لكي تتألق في عالم التدريب، عليك أن تكون صاحب حضور طاغٍ، وصاحب شخصية جاذبة، وتتمتع بثقة عالية بالله تعالى، التي تقودك إلى ثقة عالية بالنفس، وثقة عالية بالآخرين.
ولإثبات ذلك، هذه قصة قصيرة لسيدة طرقت باب شركة الاستثمار البشري تريد أن تكون مدرّبة، فدار هذا الحوار معها:
السيدة: هل لديكم وظيفة مدرّب في شركتكم؟
قلنا: نعم.
السيدة: أريد أن أكون مدربّة في شركتكم.
قلنا: هل لك سابق خبرة في التدريب؟
السيدة: لا.
قلنا: لماذا تريدين أن تكوني مدرّبة؟
السيدة: هذه الوظيفة تدرّ مالاً وفيراً، والمجازفة فيها قليلة!
قلنا: هل لديك سمات المدرّب في التدريب؟
السيدة: ما جئتكم إلا لقناعتي بوجود سمات المدرّب في شخصيتي.
قلنا: في شركتنا اختبار يكشف عن سمات التدريب للمدرب المتألق، هذا اختبار يعرف باسم «سمات تحليل الشخصية»، ويتطلب الإجابة عن 24 سؤالاً، ويستغرق 10 دقائق.
ثم قلنا: نريد أن نختبرك فيه، هل لديك استعداد؟
السيدة: نعم، لديَّ استعداد، وبكل سرور.
حينما انتهت السيدة من الاختبار، جاءت الإجابات لتكشف عن شخصية أخرى لهذه السيدة! لا تمتّ لشخصية المدرب بصلة!
قلنا: شخصيتك تمثل شخصية دبلوماسية تصلح للعمل في السفارات، ولا تصلح للعمل معنا في هذه الشركة، خذي نتائجك هذه وانطلقي بها للبحث عن عمل في مكان آخر يليق بك.
فما سمات المدرب المتألق؟ هذا سيكون محور موضوعنا في هذه المقالات، بإذن الله تعالى.
التدريب طريقك للتخلص من نقاط ضعفك وتعديل مسارك وتطوير نفسك ومهاراتك القيادية وقدراتك الإدارية
سمات المدرب المتألق
التدريب هو طريقك إلى التخلص من نقاط ضعفك، وتعديل مسارك، وطريقك إلى تطوير نفسك، وتطوير مهاراتك القيادية وقدراتك الإدارية.. فقط ركِّز على تطوير مهاراتك القيادية وقدراتك الإدارية، قبل التفكير في التخلص من نقاط ضعفك، فالمال المطلوب، والوقت المستغرق، والجهد المبذول في التخلص من نقاط ضعفك، هو ضِعف المال المطلوب، والوقت المستغرق، والجهد المبذول في تطوير مهاراتك وقدراتك.
فإذا حرصت على زيادة مهاراتك وقدراتك القيادية والإدارية؛ فإن نقاط ضعفك تبدو بسيطة وصغيرة في أعين الناس، ومبرّرة في أذهانهم؛ حيث إن نقاط ضعفك تصغر في أعين الناس في ضوء زيادة مهاراتك وقدراتك، أما أخطاؤك البشرية ستكون مبررة في أعين الناس، في ظل عظمة مهاراتك وقدراتك.
ما من مهارة قيادية أو قدرة إدارية إلا ولها جانب فطري موروث في الإنسان وهبه الله تعالى له، فهذا الجانب هو كالنبتة الصغيرة التي يسعى الإنسان -بمحض إرادته وبتوفيق من الله تعالى- إلى سقيها ونمائها، وذلك بالمعرفة والممارسة والخبرة، من دون كلل أو ملل.
وهناك اتفاق لدى علماء النفس أن الجانب الفطري المورث لأي مهارة أو قدرة، أقل بكثير من الجانب المكتسب الذي يكتسبه الإنسان بالمعرفة والممارسة والخبرة، سواء يكتسبه من بيئة البيت، أو بيئة المدرسة، أو بيئة العمل.
وتبدأ رحلة التألق في التدريب بوجود قناعة لدى المدرب بأهمية التدريب، وضرورة التألق فيه، والحضور الطاغي في ممارسته.. فعلى المدرب أن يكون على يقين بأن التغيير في الأداء القيادي والإداري يبدأ بمعرفة آليات التغيير أولاً، ثم ممارستها على أرض الواقع ثانياً، ثم منحها الزمن الكافي ليكون جزءاً من شخصيته ثالثاً، ثم الحذر كل الحذر من الاستعجال في قطف ثماره رابعاً.
رحلة التألق في التدريب تبدأ بوجود قناعة لدى المدرب بأهميته وضرورة التألق والحضور الطاغي بممارسته
مع وجود قناعة ومعرفة وممارسة وزمن، يشعر المدرب بآثار التغيير –في المتوسط- خلال 21 يوماً، وهو بهذا يعيد برمجة دماغه في كيفية التألق في مجال التدريب.
مستوى التألق
إن عدم ممارسة التدريب بصورة يومية كافٍ بتقليص مستوى التألق لدى المدرب في مجال التدريب؛ في المقابل، فإن حجم التألق يزداد مع مرور الزمن، والزيادة تكون طفيفة خلال الأشهر الستة الأولى من الممارسة المكثفة لآليات التغيير، وهذا ما يشير إليه مجموعة من علماء النفس بجمعية علماء النفس في بريطانيا.
ثم ما يلبث أن يزداد معدل التغيير في التألق! ولا يوجد سقف لهذا التألق، فما من مدرب متألق إلا ويوجد مدرب آخر أكثر منه تألقاً؛ حيث إن المدرب المتألق يزداد تألقاً مع مرور الزمن، وعليه أن يستمر في المحافظة على تألقه في معرفة كل جديد في مجال التدريب وممارسته له، وتعديل مساره التدريبي بمعدل لا يقل عن 10% في كل دورة تدريبية جديدة.
أما تعديل المسار التدريبي فيعني إدخال وسيلة تدريبية جديدة واحدة من أصل مجموعة الوسائل التدريبية التي يمارسها المدرب في كل دورة تدريبية جديدة؛ حيث إن 80% من جهد المدرب يكون في كيفية الوصول إلى قمة التدريب، ويبقى 20% من جهده يكون في البقاء في القمة من أجل تطوير سبل التدريب الفعال إلى آخر نفس من حياته.
إن التدريب الفعال هو الذي يترك أثراً في شخصية المتدرب من حيث الإعجاب المباشر بأداء المدرب بعد الانتهاء من الدورة، وهو الذي يزيد من معرفة المتدرب للمحتوى بعد الدورة، وهو الذي يؤدي إلى تغيير سلوك المتدرب تغييراً دائماً والتطوير من قدراته ومهاراته تطويراً مستمراً، خلال فترة زمنية تقدر بستة أشهر في المتوسط.
لقد أُعْطِي للتدريب الفعال نسبة في التغيير تقدر بـ23% في شخصية المتدرب، وذلك إذا عُقد التدريب في مخيم أو مزرعة أو واحة خاصة، لمدة تصل في المتوسط إلى ثلاثة أسابيع كاملة مع المدرب، يعيش المدرب خلالها مع المتدربين، وينام معهم، ويمارس العبادات معهم، ويأكل معهم، وينشر علمه بينهم، باستعمال أدوات تدريبية متنوعة.
التدريب الفعال هو الذي يترك أثراً بالمتدرب من حيث الإعجاب بأداء المدرب بعد الانتهاء من الدورة
أما الدورات التدريبية الحوارية النقاشية التي تعقد في القاعات التدريبية، فإنها تكون فعالة إذا أحدثت تغييراً في شخصية المتدرب بحدود 4% على مدى ستة أشهر، وتقل نسبة التدريب الفعَّال لتصل في المتوسط إلى 1% إذا عُقدت الدورة عن بُعد، عبر شاشات الحاسوب، بواسطة وسائل الاتصال الإلكترونية، ومواقع التواصل الاجتماعي.
وفي ذلك، قامت شركات تدريب عالمية -مثل شركة «كرستكوم» في أمريكا- بالجمع بين هذه الطرق الثلاث وأخذت أفضل ما فيها؛ فقامت بتفرقة أيام التدريب ليُفصل بين كل يومين تدريبيَّيْن شهر من الزمان، يأخذ المتدرب في نهاية كل يوم تدريبي عهداً على نفسه بممارسة مبدأ واحد أو أكثر من المبادئ التي تعلمها من الدورة، ثم في الشهر التالي يناقش أقرانه وزملاءه بعض المشكلات التي واجهها وكيفية احتوائها.
ويكون جزءاً من التدريب –التابع لهذه الشركة- عرضٌ إلكترونيٌّ لأحد عمالقة التدريب في العالم، يحكي خبرته العملية خلال فترة زمنية تقدر بـ20 – 30 دقيقة.
وهذه الطريقة تناسب المديرين والقادة بالمؤسسات في شتى القطاعات، حيث لا يجدون وقتاً للجلوس أياماً متتالية مع المدرب، وقد أثبتت جدارتها -على وجه التأكيد- في القطاع النفطي والمصرفي والخاص.
سوف نتطرق في المقال القادم، بإذن الله تعالى، إلى سمات المدرب المتألق، وطرق جذب المتدربين إليه.