تحت رعاية مركز الدراسات الحضارية بالقاهرة، أقيمت ندوة التعددية السياسية في الدولة الإسلامية، حيث شارك فيها مجموعة من أعلام الفكر الإسلامي ورجال الدعوة، وعلى رأسهم فضيلة د. يوسف القرضاوي، وأ. مصطفى مشهور، ود. توفيق الشاوي، ود. أحمد العسال، ود. محمد سليم العوا، بالإضافة إلى المؤرخ المستشار طارق البشري، وأ. فهمي هويدي، ود. عبد الغفار عزيز، ود. سيد شوقي، وأ. محمد مهدي عاكف، ود. محمد حبيب.
وتحدث د. يوسف القرضاوي، قائلاً: بداية، أتوجه بالشكر إلى إدارة المركز لما أولته من اهتمام بهذا الموضوع الذي نعد جميعاً في أشد الاحتياج للتباحث فيه للخروج برأي أقرب إلى الرشد والصواب، وبداية فإنه لا توجد في قضية التعددية نصوص ملزمة إلا في نطاق ضيق، فالقضايا التي تقبل التطور والتغير لا توجد بها نصوص قاطعة الدلالة، وهذا رحمة من الله تعالى من غير نسيان، فهي، إذاً، منطقة عفو واسعة تتحرك فيها وفق مقاصد الشريعة ومصالح الخلق التي بدورها متغيرة زماناً ومكاناً، لذلك يلجأ كثير من الباحثين في هذا الأمر إلى السوابق التشريعية، وما حدث في عصور الخلافة الراشدة، ويعتبر بعضهم أن ما حدث هو ملزم، وهو أمر يحتاج إلى بحث وتمحيص؛ لأن هذه الأمور والقضايا كانت ابتكارات لمواجهة الواقع، والسُّنة في اقتدائنا بهم ليست الاتباع ولكن في المنهج والطريقة والفهم والتطبيق.
وأضاف د. القرضاوي: الاختلاف أمر فقهي وارد وثابت، ومدرسة الرأي الواحد ليس لها وجود في الفكر الإسلامي، وما يقال عن عدم وجود جماعات في الدولة الإسلامية أمر لا يقبله الإسلام، فالاختلاف ضرورة ورحمة وسعة، ضرورة يقتضيها الدين، وهناك المحكم والمتشابه، وكان من الصحابة المتشدد والميسر.
فاختلاف الأفراد إذاً يعود إلى نشأة مذاهب وجماعات، فالأحزاب في السياسة أشبه بالمذاهب في الفقه، فليس هناك مانع من وجود جماعات تجتمع على أهداف وأولويات معينة.. كل ذلك أساس شرعية التعددية، وليس بالضرورة أن نأخذ الصورة القريبة بحذافيرها، مع عدم إهمال بعض الآراء والأفكار والتنظيمات التي يمكن وضعها في قالب إسلامي مع ترك فلسفة التنظيم، مثال في إطار مفهوم الشهادة فالحكمة ضالة المؤمن، كل ذلك يحتاج إلى دراسة واستيعاب لكافة الجوانب.
كما أن قضية اختيار الحاكم متروكة للجميع في المجتمع، للفاسق والبر على حد سواء، فالمجتمع الفاسد سيُخرج حاكماً فاسداً، والمجتمع الصالح سيخرج حاكماً صالحاً، وهكذا.
وأردف د. القرضاوي: أعود فأكرر، أنه لا مانع من وجود أحزاب تختلف حول رؤى مختلفة للإصلاح على أساس من الإسلام، فالاختلاف أمر تقتضيه اللغة والدين والشرع والكون والحياة، لذلك من أخطر الأمور على الإسلام مدرسة الرأي الواحد التي تنكر الأفكار والمذاهب الأخرى.. هذه الآراء الداعية إلى الإصلاح يمكن لها أن تتجمع في شكل جماعة أو حزب فلا مانع من ذلك، فالأحزاب في السياسة تماثل –كما قلت– المذاهب في الفقه، حتى ما قيل عن الخوارج والشيعة من أنها كانت ظواهر فرضية، هذا الكلام غير صحيح، وهو ما أكده الإمام علي رضي الله عنه، في قوله أمام الخوارج حيث قالوا: أن لا حكم إلا لله، قال: “لكم علينا ثلاث؛ ألا نمنعكم مساجد الله، وألا نمنعكم الفيء ما دامت أيديكم في أيدينا، وألا نبدأكم بقتال إلا إذا بدأتمونا”، هذا الكلام يؤكد شرعية وجود المعارضة في الدولة الإسلامية، خاصة ما عرف عن الخوارج من وجود قوة مسلحة لهم واختلاف في الرأي والفقه عن أهل السُّنة.
والواقع يشهد بأهمية الحزبية، وفي هذا الإطار يجب أن نقرأ بدقة ما قاله الإمام البنا بخصوص رفض الحزبية، وأن نفهم هذا الكلام في سياق عصره، وأن الأمة عاشت في هذه المرحلة حقبة استعمارية تستدعي تكاتف الجماعة والأمة في جماعة واحدة، كما يجب علينا أن نفهم ما ذكره من أن النظام النيابي هو أقرب النظم إلى الإسلام، وذكر هذا الكلام في أخريات حياته، بما يؤكد أنه في البداية كان يدعو إلى قواعد عامة، ثم يتدرج بعد ذلك إلى الحديث عن التفصيلات ولو قدر له من العمر لكتب الكثير عن تفصيلات النظام الإسلامي.
أما موضوع العلمانيين، ففي رأيي كل من يحترم قطعيات الشريعة وليس العقيدة فقط، مع ترك الباب مفتوحاً أمام قضايا الاجتهاد التي تقبل النقاش، هذه الثوابت أو القطعيات لا بد من احترامها، فإن احترمت فلا مانع من وجود التعدد.
___________________________________________________________________________
العدد (1015)، ص36-38 – بتاريخ: 11 ربيع الأول 1413هـ – 8سبتمبر 1992م.