سورة «بني إسرائيل» أو سورة «الإسراء» إحدى سور القرآن الكريم، وكلتا التسميتين صادقة على مضمونها، فأما الأولى فلأن نظام السورة يتناول قصة بني إسرائيل العامة من إحداثهم الإفسادتين في الأرض إلى وعد الآخرة وإساءة وجوههم.
وأما الثانية فبشأن ما بدأت به السورة من تنزيه الله سبحانه وتعالى وبيان عظيم قدرته حيث أسرى بعبده إلى المسجد الأقصى ثم عرج به إلى السماء، وما بين الإفسادتين وإسراء ومعراج؛ مسجد مبارك وأرض حوله مباركة تكون مسرحًا لأحداث الدنيا الموصولة بالسماء.
وقد بدأت السورة بذكرهما فقال تعالى: (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آَيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِير) (الإسراء: 1)، وقد فصّلت السُّنة في فضائل هذه البقعة المركزية في الصراع بين أهل الإسلام واليهود باعتبارين؛ الأول: المسجد الأقصى وخبره وفضائله، والثاني: فضائل أرض الشام المباركة حوله وما ستشهده من أحداث.
المسجد الأقصى
وقد تناولت السُّنة النبوية أمر المسجد الأقصى من جوانب عدة، وذلك في دلالة على أهميته في التصور الإسلامي ومركزيته في عقيدة أهل الإيمان وحركتهم.
بنائه
فقد ذكرت السُّنة النبوية خبره منذ أول بنائه فيما يدل على أهمية أمره، فجاء في حديث أبي ذر الغفاري رضي الله عنه قال: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ مَسْجِدٍ وُضِعَ فِي الأَرْضِ أَوَّلَ؟ قَالَ: «المَسْجِدُ الحَرَامُ»، قَالَ: قُلْتُ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: «المَسْجِدُ الأَقْصَى»، قُلْتُ: كَمْ كَانَ بَيْنَهُمَا؟ قَالَ: «أَرْبَعُونَ سَنَةً، ثُمَّ أَيْنَمَا أَدْرَكَتْكَ الصَّلاَةُ بَعْدُ فَصَلِّهْ، فَإِنَّ الفَضْلَ فِيهِ» (رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما).
دلائل صدق النبوة بإخبار ما سيكون فيه
وقد روت السُّنة أمرًا عظيمًا من دلائل نبوة محمد صلى الله عليه وسلم، الذي قص علينا خبر ما سيكون من تمني أهل الإسلام أن يروا بيت المقدس ولو من كور صغير وتفضيلهم ذلك على الدنيا وما فيها، وهذا حادث الآن بعد أن تسلط عليه اليهود وحُرم منه المسلمون، فقد روي عن أبي ذر رضي الله عنه قوله: تذاكرنا ونحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلنا: أيهما أفضل: مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم أو مسجد بيت المقدس؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «صَلاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا أَفْضَلُ مِنْ أَرْبَعِ صَلَوَاتٍ فِيهِ، وَلَنِعْمَ الْمُصَلَّى، وَلَيُوشِكَنَّ أَنْ يَكُونَ لِلرَّجُلِ مِثْلُ شَطَنِ فَرَسِهِ مِنَ الأَرْضِ، حَيْثُ يَرَى مِنْهُ بَيْتَ الْمَقْدِسِ خَيْرٌ لَهُ مِنَ الدُّنْيَا جَمِيعًا»، أو قال: «خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا» (أخرجه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي والألباني).
أحداث آخر الزمان
أما في آخر الزمان، فسيتمثل الخير في المهدي ومن معه من أهل الإيمان وعلى رأسهم نبي الله عيسى عليه السلام، ويتمثل الشر في المسيح الدجال ومن معه، الذي سيسيح في الأرض ويعمها فسادًا إلا بعض مواضع مباركة تكون حصنًا للمسلمين من شره، ومنها المسجد الأقصى، فعن جنادة بن أمية الأزدي قال: ذهبت أنا ورجل من الأنصار إلى رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فقلنا: حدثنا ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر في الدجال، ولا تحدثنا عن غيره وإن كان مصدقًا، قال: خطبنا النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «أَنْذَرْتُكُمُ الدَّجَّالَ -ثَلَاثًا- فَإِنَّهُ لَمْ يَكُنْ نَبِيٌّ قَبْلِي إِلَّا قَدْ أَنْذَرَهُ أُمَّتَهُ، وَإِنَّهُ فِيكُمْ أَيَّتُهَا الْأُمَّةُ، وَإِنَّهُ جَعْدٌ آدَمُ مَمْسُوحُ الْعَيْنِ الْيُسْرَى، مَعَهُ جَنَّةٌ وَنَارٌ، فَنَارُهُ جَنَّةٌ وَجَنَّتُهُ نَارٌ، وَمَعَهُ جَبَلٌ مِنْ خُبْزٍ وَنَهْرٌ مِنْ مَاءٍ، وَإِنَّهُ يُمْطِرُ الْمَطَرَ وَلَا يُنْبِتُ الشَّجَرَ، وَإِنَّهُ يُسَلَّطُ عَلَى نَفْسٍ فَيَقْتُلُهَا وَلَا يُسَلَّطُ عَلَى غَيْرِهَا، وَإِنَّهُ يَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ أَرْبَعِينَ صَبَاحًا، يَبْلُغُ فِيهَا كُلَّ مَنْهَلٍ، وَلَا يَقْرَبُ أَرْبَعَةَ مَسَاجِدَ: مَسْجِدَ الْحَرَامِ، وَمَسْجِدَ الْمَدِينَةِ، وَمَسْجِدَ الطُّورِ، وَمَسْجِدَ الْأَقْصَى، وَمَا يُشَبَّهُ عَلَيْكُمْ، فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَيْسَ بِأَعْوَرَ» (رواه الإمام أحمد في مسنده بسند صحيح).
أرض الشام حول «الأقصى»
أما أرض الشام حول المسجد الأقصى فقد جاء في صحيح السُّنة أحاديث كثيرة في فضائلها مصداقًا لما ذكر القرآن من بركتها.
فضائلها
منها أنها عقر ديار أهل الإيمان وملاذهم من الفتن، وأنها خيرة الله في أرضه، وأنها أرض الملاحم التي ستضم الأحداث الكبرى في آخر الزمان.
فأما عن البركة فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «اللهم بارك لنا في شامنا» (رواه البخاري).
وأما عن كونها أرض المؤمنين، فقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: «ألا إن عقر دار المؤمنين الشام» (أخرجه أحمد وحسّنه الألباني).
وأما عن الوصية بسكناها فقد وصى النبي صلى الله عليه وسلم بسكنى الشام فقال: «عليك بالشام فإنها خيرة الله في أرضه، يجتبي إليها خيرته من عباده» (رواه أبو داود وأحمد بسند صحيح).
ملاحم آخر الزمان
ذكرت السُّنة النبوية أن نزول عيسى ابن مريم عليه السلام سيكون فيها ليلحق بأهل الإيمان، فعن أوس بن أوس الثقفي رضي الله عنه أنه سمع رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وعلى آله وسلم يقول: «ينزل عيسى ابن مريم عليهما السلام عند المنارةِ البيضاء شرقي دمشق» (أخرجه الطبراني في المعجم الكبير وصحّحه الألباني في صحيح الجامع الصغير).
وذكرت أن هلاك الدجال سيكون فيها، وذلك حين يقتل المسيحُ الحق المسيحَ الباطل، فعن النواس بن السمعان الكلابيّ رضي اللَّه عنه قال: ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الدجال، فقال: «إن يخرج وأنا فيكم فأنا حجيجه دونكم، وإن يخرج ولستُ فيكم، فامرؤ حجيج نفسه، والله خليفتي على كل مسلم، فمن أدركه منكم فليقرأ عليه فواتح سورة «الكهف»، فإنها جواركم من فتنته»، قلنا: وما لبثه في الأرض؟ قال: «أربعون يوماً: يومٌ كسنة، ويومٌ كشهر، ويومٌ كجمعة، وسائر أيامه كأيامكم»، فقلنا: يا رسول الله، هذا اليوم الذي كسنة، أتكفينا فيه صلاة يوم وليلة؟ قال: «لا، اقدروا له قدره، ثم ينزل عيسى ابن مريم عند المنارة البيضاء شرقي دمشق، فيُدرِكه عند باب لد، فيقتله» (أخرجه مسلم).
ومنها أن هلاك يأجوج ومأجوج اللذين سيليا الدجال فيها أيضًا، روى النواس بن سمعان رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم عندما ذكر يأجوج ومأجوج قال: «.. ثُمَّ يَسِيرُونَ حَتَّى يَنْتَهُوا إِلَى جَبَلِ الْخَمَرِ -وَهُوَ جَبَلُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ- فَيَقُولُونَ: لَقَدْ قَتَلْنَا مَنْ فِي الْأَرْضِ، هَلُمَّ فَلْنَقْتُلْ مَنْ فِي السَّمَاءِ، فَيَرْمُونَ بِنُشَّابِهِمْ إِلَى السَّمَاءِ، فَيَرُدُّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ نُشَّابَهُمْ مَخْضُوبَةً دَمًا..»، وفي تتمة الحديث: «فَيَرْغَبُ نَبِيُّ اللَّهِ عِيسَىَ عليه السلام وَأَصْحَابُهُ، فَيُرْسِلُ اللَّهُ عَلَيْهِمُ النَّغَفَ فِي رِقَابِهِمْ فَيُصْبِحُونَ فَرْسَى كَمَوْتِ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ» (رواه مسلم).