يشغل بال المهتمين بالسياسة؛ منظرين أو ممارسين، دور القيم في الإصلاح السياسي؛ إذ غالباً ما يتم طرح سؤال الأثر الإيجابي لحضورها في العمل السياسي، أو أثرها السلبي عند تهميشها أو تغييبها.
ويرى خبراء ومحللون، في تصريحات متطابقة لـ«المجتمع»، أن الإصلاح السياسي لا يمكن أن يقوم إلا على يد أناس تربوا وتشبعوا بقيم العدل والمساواة والحرية والنزاهة، ومؤسسات قامت ونشأت على أساسها، وظهر ذلك في السلوك اليومي والممارسة السياسة، إذ لا يكفي الحديث عن القيم وإعلائها في محافل الخطابة، دون أن تتجسد في اتخاذ القرار ومشاركته وتنفيذه بالحكمة والمشورة اللازمين، بما يخدم مصالح الوطن والمواطنين.
الإدريسي: الإصلاح لكي يضطلع بأدواره الإستراتيجية لا بد أن يُؤطَّر بمنظومة من القيم الكبرى
يُعتبر الإصلاح السياسي من بين أهم مداخل الإصلاح التي لها تداعيات كبيرة ومؤثرة على جميع المجالات والميادين، بل يمكن اعتباره قُطب الرحى بالإضافة إلى الإصلاحين التربوي والإصلاح الاقتصادي.
ويؤكد الأكاديمي المغربي عبدالعزيز الإدريسي أن هذا الإصلاح، ولكي يضطلع بأدواره الإستراتيجية في تحقيق التّنمية والديمقراطية والكرامة، لا بد أن يؤطر بمنظومة من القيم الكبرى، التي تعد مجموعة من المعايير التي تؤطر قناعات الإنسان الداخلية وتصوراته الجوانية والقواعد التي تنظم مسلكيات الإنسان الخارجية وتصرفاته البرانية.
ويشدد الباحث المغربي في الفكر الإسلامي وقضايا الإصلاح أن ذلك تقوم به نخبة مؤمنة بهذه القيم: الحرية والعدل والكرامة والشفافية والإنجاز والعمل والكفاءة والاستحقاق، بل تعمل على تمثلها أولاً في ممارساتها سواء في تنظيماتها وهيئاتها، وثانياً تعمل على تحقيقها في ميادين تولّي المسؤولية بما يضمن كرامة المواطن ورفاهيته، مستحضرين في ذلك بعض التجارب الناجحة سواء في الماضي أو الحاضر.
ويبرز أن قيمة الحرية، مثلاً، التي تعتبر من أمهات القيم السياسية عند الالتزام بها تضمن حرية التعبير وتكافؤ الفرص والتداول السلمي للسلطة وتدبير الاختلاف بشكل ديمقراطي بين الفرقاء السياسيين، بل تضمن التقسيم العادل للثروات والشورى في اتخاذ القرارات، إذ إن غياب الحرية له آثار وخيمة على المجمعات؛ حيث يؤدي إلى تفشي القمع والاستبداد والفساد سواء على مستوى الأفراد والمؤسسات.
أمحجور: حضور المرجعية الإسلامية في العمل السياسي ينبغي أن يكون حضوراً وظيفياً
استقامة سياسية
من يشتغل بالسياسة من منظور قيمي يعترف بأهمية الاستقامة الفردية والحديث عن إعلاء قيم عامة مثل الشورى والعدل، لكن ذلك كافٍ لتوطين القيم في منظومة الإصلاح السياسي.
ويرى المحلل السياسي المغربي محمد أمحجور أن حضور المرجعية الإسلامية في العمل السياسي ينبغي أن يكون حضوراً وظيفياً يمنح عمقاً إصلاحياً للممارسة السياسية، وتكون الاستقامة في العمل السياسي استقامة سياسية، بحيث لا تكون الاستقامة الشخصية والتدين الفردي بديلاً عنها.
ويبرز أن من الاستقامة السياسية إعمال سياسات عمومية إجرائية وفعالة وذات أثر على الحياة اليومية للمواطنين، ومن ذلك الإجراءات التي تنزل وتحقق قيم الحرية والعدل والكرامة، وتدفع الظلم والفقر، وتدعم قيم النزاهة والشفافية ومحاربة الفساد، وتضمن الحرص على المال العام وحسن التصرف فيه، وتعلي من خدمة الشأن العام وقضاء حوائج الناس دون منٍّ أو أذى.
الشيخ سيديا: لا يمكن أن يكون هناك إصلاح سياسي دون إرساء مجموعة من القيم الإسلامية
ويشير إلى أن الاستقامة السياسية بهذا المعنى تكون أرضية صلبة للمفاضلة بين السياسيين والمتصدرين للشأن العام، وتكون ميزان التحالفات والائتلافات، وتكون أيضاً مقياساً موضوعياً نقيس من خلاله درجة القرب أو البعد عن قيم الإسلام الهادية في السياسة والحكم.
مكافحة الفساد
لا يمكن أن تقوم قائمة أي إصلاح سياسي دون تكاثف قوى المصلحين على محاربة الفساد، إذ يشير عدد من الدراسات أن انتشار الرشوة، مثلاً، يبرز الانتهازيين في السياسة، ويهدد التماسك الاجتماعي، ويقتل حماس المستثمرين.
ويبرز الأكاديمي الموريتاني إسماعيل موسى الشيخ سيديا أنه لا يمكن أن يكون هناك إصلاح سياسي جاد، دون إرساء مجموعة من القيم التي يحث عليها ديننا الإسلامي، وهي قيم من شأن الاستمساك بها أن نقيم حكامة إسلامية راشدة، وعلى رأس تلك القيم مكافحة الفساد الذي ينخر في جسم مجتمعاتنا، ويقف حجر عثرة في وجه كل محاولات النهوض.
ويضيف الباحث والمهتم بتاريخ الصحوة الإسلامية المعاصرة أن للفساد أوجهاً متعددة تطال معظم مناحي الحياة العامة، فهناك الفساد في الناحية السياسية الذي يؤدي إلى تكميم الأفواه ومصادرة الحريات، ومنع القوى الحية من المساهمة في معركة البناء الوطني، وهناك الفساد في المجال الاقتصادي الذي يجعل من مشاريع النهوض حبراً على ورق، ويهدر الكثير من الطاقات فيما لا طائل من ورائه.