يُعد قيام الليل على رأس النوافل المقربات إلى الله تعالى، وهو سُنة مؤكدة عن الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو شرف المؤمنين، ودليل على صدق محبتهم لربهم، فإن المحب هو الذي يختار مناجاة محبوبه في سكون الليل، ويخلو بربه ويستغفره ويتوب إليه، يدعوه ويشكو إليه بثه وحزنه، ويسأله من فضله وعظيم عطاياه.
ولقيام الليل فضائل كثيرة لا يحصيها كتاب، ومعرفتها أو بعضها مما يحفز العبد على هذه الطاعة الجليلة، وفيما يلي 5 فضائل محفزة على قيام الليل:
1- الفوز بالجنة:
إن غاية كل مسلم الفوز برضا الله والجنة، ومن الطرق الموصلة للجنة قيام الليل، يقول الله عز وجل في وصف أهل قيام الليل: (تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ {16} فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (السجدة).
ومن الأحاديث التي تحث على قيام الليل رغبة في نيل الجنة ما ورد عن عبدالله بن سلام عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أيها الناس، أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصلوا والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام»(1).
2- تكفير الذنوب:
إن الصلاة عمومًا وصلاة الليل خصوصًا سبب لتكفير الذنوب والمعاصي، فيقول المولى عز وجل (وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ) (هود: 114)، وعن أنس بن مالك قال: كنتُ عند النبي ﷺ فجاءه رجل فقال: يا رسول الله، إني أصبت حداً فأقمه عليَّ، قال: ولم يسأله عنه، قال: وحضرت الصلاة فصلى مع رسول الله ﷺ، فلما قضى النبي ﷺ الصلاة قام إليه الرجل فقال: يا رسول الله، إني أصبت حداً فأقم فيّ كتاب الله، قال: «أليس قد صليت معنا؟»، قال: نعم، قال: «فإنّ الله غفر لك ذنبك، أو قال: حدك»(2).
وقال الحافظ ابن رجب: كما أن قيام الليل يكفر السيئات، فهو يرفع الدرجات، وقد ذكرنا أن أهله من السابقين إلى الجنة بغير حساب(3).
3- تحصيل خير الدنيا والآخرة:
إن من جوامع الخير استجابة الدعاء، والله عز وجل يستجيب الدعوات ويقضي الحاجات، ويحب منا أن ندعوه، قال الله عز وجل: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) (غافر: 60).
وجاء في الهدي النبوي توجيه العباد للحرص على الدعاء في جوف الليل خاصة، فعن جابر عن رسولَ الله ﷺ قال: «إنَّ من اللَّيل ساعة، لا يوافقها عبدٌ مسلم، يسأل الله خيرًا إلا أعطاه إياه، وذلك كل ليلة»(4).
4- طيب النفْس وقوة البدن:
الذي يقوم الليل يصبح طيبَ النفْس، نشيطاً غير كسلان، يعينه الله تعالى على عمله سائر يومه، يقول الله تعالى: (إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً {5} إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْءاً وَأَقْوَمُ قِيلاً) (المزمل).
وقد روى أبو هريرة عن رسول الله ﷺ قوله: «يَعقدُ الشيطانُ على قَافية رأسِ أحدكم إذا هو نام ثلاث عقد، يضرب مكان كل عقدة: عليك ليلٌ طويل فارقد، فإنْ استيقظ فذكر الله انحلتْ عقدة، فإن توضأ انحلتْ عقدة، فإن صلَّى انحلت عقدة، فأصبح نشيطًا طيبَ النَّفْس، وإلَّا أصبح خبيثَ النفس كسلان»(5)، فمن أراد قوة في البدن وطيبًا في النفس فليقم الليل.
5- قضاء الحوائج:
إن لكل عبد حاجة لا يستطيع قضاءها، وإن لمحيي الثلث الأخير من الليل ميزة عظيمة، وهي التعرض لوقت نزول الله تعالى، قال رسول الله ﷺ: «يَنْزِلُ رَبُّنا تَبارَكَ وتَعالَى كُلَّ لَيْلةٍ إلى السَّماءِ الدُّنْيا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ، يقولُ: مَن يَدْعُونِي، فأسْتَجِيبَ له؟ مَن يَسْأَلُنِي فأُعْطِيَهُ؟ مَن يَستَغْفِرُني فأغْفِرَ له؟(6).
وإن من الأسباب المعينة على قيام الليل طهارة القلب، وكثرة التوبة والاستغفار، والدعاء، وأيضاً إيقاظ الأهل لقيام الليل رغبة في الخير لهم، والحرص على تنقية النفس والقلب من التعلق بالدنيا وحبها.
__________________________
(1) رواه الترمذي بسند صحيح.
(2) رواه البخاري.
(3) كتاب لطائف المعارف فيما لمواسم العام من الوظائف ص 41.
(4) رواه مسلم.
(5) رواه البخاري.
(6) رواه البخاري ومسلم وغيرهما، وهو حديث متواتر.