قبل أكثر من ربع قرن من الزمن، وتحديداً بعد اندلاع انتفاضة الحجارة، في 8 ديسمبر 1987م، كان ما يعرف باسم «مفرق الصناعة» في شارع الثلاثيني غربي مدينة غزة على موعد مع عشرات تلاميذ المدارس الذين كانوا يمطرون قوات الاحتلال التي كانت تمر من هناك بالحجارة.
هذا المفرق الذي أخذ اسمه من الكلية الصناعية والمهنية (الصناعة) التابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) التي توجد جنوب ذلك المفرق، ويمتد من بعد مفرق الطيران شرقاً حتى مفرق الأزهر غرباً بطول لا يزيد على 700 متر.
وكانت هذه المنطقة طريق قوات الاحتلال وضباط مخابراته الذين كانوا يتحركون من مقر قيادة جيش الاحتلال (السرايا) إلى موقع أنصار العسكري، وبالعكس، الذي تحول لاحقاً إلى سجن «أنصار 1» على شاطئ البحر.
ومع اندلاع انتفاضة الحجارة، خرج طلبة المدارس والجامعات بشكل عفوي في مظاهرات صاخبة وأشعلوا هذه الانتفاضة بإلقاء الحجارة على قوات الاحتلال في ذلك الشارع؛ أولئك التلاميذ الذين كتب فيهم الشاعر الكبير نزار قباني قصيدته الشهيرة «يا تلاميذ غزة علمونا»، وتغنى بها معظم المنشدين والمغنين فيما بعد؛ ليتحول مفرق الصناعة إلى ميدان المواجهة الأشهر آنذاك، ليعود إلى الواجهة مرة أخرى بعد أكثر من 25 عاماً من خلال تصدي رجال المقاومة لقوات الاحتلال المتوغلة، وإصدار المقاومة عشرات البيانات العسكرية تتبنى عمليات فدائية كبرى.
تلاميذ المدارس الذين أشعلوا ذلك الميدان بحجارتهم وكانوا أحد أهم أسباب انسحاب قوات الاحتلال من غزة عام 1994م، يعودون مرة أخرى إلى ميدانهم المفضل «مفرق الصناعة»، ولكنهم ألقوا الحجارة ليس كفراً بها؛ إنما ليحملوا بدلاً منها القاذفات المضادة للدروع من نوع «ياسين 105» الترادفية («آر بي جي» محلي الصنع)، و«التاندوم»، وقناصة «الغول»، والعبوات الناسفة، في تطور ملحوظ لأدوات المقاومة، مسجلين أروع ملامح البطولة والفداء، ومكبِّدين جيش الاحتلال الخسائر الكبيرة في الأرواح والمعدات، حسب اعترافه.
وهذا الشارع يعتبر ساقطاً أمنياً، بحسب خبراء أمنيين؛ نظراً لأنه طويل وعرضه يزيد على 30 متراً؛ لذلك سمي بشارع الثلاثيني الذي يمتد من مفرق عسقولة شرقاً حتى شاطئ البحر غرباً؛ ولا يوجد به أزقة أو شوارع فرعية تساعد على التخفي أو أي جيوب تساعد رجال المقاومة ومن قبلهم تلاميذ المدارس.
ويعتبر هذا المفرق إستراتيجياً؛ فهو يحد حي الصبرة من الناحية الشرقية، وحي تل الهوا من الناحية الشمالية، وحي الرمال من الناحية الجنوبية، ويتوسط منطقة الجامعات والمدارس، ومقر رئاسة «أونروا»، والعديد من المؤسسات الحكومية، مثل مدينة عرفات للشرطة، ومقر قيادة السرايا (مقر قوات الأمن الوطني الفلسطيني)، والنيابة العامة، والعديد من المؤسسات الدولية، مثل: المركز الثقافي الفرنسي، والمركز الفلسطيني لحقوق الإنسان، والكثير من المؤسسات.
وفي الأيام العادية يكتظ هذا الطريق لا سيما في الفترة الصباحية؛ حيث يمر منه عشرات الآلاف من طلاب جامعات الإسلامية والأزهر والأقصى ومدارس «أونروا»، والسيارات المتوجهة إلى الجنوب سالكة طريق الساحل أو الرشيد، وإلى مجمع الشفاء الطبي، وشارع الجلاء الرئيس، ومنطقة النصر، والشيخ رضوان، ومخيم الشاطئ للاجئين.