انتهت القمة العربية الإسلامية الطارئة، التي استغرب الفلسطينيون وشعوب الأمة العربية والإسلامية انعقادها بعد ستة وثلاثين يوماً من العدوان الصهيوأمريكي المدمر على قطاع غزة؛ إذ تأخرت كثيراً وقللت من شأنها، وكادت أن تفقد قيمتها لولا صمود الفلسطينيين، وقد سبقها حجيج الرئيس الأمريكي بايدن وقادة دول أوروبا وحلفائهم إلى الكيان الصهيوني لتأييده ومساندته، وإطلاق رسائل التهديد والوعيد إلى دول وقوى المنطقة، بالتزامن مع رسائل التطمين للكيان الصهيوني وحكومته في عدوانهم على قطاع غزة.
قد كان حرياً بقادة الدول العربية والإسلامية، الذين نفترض غيرتهم وغضبهم، ولا نشكك في نواياهم ولا نتهمهم في سياساتهم، أن يجتمعوا في الأيام الأولى للعدوان، قبل أن يرتكب العدو جرائمه المهولة بحق الشعب الفلسطيني، ويلقي على قطاع غزة الصغير المساحة آلاف الأطنان من المتفجرات، التي تفوق في حجمها وآثارها وقدراتها التدميرية ضعفي القنبلة الأمريكية التي ألقيت على مدينة هيروشيما اليابانية، وقد خلفت غاراته الجوية والبرية والبحرية، التي طالت كل المناطق، الجنوبية التي يزعمون أنها آمنة والشمالية، عشرات آلاف الشهداء والجرحى، فضلاً عن التدمير المهول الواسع الذي شمل كل أنحاء قطاع غزة.
لم يأبه نتنياهو وقادة الكيان الصهيوني بالقمة الطارئة، ولم يقلقوا بشأن قراراتها، ولم يخافوا من مخرجاتها، وكأنهم كانوا يعرفون مستوى حضورهم، ودرجة جديتهم، ومضمون توصياتهم، ويدركون أنها لن تكون أكثر من منبر إعلامي، لبيع الوهم وخداع الشعوب، وتنفيس الغضب وتبديد حالة الاحتقان الشعبية المتصاعدة ضدهم، ولن تشكل كلمات قادتها خطورة، إذ لن تتجاوز الخطابات الرنانة، والكلمات العاطفية وعبارات التضامن المشروخة، وكلمات الشجب والإدانة والاستنكار، والدعوة إلى وقف العدوان ورفع الحصار، والسماح بإدخال المؤن والوقود والمساعدات الغذائية.
لم يكتف المسؤولون «الإسرائيليون» بالصمت إزاء القمة وإهمالها، وعدم الالتفات إليها والقلق بشأنها، بل تطاولوا عليها بالنكات اللاذعة والتعليقات الساخرة، واستهزؤوا بها وبتكاليف انعقادها، ولم تغطها وسائل إعلامهم إلا بالقدر الذي يريدونه لإرسال الرسائل المحبطة للفلسطينيين، والمحذرة للقادة والمسؤولين، ولو أنهم علموا أنها ستكون جادة في قراراتها جدية أمريكا وحلفائها معهم، لجهة الدعم والإسناد والحماية والتأييد، لربما كانوا قلقوا بشأنها، أو عملوا على إفشالها، أو عطلوا انعقادها.
لم يراع نتنياهو «أصدقاءه» من قادة الدول العربية والإسلامية، ولم يستر عيوبهم أو يحفظ أسرارهم، ولم يكن لبقاً أو لائقاً في التعليق على قمتهم، إذ قال: «إنني مطمئن إلى قرارات القمة، فهم يعلمون أن مصالحهم معنا (الكيان)، وأن من صالحهم القضاء على «حماس»، وخروجها من المشهد السياسي والقضاء على مظاهرها السلطوية»، وكان وقد وصفها بـ«الداعشية والدولة الإسلامية»، وحاول تشويهها بالحديث عن انتمائها وأصولها التنظيمية، وكأنه يعتدي عليها فقط ولا يعتدي على الشعب الفلسطيني كله، بكل فئاته واتجاهاته، وأحزابه وتنظيماته.
وبلغ الأمر ببعض الإعلاميين «الإسرائيليين» أن يتهم القمة بالنقص والتقصير، إذ لم توجه دعوة إلى «بلاده» للمشاركة فيها، التي تعتبر -بزعمهم- جزءاً أصيلاً من نسيج المنطقة، فهي جار «طيب» للعديد من دولها، وشريك كبير معها، وبينهم من الاتفاقيات والمصالح المشتركة أكثر بكثير مما بين بعضها بعضاً.
إلا أن نتنياهو وحكومته والإدارة الأمريكية وحلفاءها لم يخفوا خشيتهم من فريق صغير في القمة، كان من الممكن أن يقودها إلى مسار يهدد مصالحهم، ويعطل مشاريعهم، ويحبط خططهم، ويكون جاداً في مواقفه، وعملياً في قراراته، ولعل خشيتهم حقيقية لعلمهم أن من أعضاء القمتين، عرباً ومسلمين، فريقاً ممن لا يدورون في الفلك الأمريكي، ولا يؤمنون بالتفوق «الإسرائيلي»، يفكرون جدياً في نجدة الشعب الفلسطيني وإغاثته، والوقوف معه ومساندته، وصد العدوان عنه وتخفيف الأعباء الملقاة عليه، ولهذا فقد حذروا منهم وحرضوا عليهم، ودعوا إلى عدم الإصغاء لهم أو التجاوب معهم.
كان ينبغي لقادة الدول العربية والإسلامية لو أنهم أرادوا الرفعة والمقام الكريم، وسعوا نحو العزة والذكر الجميل، وحافظوا على الشهامة والشرف العربي الأصيل والخلق الإسلامي النبيل، أن يحمّروا عيونهم، وأن يرفعوا أصواتهم، ويشددوا على مواقفهم، ويهزوا عصاتهم ويرفعوا من مستوى تهديداتهم، وأن يتضامنوا فيما بينهم ليقوّوا صفهم، ويوحّدوا كلمتهم، ويردعوا المتغولين علينا وعليهم، ويصدوا المعتدين على شعبنا وأمتهم، فبهذا يخرسون عدوهم ويخيفونه، ويردعونه ويرهبونه.