قال أستاذ العلوم السياسية في جامعة الكويت د. عبدالله الشايجي: إن ما جرى في معركة «طوفان الأقصى» تحول كبير في ديناميكية المشهد في الشرق الأوسط.
وأضاف الشايجي، في ندوة نظمتها جمعية الإصلاح الاجتماعي، الثلاثاء 13 فبراير 2024م، بعنوان «طوفان الأقصى.. معركة الوعي»، أن الحرب على غزة دخلت شهرها الخامس، التي لا يمكن أن توصف أنها طوفان للأقصى فقط، بل طوفان لانتزاع الحق ومعركة لانتصار الحق على الباطل.
وأشار إلى أن جيش الاحتلال «الإسرائيلي» هو الجيش الأكثر إجراماً في العالم بعد أن كان يطلق على نفسه أن لديه قيماً، فأين هذه القيم حينما يقتل ويقنص الأطفال والنساء؟! مؤكداً أن الإعلام الغربي التقليدي سقط في فخ الإفلاس الأخلاقي والقيمي، فأمريكا تدعم العدوان والطغيان والإبادة.
وأوضح الشايجي أن «بنيامين نتنياهو»، رئيس وزراء الاحتلال الصهيوني، يعلم أن اليوم الذي ستتوقف فيه الحرب على غزة ستبدأ تشكيل اللجان لمحاكمته على تقصيره في 7 أكتوبر 2023م، بعد أن نجحت المقاومة في تدمير هيبة جيش الاحتلال في ظل اعتبار بعض «الإسرائيليين» أن ما حدث أكبر نكسة لليهود منذ المحرقة، وكلما طالت الحرب فليس ذلك في مصلحة «نتنياهو»، ولا الرئيس الأمريكي «جو بايدن».
«طوفان الأقصى» تحول كبير في ديناميكية المشهد بالشرق الأوسط
وتطرق الشايجي إلى النفاق الغربي وازدواجية المعايير من خلال مقارنته بالحرب على أوكرانيا والحرب على غزة، مبيناً أنه حينما شن الرئيس الروسي «فلاديمير بوتين» الحرب على أوكرانيا، في 24 فبراير 2022م، احتل 4 أقاليم في شرق أوكرانيا، وقتل 10 آلاف أوكراني في بداية الحرب؛ فقام الغرب بمحاكمته أمام الجنائية الدولية، وأصدرت حكماً ضده بالقبض عليه واتهموه بأنه «مجرم حرب»، بل إن رئيس جنوب أفريقيا أخبره بأنه سيتم اعتقاله إذا حضر قمة في بلاده تنفيذاً لحكم «الجنائية الدولية».. ولكن حينما قتل «نتنياهو» 30 ألف مدني في غزة، وهناك 10 آلاف تحت الأنقاض لم يستطع أحد إنقاذهم؛ فأين النظام العالمي؟!
وبيَّن الشايجي أن الغرب في ورطة؛ فالرئيس «بايدن» بدأ يتحرك ويطلق ما يسمى -وهماً- «حل الدولتين»، بعد أن أصبح وضع الديمقراطيين صعباً خاصة مع انطلاق موسم الانتخابات التي تعد أطول انتخابات في العالم وستجرى في نوفمبر القادم، فاستطلاعات الرأي تؤكد أن شعبية «بايدن» أصبحت في أدنى مستوياتها.
ولفت إلى أن المعركة العسكرية التي فاجأت بها «حماس» الاحتلال الصهيوني بشكل صادم في 7 أكتوبر قد وضعت 10 ظواهر حققتها «حماس» والمقاومة الفلسطينية.
وأضاف أن «إسرائيل» بوغتت مرتين؛ الأولى: في حرب أكتوبر 1973م عندما وصلتها معلومات استخباراتية أن هناك تحركاً على الجبهتين المصرية والسورية ولم تتعامل معها، والثانية: المفاجأة الكبرى في 7 أكتوبر 2023م؛ فكيف اقتحمت «حماس» الجدار الفاصل الذي كلف مليارات الدولارات؟! وكيف وصلت إلى الأراضي المحتلة حتى 40 كيلومتراً؟! وكيف اشتبكت على مدى ساعات في انتكاسة للمخطط العسكري والاستخباراتي والأمني الصهيوني؟!
واعتبر الشايجي أن معركة «طوفان الأقصى» من أهم المعارك منذ عام 2008م؛ لأنه لم يحدث أبداً أن «إسرائيل» قاتلت داخل الأراضي الفلسطينية التي تحتلها، وهذا بحد ذاته إنجاز وتكتيك مميز، مشيراً إلى أن «إسرائيل» غير معتادة أن تخوض حرباً طويلة ومكلفة.
وبين أن العقدة لدى «إسرائيل» هي كيف نجحت «حماس» في بناء أنفاق غزة؛ ففي آخر حربين قالوا: إن «حماس» لم تشارك، والواضح أنها كانت تحضر لعملية نوعية فكانت «طوفان الأقصى».
من نتائج المعركة أن الشباب العربي بات أكثر وعياً بما يجري بالمنطقة
وأشار إلى أن هناك خذلاناً عربياً وتواطؤاً دولياً وضعفاً إسلامياً، وأهل غزة يرددون ما كان يقوله السوريون ضد بشار الأسد: «ما لنا غيرك يا الله»! وما يحدث في غزة سيحدث في دول عربية والكل سيصبح بمفرده!
وتساءل الشايجي: هل يعقل أن نفعل هذا بالفلسطينيين وأن نتركهم في هذه المأساة يأكلون علف الحيوانات شمال غزة؟! أين (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) (الحجرات: 10)، و«انصر أخاك»؟!
وأكد أن التحول الذي أنتجته «طوفان الأقصى» هو في معركة الوعي، مشيراً إلى أن القضية الفلسطينية تهمشت خلال السنوات العشر الماضية كلياً، والسلطة الفلسطينية فقدت كل شيء فيها، حيث غرقت في الفساد والمحسوبية، وتعاونت أمنياً مع الاحتلال «الإسرائيلي».
وقال: إن ما يزعج «إسرائيل» ما يجري في العواصم الأوروبية من مظاهرات داعمة لفلسطين، مضيفاً أن «إسرائيل» بنت سردية كاذبة على مدى 75 سنة بأنها الدولة الأكثر ديمقراطية وسط محيط من الاستبداد!
وتابع الشايجي أنه في عام 2011م، قامت «حماس» بتبادل جندي واحد بأكثر من 1000 سجين ومعتقل فلسطيني في السجون «الإسرائيلية»، بمن في ذلك قائد «حماس» في غزة يحيى السنوار.
«حماس» مُمثِّلة حقيقية للشعب الفلسطيني في مواجهة الاحتلال
وأشار الشايجي إلى أن الظاهرة الرئيسة تتمثل في فقدان «إسرائيل» لسمعتها وتشتتها، حيث فشلت في تحقيق أهدافها العسكرية حتى الآن، وهو ما لم يحدث منذ عام 1948م، وأضاف أن النتائج المختلفة أدت إلى ارتباك «إسرائيل» وفقدانها السيطرة على الموقف، مشيراً إلى أن «حماس» نجحت في بناء شبكة الأنفاق التي كانت تمتد إلى عمق 10 و20 متراً تحت الأرض، ولم يتوقعها أحد؛ ما جعل «إسرائيل» تواجه تحدياً جديداً لم تكن تتوقعه.
وأكد الشايجي أن المعركة الحالية هي الوعي، حيث بات الشباب العربي أكثر وعياً بما يجري في المنطقة، وأصبحوا أكثر تفهماً للقضية الفلسطينية وللتحديات التي تواجهها؛ ما يجعل «إسرائيل» تواجه تحديات جديدة في مجال الإعلام والوعي العام.
وأضاف: منذ أكثر من عام، حذرتُ في مقالات وندوات وتغريدات من أننا نتجه نحو حرب، بمجرد تشكيل حكومة «نتنياهو»؛ بسبب الاتهامات الجنائية التي تواجهه التي تتضمن خيانة الأمانة والاستغلال الشخصي للسلطة، وهو ما دفعه لتشكيل حكومة متطرفة لإنقاذ نفسه.
وختم الشايجي حديثه بالتأكيد على أن المقاومة الفلسطينية، بقيادة «حماس»، تمثل نقطة تحول في مسار الصراع، محققة إنجازات عسكرية ونفسية تاريخية، ومُمثِّلة حقيقية للشعب الفلسطيني في مواجهة الاحتلال والظلم.