريح القرآن العظيم لماذا يستكبرون؟ لأنهم يفهمون أن معنى هذه الكلمة ألا يتخذوا مع الله أندادًا وألا يعبدوا إلا الله، وهم كانوا يعبدون غيره، فهم ينادون غير الله ويستغيثون بغير الله؛ فضلاً عن النذر لغير الله، والتوسل بغير الله، والذبح لغيره والتحاكم لسواه.. إلخ.
هذه الوسائل الشركية الوثنية المعروفة التي كانوا يفعلونها، ومع ذلك كانوا يعلمون أن من لوازم هذه الكلمة الطيبة -لا إله إلا الله- من حيث اللغة العربية أن يتبرؤوا من كل هذه الأمور؛ لمنافاتها لمعنى «لا إله إلا الله».
_____________________________
(*) من كتاب «التوحيد أولاً يا دعاة الإسلام» للألباني.