- ما عوامل تفرُّق الأمة الإسلامية في وقتنا الحاضر؟
– العوامل التي أدت إلى تفرق الأمة وتمزقها مشتركة داخلية وخارجية، وتتداخل هذه العوامل، وتنحصر في أربعة أسباب أساسية، فيما أرى كالتالي:
أولاً: ظهور العصبيات التي فرقت بين الأمة، فالأمة الإسلامية كانت تعيش تحت مظلة العقيدة الإسلامية والأخوة الإسلامية؛ (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) (الحجرات: 10)، “المسلم أخو المسلم”، والإسلام اعتبر الأخوة إيماناً والفرقة كفراً، لما ذهب بعض اليهود وحاول أن يفرق بين الأوس والخزرج، نزل القرآن يقول: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوَاْ إِن تُطِيعُواْ فَرِيقاً مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ يَرُدُّوكُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ) (آل عمران: 100)، فأسباب النزول تبين أنهم يردوكم بعد وحدتكم متفرقين، وبعد أخوتكم متعادين؛ (وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَن يَعْتَصِم بِاللّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ) (آل عمران: 101)؛ أي كيف تتفرقون، فعبر عن الفرقة بالكفر، فأقول: إنه بعد هذه المظلة العقدية التي كانت تجمع الأمة ظهرت عصبيات شتى؛ قومية وعنصرية، ووطنية وإقليمية، ولغوية، فظهر في الأتراك القومية الطورانية، وعند العرب القومية العربية، وظهرت قومية سورية تدعو إلى الفينيقية، وقومية فرعونية في مصر، وآشورية في العراق، وهكذا، فهذه العصبيات أدت دوراً أساسياً في تفرق الأمة.
العامل الثاني: المذاهب والأفكار والمبادئ المستوردة، فبعدما كانت الأمة تحكّم الشريعة ولها مرجعية واحدة، أصبحت الآن تحتكم إلى أشياء أخرى، وهذه جعلت جماعة يتجهون إلى اليمين، وجماعة يتجهون إلى اليسار، وجماعة يتجهون إلى الشرق، وجماعة إلى الغرب، والقرآن يقول: (وَأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ) (الأنعام: 153).
كان هناك صراط واحد تجتمع عليه الأمة، والآن هناك سبل مختلفة، فهذا يأخذ الليبرالية، وهذا يأخذ الاشتراكية، وهذا يأخذ الماركسية اللينينية وذلك الماركسية.. وهكذا.
العامل الثالث: اختلاف الولاءات حتى مع اختلاف المستوردات، تنوعت الولاءات بعد أن كان الولاء كله لله ولرسوله والمؤمنين، قال تعالى: (وَمَن يَتَوَلَّ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ) (المائدة: 56).
العامل الرابع: الأنانيات والأهواء الحاكمة، فبعض الناس وجد أنه من مصلحته أن يكون كملوك الطوائف في الأندلس، وكما قال الشاعر:
مما يزهدني في أرض أندلس
ألقاب معتصم فيها ومعتضد
ألقاب مملكة في غير موضعها
كالهر يحكي انتفاخاً صورة الأسد
فهذه الأنانيات الحاكمة والأهواء التي سيطرت على الكثيرين جعلتهم يؤثرون مصالحهم الشخصية، وأن يكون لهم كرسي مستقل عن غيره، ولو كان في ذلك ضياع الأمة في النهاية.
العدد (1493)، ص59 – 9 محرم 1423ه – 23/2/2002م.