أصبت بالدهشة عندما طالعت بياناً لقوات الجيش الصهيوني تأمر فيه بسرعة إخلاء عدد من المستشفيات المكتظة بالجرحى بقطاع غزة، إذ إنها مستهدفة بالقصف خلال ساعات!
ثم تساءلت: وهل من الممكن فعلاً أن يُقصف مستشفى؟! هل يمكن أن تقبل نفس بشرية على قصف مكان تتنزل فيه الرحمة واللطف على أبدان أبرياء أرهقهم المرض وأضناهم الألم؟ وإذا تقبلت النفس البشرية أن يُقصف مستراح المتألمين، فأين يداوي الناس جرحاهم ومرضاهم؟!
تساؤلات حائرة مرت بوجداني لم أستطع الجواب عنها، حتى كانت الإجابة العملية على أيدي قوات الجيش «الإسرائيلي» بقصفه مستشفى المعمداني الذي راح ضحيته ما يزيد على 500 شهيد ما بين ممرض ومريض، في تحدٍّ سافر لما جاء في اتفاقية جنيف المؤرخة في 12 أغسطس 1949م التي تنص على حماية كافة المدنيين وقت الحرب.
أصبت -كما العالم- بالدهشة والذهول من هول ما وقع! ولكن زالت الدهشة عندما وجدت أن الصهاينة في حربهم على غزة إنما يتبعون نصوص التوراة المحرفة والتلمود الخبيث، وينفذون الفتاوى الحاخاماتية بدقة متناهية، فهم يعتبرون أن إبادة الفلسطيني -العملاق- قربة إلى الرب، ولذا فهم لا يكترثون بالقوانين الدولية ولا بالمعايير الأخلاقية لاعتقادهم أنه لا حرج عليهم في كل ما يفعلونه في العرب من قتل ونهب وسلب، ولسان حالهم اقتل، ودع العالم يتكلم!
وهذا ما جاء به القرءان العظيم على لسانهم إذ قالوا: (لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) (آل عمران: 75).
عقيدة الدماء!
وبنظرة خاطفة إلى كتب الديانة اليهودية المحرفة، نجد أنها قد شحنت بنصوص دموية تحض على القتل بلا شفقة ولا رحمة لا سيما إذا كان المقتول عربياً مسلماً.
جاء في سفر صموئيل الأول: «فالآنَ اذهَبْ واضرِبْ عَماليقَ، وحَرِّمُوا -اقتلوا- كُل ما له، ولا تَعْفُ عنهم؛ بلِ اقْتُلْ رَجُلاً وامرأة، طفلاً ورضيعًا، بقرًا وغنمًا، جملاً وحمارًا»(1).
وقد أفتى الحاخام يسرائيل روزين بأنه يجب تطبيق حكم «عملاق» على كل من يبدي كراهية لـ«إسرائيل»، ثم صرح قائلاً: «إن عملاق هذا العصر هم الفلسطينيون».
وهو ما حدث بالفعل على إثر حملة «طوفان الأقصى»، فقد ذهبوا لإبادة عماليق العصر فأغلقوا عليهم المداخل والمخارج، ومنعوا الطعام والشراب والدواء والبترول والكهرباء عن قطاع العماليق، ولم يبق لهم إلا الهواء الذي صار ملوثاً بنتن الخيانة العالمية وبرائحة القنابل الفسفورية والمتفجرات الإشعاعية؛ إذ قصفوا المزارع والأسواق والمدارس والمساجد والكنائس في حملة إبادة جماعية لقطاع يقطنه ما يزيد على مليوني عملاق، في تحدٍّ سافر لكل الأعراف والقيم والمبادئ الإنسانية السلمية والحربية.
يقول إيتمار بن غفير، وزير الأمن «الإسرائيلي»: «إن ما يجب علينا إرساله إلى غزة هو مئات الأطنان من المتفجرات، وليس جراماً واحداً من المساعدات الإنسانية(2).
عادة اليهود عند اجتياح المدن
لليهود عادة شيطانية عند دخول البلاد واحتلالها، استقوها من اعتقادهم أنهم أبناء الله وأحبابه، وأنه إنما خلق بقية الناس ليركبوا ظهورهم وليكونوا لهم خدماً.
وعادتهم الخبيثة عند اجتياح مدينة هي أنهم إن دخلوا بدون قتال أو مقاومة جعلوا أهل المدينة رجالاً ونساء وأطفالاً عبيداً وخدماً لهم.
وإن قوبلوا بمقاومة دمروا وأبادوا كل شيء أمامهم من حجر أو شجر أو حيوان أو بشر، فلا يبقوا في المدينة زرعاً ولا ضرعاً، وهو ما نراه جلياً في الحرب النازية الدائرة الآن على غزة، وهو ما يسمى بـ«سياسة الأرض المحروقة»، وهو ما جاء في صميم ديانتهم وكتبهم المحرفة: «حين تقرب من مدينة لكي تحاربها، استدعها إلى الصلح، فإن أجابتك إلى الصلح وفتحت لك، فكل الشَّعْب الموجود فيها يكون لك للتسخير ويُستَعبَد لك»(3).
وجاء في سفر التثنية: «أما مدن هؤلاء الشعوب التي يعطيك الرب إلهك نصيبًا، فلا تستبقِ منهم نسمة، بل تُحرمها تحريمًا: الحثيين، والأمويين، والكنعانيين، والفرزيين، والحويين، واليبوسيين، كما أمرك الرب إلهك»(4).
والكنعانيون هم من بطون العرب، وهم أول من سكن أرض فلسطين، وكذا اليبوسيون، والفرزيون، والحوييون وغيرهم من أبناء الكنعانيين ونسلهم.
وجاء على سبيل الإمعان في الإبادة في سفر التثنية: «فضَرْبًا تضربُ سُكان تلك المدينة بحد السيفِ، وتُحرمُها –أي تقتلها- بكلِّ ما فيها مع بهائمها بحدِّ السيفِ، واجْمَع كل أمتعتها إلى وسطِ ساحتها، وتحرق بالنار المدينة وكل أمتعتِها كاملة للرب إلهك، فتكون تلاًّ إلى الأبد لا تُبنى بعدُ»(5).
ومن هنا نعلم السر الذي يجعل الصهاينة يدمرون في غزة الآن كل شيء، ويبيدون أي شيء دون الاعتبار بالمعايير الأخلاقية أو القوانين الدولية.
فما ألقي بغزة من متفجرات وقنابل فسفورية وعنقودية إلى يومنا هذا يزن ما يزيد على 35 مليون كيلوجرام حتى هذه اللحظة، وهو ما يفوق قوة قنبلتين نوويتين.
وفي قتل الأطفال سر
لاحظ العالم كله ارتفاع عدد الشهداء في هذه الحرب النازية على غزة، لكن الذي صدم الجميع زيادة نسبة القتل في الأطفال خاصة، حيث بلغت في أحدث الإحصاءات ما يقرب من 42% من الشهداء(6)، وهي نسبة صادمة جعلت العالم يتساءل عن السر في ذلك!
والسر في ذلك يعود الي فتاوى الحاخامات الذين يعتمدون على قول تاريخي ينسبونه للملك داود الذي دعا لملاحقة الأعداء -العماليق- وعدم العودة قبل قتلهم عن بكرة أبيهم.
فالحاخامات أباحوا لهم قتل العماليق كباراً وصغاراً.
ويرى الحاخام يتسحاق شبيرا، صاحب كتاب «عقيدة الملك»: «أنه يحل قتل الأطفال الأغيار»، ودون تلعثم أو صياغة متحفظة يحلل في كتاب «الفتاوى» هذا قتل الأطفال الأغيار حينما يتواجدون في حالة معينة «تسد طريق» الإنقاذ، ويفتي بالمساس بهم في حال كان واضحاً أنهم سيلحقون الضرر باليهود عند نضوجهم، ويتابع أنه «يحل المس بالأطفال عمداً ومباشرة لا من خلال محاربة ذويهم الكبار فحسب»(7).
وضمن فصل المساس المتعمد بالأبرياء يمضي الحاخام في استباحة الأطفال الأبرياء بالحكم بصلاحية المس بأولاد زعماء الأغيار لممارسة الضغوط عليهم.
إذاً، قتل الأطفال وإيقاع الضرر البالغ والعاهات الدائمة بهم إنما يقومون به لغرضين:
الأول: ليكون وسيلة لكسر قلوب وإرادة آبائهم كي يجبنوا ويتركوا طريق الجهاد ويتخلوا عن مقاومة المحتل الغاصب، فهو بمثابة ورقة ضغط على الآباء والقادة المجاهدين، وفي الفصل الخامس من ذات الكتاب: «يجب قتل أطفال العرب كي نسبب الحزن لأهاليهم»، أما الفصل السادس فيحدد طريقة الانتصار على العرب بقوله: «يتوجب الانتقام منهم باستمرار، وبقسوة؛ لذلك يجب قتل الرضع ويمنع النقاش أياً منهم مذنب أم لا، والذي يمارس هذا النقاش يعتبر شريكاً منهم»(8).
الثاني: لخوفهم من أن يسير هؤلاء الأطفال على نهج آبائهم المجاهدين حال نضوجهم فيتسلموا منهم راية العزة، فتطول بهم طريق المقاومة فلا يهنؤوا بالمقام في الأرض المقدسة، لا سيما وأنهم قد رأوا الآن أطفال الحجارة في «انتفاضة الأقصى» عام 2000م وقد أصبحوا نسوراً وأبطالاً في ملحمة «طوفان الأقصى» عام 2023م.
وأختم مقالتي بفتوى حاخامية دامية، حيث قال الحاخام الأكبر للكيان اليهودي إبراهام شابير، في رسالة وجَّهها لمؤتمر شبابي صِهْيَوْني، عقد في بروكلين بالولايات المتحدة: «نريد شبابًا يهوديًّا قويًّا أو شديدًا، يدرك أن رسالته الوحيدة هي تطهير الأرض من المسلمين، الذين يريدون منازعتنا في أرض الميعاد، يجب أن تثبتوا لهم أنكم قادرون على اجتثاثهم منَ الأرض، يجب أن نتخلَّص منهم كما يتم التخلص من الميكروبات والجراثيم»(9).
ولكن هيهات هيهات! فسُنة الله في كونه ماضية، وهو غالب على أمره، وإن دولة الباطل ساعة -قد أوشكت على النفاد- وإن دولة الحق إلى قيام الساعة، فأمامنا- عما قليل- غد مشرق، وصباح مزهر، ونصر وتمكين بموعود الله سبحانه: (وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ {171} إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ {172} وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ) (الصافات).
__________________________
(1) العهد القديم، سفر صموئيل (3-15).
(2) موقع قناة الجزيرة الفضائية.
(3) العهد القديم، سفر التثنية (10-20).
(4) العهد القديم، سفر التثنية.
(5) العهد القديم، سفر التثنية.
(6) المكتب الإعلامي لـ«حماس».
(7) كتاب «عقيدة الملك» للحاخام يتسحاق شبيرا.
(8) كتاب «عقيدة الملك».