يقول البعض: إننا نصوم رمضان، ولكننا نتمنى أن تنتهي أيامه؛ لِما نجد من مشقة الصيام؛ فهل يعتبر هذا ذنباً تلزم منه التوبة؟!
ونقول رداً على هذا التساؤل: الصوم من أعظم العبادات، وأفضل القربات إلى الله، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قال الله: كل عمل ابن آدم له، إلا الصيام؛ فإنه لي، وأنا أجزي به، والصيام جنة، وإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب، فإن سابه أحد أو قاتله، فليقل: إني امرؤ صائم، والذي نفس محمد بيده، لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، للصائم فرحتان يفرحهما: إذا أفطر فرح، وإذا لقي ربه فرح بصومه» (متفق عليه).
وفي هذا دليل واضح على مكانة الصوم في التشريع الإسلامي، وعلى فضيلة الصائمين وحسن جزائهم.
قال الشيخ السعدي معلقاً على هذا الحديث القدسي: «هذان ثوابان: عاجل، وآجل، فالعاجل: مُشاهَد إذا أفطر الصائم فرح بنعمة الله عليه بتكميل الصيام، وفرح بنيل شهواته التي منع منها في النهار، والآجل: فرحه عند لقاء ربه برضوانه وكرامته، وهذا الفرح المعجل نموذج ذلك الفرح المؤجل، وأن الله تعالى سيجمعهما للصائم.
وفيه: الإشارة إلى أن الصائم إذا قارب فطره، وحصلت له هذه الفرحة، فإنها تقابل ما مر عليه في نهاره من مشقة ترك الشهوات، فهي من باب التنشيط، وإنهاض الهمم على الخير»(1).
ولذلك نجد المسلم الذي يشق عليه الصوم مشقة محتملة يفرح ساعة فطره لا بزوال المشقة، ولكن لأن الله تعالى أعانه على تحملها وإكمال طاعته سبحانه، فَعَيْنُه لا على المشقة كي تزول، ولكن على الطاعة كي تتم، وفي الحديث الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أَتُحِبُّونَ أنْ تَجْتَهِدُوا في الدعاءِ قولوا اللهمَّ أَعِنَّا على شُكْرِكَ، وذكرِكَ، وحُسْنِ عِبادَتِكَ» (رواه أحمد، وصححه الألباني).
ولا نكاد نجد من يضيق صدره بهذا الشهر المبارك، إلا من رغب في الدنيا فانغمس في شهواتها وملذاتها، فهو يكره البعد عنها، والذي تصيبه المشقة والتعب بسبب الصيام أحد رجلين:
– إما رجل صاحب عذر من مرض أو سفر ونحوه، فهو يترخص برخصة الله في الفطر، وهذا أجاز له الإسلام الفطر ثم القضاء.
– وإما رجل تصيبه المشقة المحتملة، فهو يتم صومه، ويصبر على تحمل هذه المشقة ابتغاء وجه الله تعالى، ويعلم أن الله تعالى سيعطيه الأجر على قدر هذه المشقة؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم للسيدة عائشة رضي الله عنها: «إن لك من الأجر على قدر نصبك ونفقتك» (رواه الحاكم وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب، 1116).
أما رجل تصيبه المشقة فيكره الصوم ويتمنى انتهاء الشهر وودّ لو لم يعاود المجيء، فهذا حال لا شك غير مرضي، وهذه نفس تكره العبادة، ولا تصبر لأمر الله تعالى، وهذا ما يخالف روح العبادة التي خلق الله تعالى الناس لها، قال تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ {56} مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ {57} إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ) (الذاريات).
_____________________
(1) بهجة قلوب الأبرار، ص96، وينظر أيضاً: فتح الباري لابن حجر (4/ 118)، بتصرف.