حين فاز حزب العدالة والتنمية ذو الخلفيات الإسلامية في تركيا وتولي رجب طيب أردوغان رئاسة الوزراء في عام 2002م، واستمر في السلطة، أشادت به حكومة الغرب وكانت واشنطن وأوروبا يدعوان الدول العربية للاستفادة من تجربة تركيا كـ “إسلام معتدل”.
لكن، لأن “الإسلام المعتدل” في المفهوم الغربي هو المسلم الذي يمارس شعائر الدين دون جوهره أو شريعته، أي يصلي ويصوم، لكن يقبل بالعيش وفق أفكار الغرب حول العلاقات الجنسية بدون زواج والشذوذ وغيره، بينما تركيا أردوغان اتجهت، عكس التصور الغربي الشكلي للإسلام، فقد أزعجهم ذلك.
يخشون سعي أردوغان لبناء دولة إسلامية عثمانية عصرية تأخذ بأسباب العصر والقوة، وتنافس الغرب، بعدما ظلوا لسنوات يهيمنون عليها حين كانت تُسمي “رجل أوروبا المريض”، لذلك هاجموه بأسلوب فج غير موضوعي بعدما كانوا يشيدون به.
الآن، وفي ظل توقع الميديا الغربية، مثل مجلة “فورين أفيرز” فوز الرئيس التركي رجب طيب إردوغان برئاسة تركيا مجدداً في انتخابات 14 مايو 2023م، تحركت ماكينة الدعاية بقوة تحاول إسقاطه في الانتخابات.
اتهموه بالديكتاتورية برغم أنه يجري انتخابات حرة يتنافس فيها الجميع ويكيل إعلام ومعارضة تركيا له الانتقادات، وأعلنوا دعمهم لمعارضيه بوضوح ورغبتهم في سقوطه في الانتخابات وأن تعود تركيا لتركع تحت أقدام الغرب.
لم يكتف الغرب بدعم انقلاب 2016م العسكري ضد أردوغان، فألقي بثقله في الانتخابات التركية لمحاولة إسقاط الرجل بوسائل سياسية، عن طريق دعمه للمعارضة العلمانية، بعدما فشل في إبعاده بالقوة المسلحة.
سفراء أوروبا ألتقوا المعارضة علنا لدعمها، وتمنوا فوز خصم أردوغان “كمال كليجدار أوغلو”، الذي يعادي الشريعة الإسلامية، وأطلقت صحف أوروبا وأمريكا حملة إعلامية مخططة منحازة ضد أردوغان.
ديكتاتور ويجب أن يرحل!
كانت مفارقة غريبة أن تخصص مجلة “إيكونوميست” البريطانية صورة حسابها على تويتر، لتغطية انتخابات تركيا لتحولها إلى ما يشبه الدعاية للمعارضة بعدما أطلقت عبر غلافها دعوة لإسقاط اردوغان في الانتخابات.
كتبت تقول ـ بالمخالفة للأعراف الصحفية ووقارها المعتاد ـ يوم 4 مايو 2023م: “أردوغان ديكتاتور ولابد أن يرحل احموا الديمقراطية”!!.
قالت المجلة في تقريرها: “أردوغان طاغية يجب أن يرحل ليتخلص الشعب التركي من حكم الرجل المستبد”!.
زعمت أن “سقوط أردوغان في الانتخابات المقبلة يشجع الشعوب على التخلص من طغاتها”، مضيفة أن “رحيل أردوغان يحفظ الديمقراطية في تركيا”.
وتمنت رحيل أردوغان كي تسمح تركيا بعدها بعضوية السويد في الاتحاد الأوروبي ـ رغم أن السويد سمحت بإحراق القرآن علنا أمام سفارة تركيا وهاجمت الإسلام ـ، أنه “إذا رحل أردوغان ستتغير الكثير من الأمور لصالح الديموقراطية، وتتوقف الهجمات ضد تنظيم PKK/PYD (الإرهابي) شمالي سوريا، وتتحسن العلاقة مع أمريكا”.
بالمقابل، ظهر جلياً دعم الصحيفة البريطانية للمعارضة التركية في وجه أردوغان قائلة، إن “انتصار المعارضة سيكون مفيدًا أيضًا لجيران تركيا، وله قيمة جيوسياسية ضخمة للغرب”.
وقالت بطريقة فجة: “الرئيس كليجدار أوغلو (كأنهم يتوقعون فوزه) سوف يتعهد باحترام أحكام المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان والبدء في إطلاق سراح سجناء أردوغان السياسيين”، وتقصد بهم نشطاء حزب العمال الكردستاني الذين يزرعون المتفجرات في البلاد ويقتلون الأتراك!
وهذه ليست المرة الأولى التي تقوم فيها “إيكونوميست” بالهجوم على الرئيس التركي ففي مطلع العام 2023م نشرت تقريراً بعنوان “ديكتاتورية تركية تلوح بالأفق.. تقرير خاص عن إمبراطورية أردوغان”، لكنها هذه المرة خدمت أردوغان من حيث لا تدري، إذ أصبح الشعب التركي أكثر رفضاً للتدخل الغربي في شئون البلاد؟!
وجاء غلاف الإيكونوميست كهدية لحملة أردوغان التي استخدمته بذكاء لتعبئة الناس تجاه الحملة التي تستهدف استقرار تركيا.
تكرر الأمر مع هيئة التحرير في “واشنطن بوست” التي كتبت 4 مايو 2023م نصاً هجائياً منحازاً ضد الرئيس أردوغان تحت عنوان “شبح الاستبداد يخيم بشكل متزايد على انتخابات تركيا” لمجرد أن فرص الرئيس التركي أفضل في الفوز.
قالت إن هناك قلق في واشنطن وأوروبا من فوز أردوغان بولاية أُخرى بسبب ما تري انه إضراره بمصالح أمريكا وأوروبا وبناءه دولة ذات جذور إسلامية.
زعمت أنه لو خسر أردوغان “فهناك مخاوف من أنه ومؤيديه قد يرفضون النتيجة ولا يعترفون بها” وأن “هذه المخاوف هي مقياس لمدى عمق تخريب الرجل التركي القوي للمعايير، والمخاطر التي يمثلها تمديد حكمه الاستبدادي”!.
وكانت هذه هي نفس الحجة التي قيلت خلال حكم الرئيس الراحل محمد مرسي حين زعم معارضوه اليساريون والليبراليون أنه لن يقبل الهزيمة هو وأنصاره، وحين فاز قالوا إنه سيرفض ترك الحكم، حتى توافرت المبررات للانقلاب ضده وحبسه وقتله.
اسقطوه أو انتظروا الفوضى!
كان تحليل مجلة ديرشبيجل الألمانية 3 مايو 2023 أكثر فجوراً تجاه أردوغان فلم تخفي المجلة أماني الألمان في هزيمة أردوغان وتمنيها أن تكون الانتخابات فرصة للتخلص من أردوغان، وأن المعارضة لديها فرصة لأول مرة منذ 20 عاماً “للتخلص من أردوغان “.
وعلى غرار ما كتبته مجلة “الإيكونوميست” البريطانية على صفحتها الأخيرة 4 مايو 2023، في تناولها للانتخابات التركية واصفة الرئيس أردوغان بـ “الديكتاتور”، كما طالبت برحيله، لجأت مجلة ديرشبيجل الألمانية إلى التحريض على إسقاط الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في الانتخابات الرئاسية.
ديرشبيجل عنونت غلافها بـعبارة: “القيامة أم الفوضى.. ماذا سيحدث إذا خسر أردوغان؟، مصحوباً بصورة قاتمة للرئيس التركي جالساً على كرسي بذراعين مصنوع من ورق الذهب مكسور من أجزاء مختلفة، في حملة غربية للتحريض على إسقاطه.
وزعم التقرير إلى أن الرئيس التركي تقلد السلطة لمدة 20 عاماً، شهدت البلاد خلالها ازدهاراً وضغوطاً، لكن ووفقاً للمجلة “يمكن أن تذهب الانتخابات الرئاسية الأبدية على ما يبدو إلى شخص آخر، حيث “المؤيدون المحبطون والجيل الجديد الفقير والناخبون الشباب يتجهون نحو رجل جديد يمكن أن يحل محله”، على حد قولها.
وزعم تقرير المجلة أنه إذا أعيد انتخاب أردوغان، “ستتحول البلاد إلى ديكتاتورية ولن تكون هناك حياة سلمية ولا انتخابات أخرى” على حد زعمها.
كما ادعت المجلة أنه “ليس من المؤكد بأي حال من الأحوال أن أردوغان سوف يعترف بالهزيمة المحتملة ومن الممكن أيضاً تحريض مؤيديه ضد خصمه، كما فعل دونالد ترامب في الولايات المتحدة. وكان وزير الداخلية قد وصف مؤخراً يوم انتخابات 14 مايو بأنه انقلاب”
ويقول الكتاب المقيم في أوروبا “حسن قطامش” أنه أحصي 100 مجلة أوروبية وأمريكية تهاجم أردوغان وتطالب بإسقاطه في الانتخابات، كأنها هناك مايسترو يعزف نفس اللحن ويردده الجميع.
فمجلة “لكسبيرس” قالت في العنوان: أردوغان.. خطر الفوضى!، و”لوبوان” كتبت: “أردوغان .. بوتين الآخر!”، ومجلة “بروفيل” النمساوية التي تصدر بالألمانية كتبت على الغلاف “أردوغان على وشك السقوط من الهلال المتعلق به” وكتبت تهلل: “سنتخلص منه أخيراً”.
ينتظرون سقوطه للاحتفال بكؤوس الخمور
“عزل أردوغان سيُستقبل بأصوات (فتح) فلين الشمبانيا على طول الطريق من برلين إلى واشنطن”، هكذا كتب “ديفيد هيرست” في صحيفة “ميدل إيست آي” البريطانية 21 أبريل 2021م مبيناً كيف ينتظر الغرب ببهجة غير عادية سقوط أردوغان.
قال: ما من شك في أن إزاحة أردوغان من منصبه سوف تقابل بترحيب شديد وبالشمبانيا في العواصم الغربية من برلين إلى واشنطن، وهذا أمر واضح ولكن هل سيعود غيابه من الساحة الإقليمية بالخير على تركيا أو حتى على الشرق الأوسط؟
روي كيف أمضى مذيعو القنوات التلفزيونية الغربية والسعودية والإماراتية والمصرية ليلة انقلاب 2026م العسكري بطولها وهم يعلقون مبتهجين على تطورات الأحداث دقيقة بدقيقة، زاعمين أن عدوهم، الذي وقف إلى جانب الربيع العربي، إما أنه قد هلك أو هرب إلى خارج البلاد!!
حينذاك، نشرت صحيفة الغارديان البريطانية مقال رأي فج، حول “نهاية رجل وصفته بأنه إسلامي سلطوي”.
وشرح ديفيد هيرست سر رغبة الغرب في سقوط أردوغان وفوز كمال كيليشدار أوغلو مرشح المعارضة العلمانية موضحاً أن الأخير “يبدي رغبة جامحة في إرضاء واشنطن والاتحاد الأوروبي والناتو، بما لا يبشر بخير بالنسبة للمنطقة”.
ويقول نشطاء عرب إن ما يدور في الإعلام الأوروبي عن أردوغان يشي بحجم المؤامرة الهائل، كما أن ما ينشره “إعلام صهاينة العرب” أكثر خسّة ووضاعة عن أردوغان، مثلما فرحوا بانقلاب 2016م العسكري الفاشل ضد أردوغان وبث أخبار كاذبة عن هربه لألمانيا.
قالوا إن أوروبا لن تستسلم أمام اكتساح أردوغان في كُل انتخابات ولن تتقبل نجاته عند كل أزمة، بعدما حاولوا اسقاطه بانقلاب عسكري، ثم بانقلاب اقتصادي والتلاعب بالليرة التركية، وأنهم يسعون لمنع عودة الامبراطورية العثمانية الحديثة.
لا تُظهروا شماتتكم!
وبسبب هذا العداء الفج لأردوغان والتدخل الغربي في انتخابات تركيا، قدم “المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية” نصائح لحكومات الغرب بعدم التدخل في شؤون تركيا والانتخابات خشية فوز اردوغان في النهاية ومن ثم التأثير على العلاقات التركية الغربية مستقبلاً.
وأوضح في تقرير يوم 25 أبريل 2023م أن الإجراءات والتصريحات التي يتخذها صانعو السياسة في الولايات المتحدة وأوروبا في الفترة التي تسبق الانتخابات وبعدها مباشرة قد تحدد علاقتهم بتركيا على مدار العقد المقبل.
وأكد أن “الحذر ضروري للحفاظ على المصالح طويلة الأجل” قائلاً للغرب: “لا تحاولوا التأثير على نتيجة الانتخابات”.
وقال: أصبح “الغرب” البعبع في الانتخابات التركية بعد سنوات من معاداة أمريكا التي تغلغلت في الخطاب العام حيث تتهم الحكومة المعارضة بالفعل بأنها أداة في يد الغرب لإضعاف تركيا، وتقسيمها إذا أمكن، ونشر زواج المثليين على الأقل لإضعاف قيم الأسرة التركية.
وقال المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية: قد ترغب بعض الحكومات الغربية في الخوض في السياسة التركية بطرق خفية مختلفة، لكن سيكون هذا خطأ، ولدى الولايات المتحدة ومعظم دول الاتحاد الأوروبي إشكالية عميقة في تركيا، لذا فأي تدخل، مهما كان خفيًا أو ماهرًا، يخاطر برد فعل (تركي) عنيف.
بارك الله فيك أخي الكريم نشكرك على هذه الرسالة القيمة