نستكمل في هذا المقال عرض وسائل التدريب الآسرة للمتدربين، والجاذبة لانتباههم، التي يجب أن يحرص عليها المدرب المتألق؛ لنجاح دورته التدريبية.
– الألعاب والأشكال المجسمة:
تعد الألعاب والأشكال المجسمة من أفضل الإبداعات والوسائل المهمة في تثبيت المفاهيم الإدارية والقيادية في أذهان المتدربين.
مثال (1): في إحدى الدورات التدريبية في أكاديمية إعداد القادة بجمعية المعلمين الكويتية، بتاريخ 18 نوفمبر 2019م، وكانت بعنوان «بناء فريق العمل الناجح»، قمنا بتقسيم المتدربين إلى 5 فرق عملية، ووضعنا ظرفاً به 9 أشكال هندسية متنوعة قبالة كل فريق، وطلبنا من كل فريق تشكيل 3 مربعات متساوية؛ ولكن بصمت مطبق من دون كلام سوى استعمال إشارات اليد.
وبدأنا نراقب كل فريق في كيفية التصرف من أجل تحقيق الهدف.
أنهت بعض الفرق المهمة بنجاح، وتعثرت فرق أخرى؛ فبادرنا وقدمنا لهم المساعدة في إنجاز الهدف، وفشل فريق واحد في إنجاز هدفه.
الألعاب والأشكال المجسمة من الوسائل المهمة في تثبيت المفاهيم القيادية بأذهان المتدربين
طلبنا من كل فريق ناجح أن يعطينا بعض أسباب نجاحه، فكان أقوى سبب هو النجاح في اختيار قائد للفريق، ومن أسباب النجاح التي طرحت للنقاش، تجزئة الهدف العام إلى 3 أهداف صغيرة، وذلك بعدد المربعات المراد تشكيلها، ومن ثمّ قيام القائد بتوزيع هذه الأهداف الصغيرة إلى أشخاص تم اختيارهم برضا الفريق، ومن ثمّ متابعة قائد الفريق لسير العمل، وتوجيهه لهم ودعمهم في تحقيق الهدف العام.
ثم طلبنا من الفرق المتعثرة معرفة أسباب التعثر، فكانت بعض أسباب التعثر استحواذ بعض الأفراد على إنجاز الهدف، وعدم التعاون مع غيرهم في ذلك، وعدم حسم القائد الخلاف بين الأفراد في الوصول إلى الهدف العام.
ثم طلبنا من الفريق الذي فشل في الوصول إلى تحقيق الهدف معرفة أسباب فشله، فكان أقوى سببين هما الفشل في اختيار قائد للفريق، وعدم وضوح الهدف المراد تحقيقه.
إن على المدرب أن يدرك أن فريقاً بلا قائد فريق فاشل، وأن فريقاً بلا هدف فريق فاشل، وأن فريقاً بلا تآزر وتعاون بين أعضائه في تحقيق الهدف فريق فاشل، وأن فريقاً بلا تفويض في إنجاز الهدف فريق فاشل، وأن فريقاً بعيداً عن قائده في إنجاز هدفه فريق فاشل، وأن فريقاً لا يكافَأ أفراده على إنجاز عملهم فريق فاشل.
مثال (2): في إحدى الدورات التدريبية للقطاع النفطي، وكانت بعنوان «التفكير الإستراتيجي من أجل نجاح مستقبلي»، تم توزيع أرقام عشوائية على المتدربين، وكان عددها 25 رقماً، حيث تم توزيعها في مربع يسع 25 رقماً، وطلب من المتدربين البحث عن أقصر طريق إستراتيجي يصل بين نقطتين محددتين في المربع، والفائز هو من يحصل على أدنى مجموع للأرقام، واشترطنا على المتدربين أن يكون مسار الطريق إما أفقياً أو عمودياً.
لذلك، نخلص إلى أن المدرب المتألق هو الذي يبحث عن طرق مسلية في تثبيت المفاهيم في أذهان المتدربين.
مثال (3): في إحدى الدورات التدريبية لمركز خدمة المجتمع والتعليم المستمر بجامعة الكويت، بتاريخ 16 يناير 2022م، وكانت بعنوان «بناء الفريق الناجح»، تم توزيع 6 علب على 6 فرق تدريبية، وكان في داخل كل علبة 4 قطع مجسمة، وطلب من كل فريق تركيب مجسم واحد على هيئة هرم.
كان الأمر يتطلب تعاوناً من جميع أعضاء الفريق لتشكيل المجسم الهرمي، وجاءت النتائج مخيبة للآمال، وتم مناقشة النتائج والوصول إلى حقيقة ناصعة؛ وهي أن فشل الفريق في تحقيق هدفه قد يكون بسبب عدم تناغم أفراده.
مثال (4): في إحدى الدورات التدريبية لشركة الأولوية في بيع السيارات، تم توزيع 5 أشكال هندسية متنوعة، وقد كتب على واحد منها كلمة «عقد الصفقة»، وطلب من المتدربين تشكيل مربع واحد يشمل تلك القطعة، التي من دونها لا توجد صفقة بيعية، وتفشل العملية.
واستطاع المتدربون بعد جهد كبير تشكيل مربع صحيح؛ ولكن من دون قطعة «عقد الصفقة»، فقلنا لهم: هذه عملية فاشلة رغم الجهد المبذول فيها، وقد أردنا من هذا التمرين التأكيد على أن الجهد المبذول في أي عملية بيعية إذا لم ينتهِ بعقد صفقة فهو فاشل.
مثال (5): في إحدى الدورات لإدارة التنمية الأسرية التابعة لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، بتاريخ 11 مارس 2019م، وكانت بعنوان «كيف تحفز الآخرين بلا تكلفة؟»، أردنا توصيل مفهوم للمتدربين وهو أنه بإمكانك أيها المتدرب تحقيق أي هدف صعب، ما دام غيرك استطاع تحقيقه.
حيث أخرجنا للمتدربين 3 حبال مختلفة الأطوال، أحدها قصير، والثاني متوسط الطول، والثالث طويل، ثم سألنا المتدربين: هل يمكن جعل هذه الحبال الثلاثة متساوية في الطول دون قطعها؟ فأجاب الجميع: بالطبع لا.
المدرب المتألق هو الذي يبحث عن طرق مسلية في تثبيت المفاهيم في أذهان المتدربين
هنا اتبعنا حيلة، وجعلنا الحبال الثلاثة في يد واحدة، وجعلنا نهايات أطرافها الستة تظهر من ناحية واحدة، ثم بخفة يد، جعلنا الحبل القصير يمر من خلال الحبل الطويل، وسحبنا الأطراف الستة من جهة اليد أمام المتدربين، فبدت الحبال متساوية في الطول، فاندهش المتدربون للأمر!
وعليه، يدرك المدرب أن أي هدف مهما كان صعباً يمكن تحقيقه إذا استطاع غيره أن يحققه، ويوصل ذلك لمتدربيه.
وختم المدرب المتألق هذه اللعبة بمثال حي من وحي الواقع، وذكّر المتدربين بالجدار الفاصل الذي تم بناؤه في برلين بألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية، وكان يظن الألمان ألا سبيل إلى تحطيمه، حتى قرر الألمان تحطيمه بتاريخ 9 نوفمبر 1989م، ونجحوا في ذلك.
ثم قالم المدرب بربط ذلك بواقعنا المعاصر، وذكّرهم بالجدار الفاصل بين قطاع غزة في فلسطين والكيان الصهيوني، وكان أهل غزة يظنون باستحالة تحطيمه، فقال المدرب: إذا استطاع غيرنا تحطيم جدارهم الفاصل، فنحن نستطيع ذلك، ولعل اختراق ذلك الجدار بتاريخ 7 أكتوبر 2023م، من قبل المقاومة الفلسطينية، هو بداية تحقيق حلم تحطيم ذلك الجدار العنصري.
مثال (6): في إحدى الدورات التدريبية لبيت التمويل الكويتي، وكانت بعنوان «إدارة الأفراد»، تم تجهيز 3 أوانٍ زجاجية، وطُلب من كل متدرب أن يكتب في ورقة سلوكاً إدارياً يعانيه، وتم وضع الأوراق جميعها في الإناء الأول.
ثم طُلب من كل متدرب أن يكتب في ورقة ثانية حلاً اعتيادياً في معالجة ذلك السلوك، وتم وضع الأوراق جميعها في الإناء الثاني.
ثم طُلب من كل متدرب أن يكتب في ورقة ثالثة حلاً مبتكراً غير اعتيادي في معالجة ذلك السلوك، وتم وضع الأوراق جميعها في الإناء الثالث.
ثم طُلب من أحد المتطوعين أن يسحب ورقة من الإناء الأول ويجهر بقراءتها، ثم يسحب ورقة من الإناء الثاني ويجهر بقراءة الحل الاعتيادي المكتوب فيها، ثم يسحب ورقة من الإناء الثالث ويجهر بقراءة الحل المبتكر، وقد تتوافق الحلول وتعطي أفكاراً متميزة، وقد تختلف الحلول فيضحك المتدربون من غرابتها!
مثال (7): في إحدى الدورات التدريبية وكانت بعنوان «إعداد قياديي المستقبل»، بتاريخ 17 يناير 2010م، وقد عقدت لوزارة التربية في الكويت، تم توزيع لعبة بعنوان «اكتشف الفرق بين صورتين متشابهتين»، حيث يوجد 4 فروق يصعب رؤيتها للوهلة الأولى، ولكن مع التركيز يمكن اكتشافها، وتهدف هذه اللعبة إلى الـتأمل في الوضع الحالي للأفراد قبل اتخاذ القرار بإحداث التغيير فيهم.
نصل في نهاية هذا الأسلوب المهم في تقديم الدورة إلى أن المدرب المتألق هو الذي يستعمل الألعاب، والأشكال المجسمة في توصيل أفكار الدورة التدريبية للمتدربين وتثبيتها في أذهانهم.