رغم أنه لا توجد إحصائيات يمكن الاستدلال من خلالها على مدى انتشار الإلحاد في محيطنا العربي؛ فإن ما يطرحه الشباب من أفكار على مواقع التواصل الاجتماعي يؤكد وجوده. والمؤكد أيضًا أنه آخذ في الازدياد بالتزامن مع الانفتاح المعرفي الهائل من خلال «السوشيال ميديا» وصراع الشباب حول الهُوية.. وإذا كان الإلحاد ليس أمرًا طارئًا على الأمة إذ عرفته قديمًا في صورته السالبة التي ينفي فيها الملحد وجود الله لعدم قناعته بالأدلة التي يقدمها المؤمنون؛ فإن الإلحاد المعاصر هو الأخطر؛ حيث ينشأ عن قناعة علمية لدى الملحد تتناقض مع معتقدات دينية سائدة، أي ينطلقون –حسب زعمهم- عن طريق العلم والبحث، وهو ما يَخِيْلُ على بعض شبابنا ممن أضرهم ضعف الخطاب الديني في مجتمعاتنا المعاصرة.
أسباب الإلحاد
تنوعت أسباب الإلحاد عربيًّا، بعيدًا عن الأسباب النفسية والسلوكية للملحد؛ إذ الإلحاد شذوذ وانتكاس للفطرة، واضطراب سلوكي يدعمه هوى النفس والاستسلام للشهوة، أو التمرد على القيم والإعجاب بالنفس.. ويمكن إجمال أسبابه الرئيسة في:
– التفوق المادي للغرب: وما استتبعه من هزائم للأمة أمام الغزو الأوروبي، وتبعية مقيتة أغرت ضعاف الإيمان بتقليد أصحاب الحضارة، بخيرها وشرها، وكفرها وإلحادها، ظنًّا منهم أن الدين هو سبب التخلف والتبعية.
– الجهل الديني: فإن المسلم يصير في متناول الشيطان إن لم يكن لديه حظٌّ من العلم يبني عليه عقيدة صحيحة، وقد قدّم الله العلم على العبادة فقال: (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ…) [محمد: 19]، وإذا ضعف العلم ضعف العمل؛ إذ العمل ثمرته، وإذا ضعف العمل استتبعه ضعف الإيمان واشتدت نوازع الشُّبه والشهوات.
– وجود داعمين وممولين: في الخارج كالمؤسسات الغربية ذات الأغراض الخبيثة؛ حيث تنفق بسخاء لاستقطاب أكبر عدد من الزاهدين في الدين، أو المنفلتين ذوي الميول الشهوانية. وفي الداخل هناك من يساند الإلحاد رسميًّا بطرق غير مباشرة بدعم مسميات الحرية والليبرالية والعلمانية وغيرها، وتمكين رموزها من مقاعد توجيه الرأي العام، فيسهل نفث سمومهم الإلحادية في الشباب.
– الظلم السياسي والاجتماعي: خصوصًا إذا سُوّغ باسم الدين، انطلاقًا من أفكار مغلوطة تلوي أعناق النصوص؛ ما يؤدي إلى التمرد على الدين، والانفلات من نصوصه بالكلية.
– الانفتاح المعرفي عبر الإنترنت: وبها سوق رائجة للإلحاد، تغري السذج وضعيفي الإيمان للوقوع في شراكها بسهولة، والولوع بالإلحاد كموضة من الموضات، ويترافق ذلك مع ضعف الخطاب الديني، وغياب القدوات، وانصراف القيادات السياسية والمجتمعية عن القضايا المهمة.
– التطرف الديني: الذي ألصقه بعض الجهّال بالدين، وهو منه بري، استغله أعداء الإسلام في اتهام شريعتنا بالعنف، واتخذوه دليلاً على قبح الأديان وسلامة الإلحاد.
أضرار الإلحاد على الفرد والمجتمع
لا زالت هناك ممانعة كبيرة للإلحاد من أن يطأ أرضنا، ولا زالت مجتمعاتنا تنفر من الملحدين أيما نفور، أولئك الذين يحادّون الله ورسوله. ولا يظن ظان أن الإلحاد متعلق بأمر العقيدة بشقه النظري فقط، بل هو وبال على المجتمعات ذاتها، كما لا يسلم الملحد الفرد من أضرار تصيبه جرّاء اتباعه هذا الطريق؛ فليس للملحد غاية أو هدف في الحياة؛ ما يجعله حائرًا قلقًا مضطرب النفس، خائرًا حزينًا، وقد يفضي به ذلك إلى قتل نفسه كما فعل كثيرون. إنه يصير مخلوقًا أنانيًّا ذا نزعة فردية، حريصًا على مصلحته دون مصالح الآخرين، نهمًا للشهوات والملذات، وربما بالغ في ذلك -وقد فقد الوازع- فنزع إلى الحيلة والإجرام.. وتنكوي المجتمعات بالإلحاد من هدمه للنظام الأسري، ودعوته للحرية الجنسية وما يستتبعها من انتشار الرذيلة والفجور، وتحوّل المجتمعات الإنسانية المستقرة إلى نظام الغاب والمفترسات، فتسود الجريمة، ويلحقها البلاء، ويذيقهم الله من العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر لعلهم يرجعون.
شبهات الملحدين
يطلق الملحدون عددًا من الشبهات، هي أشبه بقنابل الدخان، هدفها إزعاج المؤمنين بإحداث ضجة، ثم التسلل والاختباء خلفها.. عندما يسألون من خلق الله يجدون ألف إجابة، لكنهم لا يقتنعون ولن يقتنعوا، وعندما يبرهنون على أن الله ليس موجودًا (كبرت كلمة تخرج من أفواههم) فيستشهدون بما يحل بالعالم من شرور وما يقع على البشر من زلازل وبراكين وأعاصير؛ يكون الرد أن صيغة السؤال تدل على أن الملحد ميّز بين الخير والشر، وهذا يدل على أن هناك من برمج له هذا وذاك في داخله، وأن الكون بهذا ليس مجرد مادة كما يدّعي، لكنه أيضًا لا يقتنع معتبرًا الإله المعبود أسطورة لا دليل حسيًّا عليه، والغيبيات أوهام، وهي ضد العقل والتجريب.. وإذا سرنا بهذه الطريقة وجدنا عشرات الشبهات يثيرها الملحدون لتعطيل وظيفة الله في الكون، بل إنكاره من الأساس.
حلول دعوية
واجب الدعاة، أفرادًا ومؤسسات، ليس فقط إنقاذ من وقعوا في براثن الإلحاد، بل من الواجب أيضًا الوقاية من هذا الوباء، بتعريف الناشئة والشباب بثمار الإيمان ومضار الكفر والإلحاد، وإزالة الشكوك والشبهات –إن وُجدت- وتفنيدها، وتدريبهم للرد عليها. ومن وسائل تثبيت الإيمان ودحض الإلحاد: صحبة الصالحين، ومجانبة المستهينين بالشرع والدين، والاستمساك بكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم؛ فإنهما يحفظان المسلم من الزيغ والضلال كما أبلغ المصطفى صلى الله عليه وسلم، وكذلك الإلحاح في الدعاء، والاجتهاد في العبادة.. ومنوط بالمؤسسات الدعوية ما يلي:
– إنتاج خطاب ديني عقلاني: قائم على البرهان، هدفه ترسيخ العقيدة في نفوس المستهدفين، خال من العاطفة والتهييج، مستند على العلم والمنطق.
– وضع إستراتيجيات كفيلة بمواجهة الملحدين: وعدم الاستهانة بالأمر، فالأجواء من حولنا مهيأة لزيادة أعداد الملحدين، ومثل هذه الإستراتيجيات كفيلة بقطع الطريق على الإلحاد وداعميه؛ بإجادة فنون المناظرة، والتدريب على المواجهات العقلية.
– إيجاد تعاون مشترك بين المجامع الإسلامية: لحصار الإلحاد، والرد على شبهات الملحدين، ولدى هذه المجامع من الإمكانات ما يكفي حسم الأمر وتجفيف منابع هذا الوباء، ولو توحدت الجهود وأُخلصت النيات لسُدت روافد الخطر.
– حث الأنظمة والحكومات لتبني القضية: فإن الله يزع بهم ما لا يزع بغيرهم، فتستطيع الحكومات تعديل المناهج الدراسية لتكون باعثًا على الإيمان، حرزًا من الشيطان والإلحاد، وأن يكون للعقائد نصيب في هذه المناهج في كل سني الدراسة. وعلى عاتق الدعاة أيضًا حث الرسميين على سنِّ القوانين التي تكافح هذا الشذوذ الفكري المقيت.