أقبل عام هجري جديد على الأمة الإسلامية، منادياً للعباد أن خططوا لاغتنام كل لحظة بي؛ فالموت قريب، مردداً على آذانهم قول أبي بكر الصديق رضي الله عنه: «كُلُّ امْرِئٍ مُصَبَّحٌ في أهْلِهِ، والمَوْتُ أدْنَى مِن شِراكِ نَعْلِهِ(1)، ليتأهبوا ويتفطنوا للحرص على الوقت، وعدم ضياعه فيما لا يفيد يوم الحساب، ومن أفضل الطرق الموصلة إلى حفظ الأوقات وضع الأهداف بوضوح، ثم وضع خطة وقتية محددة لها، وفيما يلي أهم النقاط المعينة على ذلك.
1- النية:
من أهم ما يعتني به العبد قبل الشروع في أي عمل كان هو إخلاص نيته لله عز وجل، فالأجر معقود بالنيات، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الأعْمَالُ بالنِّيَّةِ، ولِكُلِّ امْرِئٍ ما نَوَى»(2)، فإن انتوى العبد بأعماله العادية -كالأكل والنوم وغيرها- التقرب إلى الله فقد كُتب له الأجر، لذا فالنية قد تورث العبد من يومه وعاداته البسيطة جبالًا من الحسنات.
2- العزم:
أما العزم فيحتاج العبد إليه ليبادر إلى سلوك طريق الحق والثبات عليه سواء في النية فيه أو فعل أعماله، فكما ورد في قول النبي صلى الله عليه وسلم: «اللَّهمَّ إني أعوذُ بِكَ من وعثاءِ السَّفرِ وَكآبةِ المنقَلَبِ ومنَ الحوْرِ بعدَ الْكورِ»(3)، فمن الهدي النبوي الاستعاذة بالله من الردة عن الحق بعد لزومه والضلال بعد الهداية.
3- العلم:
رغم عظم مكانة العلم، وأنه يأتي قبل العمل كما قال الله تعالى: (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ) (محمد: 19)، فإن الكثير يهملونه، مع أن علم المرء بقيمة الأشياء هو ما يجعله قادراً على تحديد أولوياته منها، ومن ثم وضع أهدافه بوضوح شديد.
4- العظة:
المبصر بالغايات العظمي للخلق هو من يعتبر من مرور الوقت، ويخشى أن تمضي لحظة لا يُكتب له فيها حسنة، فضلاً عن أن يضيعها في السيئات، فأي خسارة أشد من الغفلة عن مرور الوقت واقتراب الأجل، والنفس لا تُبالى بمرور الزمن!
5- المثابرة:
ربما يُثبط المرء فشل خططه السابقة، ولكن ينبغي عليه أن يستعين بالله ويثابر، فإن الله كريم لا يمل حتى يمل العباد، ففي الحديث القدسي قوله تعالى: «.. وإنْ تَقَرَّبَ إلَيَّ بشِبْرٍ تَقَرَّبْتُ إلَيْهِ ذِراعًا، وإنْ تَقَرَّبَ إلَيَّ ذِراعًا تَقَرَّبْتُ إلَيْهِ باعًا، وإنْ أتانِي يَمْشِي أتَيْتُهُ هَرْوَلَةً»(4)، فلا ينبغي أن يمل المسلم من المثابرة حتي يوفقه الله سبحانه إلى مراضيه.
6- وضع الخطة:
هذه المرحلة نتاج لما قبلها، فإذا انتهى المسلم من الخطوات السابقة فعليه أن يجلس في هدوء ويكتب كل أهدافه وما سيسعى لتنميته في نفسه أو تحقيقه في سائر المجالات، ثم ينقح تلك الأهداف ويتأكد من ترتيبها وفقًا لأولوياتها لديه، ثم يضع خطة للتنفيذ.
ويجب التأكد من وضع خطة مناسبة لطبيعة النفس، فلا تكون فوق طاقته، فيصبح تنفيذها شاقًا عليه فيتركها، ولكن يجعل مبدأه قول رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما سُئل: أيُّ العملِ أحبُّ إلى الله؟ فقال: «أدومه وإن قل»(5)، فأن يداوم العبد على القليل خير من أن يبدأ ولا يثبت؛ ثم يُحبط ويترك المحاولة.
وكمثال على خطة العام:
الهدف الرئيس: أداء الصلاة بحقها والمواظبة على النوافل.
يتم تقسيم العام إلى 3 مراحل، كل مرحلة مدتها الزمنية 4 أشهر، ثم يتم تقسيم تحقيق الهدف الأساسي على المراحل الثلاث، مثل الآتي:
الأولى: المواظبة على أداء الفرائض فقط:
الخطة:
1- ضبط المنبه على أوقات الصلاة، والتركيز على أدائها أول الوقت.
2- التهيؤ للصلاة بالوضوء والحرص على تصفية الذهن قبل الصلاة من كل الشواغل.
3- تحديد ساعة أو ساعتين أسبوعياً على الأقل للتعلم عن فضل الصلاة وصفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم وكيفية خشوع القلب والجوارح فيها، ويتخير أفضل المواد المقروءة أو المسموعة في ذلك.
4- الحرص على الدعاء وسؤال الله التوفيق لأداء الصلاة بحقها، والتوبة والاستغفار الدائم بنية القبول.
5- تحديد عاقبة لعدم الالتزام بالمفروض، مثل عدم النوم إلا بعد أداء الفرائض المتأخرة، أو عدم تصفح الهاتف لباقي اليوم.. إلخ من العواقب التي تكف عن التقصير.
6- تخيير إنسان من الصالحين يتابع أداء الخطة ليشير بالخير وينهى عن النقص.
الثانية: المواظبة على أداء الفرائض والنوافل:
الخطة:
1- ضبط مواعيد اليوم على مواقيت الصلوات، لتتسع لأداء النوافل، كي لا تدفع إلى التعجل لترك النوافل.
2- التهيؤ للصلاة وتصفية الذهن.
3- تخصيص الساعة أو الساعتين للتعلم عن فضل النوافل وما السنن الراتبة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم.
4- الحرص على الدعاء وسؤال الله عز وجل التوفيق والثبات.
الثالثة: تثبيت الفرائض والنوافل:
الخطة؛ الثبات على:
1- المحافظة على الصلوات في وقتها.
2- الحرص على أداء النوافل وعدم تضييعها.
3- شكر الله على توفيقه وسؤال الله الثبات والهداية.
4- مواصلة التعلم عن فقه الصلاة وآثارها على النفس.
في حالة عدم الالتزام بالخطة، فلا بد من معرفة نقاط الضعف وتعديلها، فإن كان العيب متعلقًا بالخطة نفسها مثل كونها متكدسة يتم تخفيفها حسب المناسب، وإن كان العيب متعلقًا بالشخص مثل التسويف أو الكسل أو غيره فيهتم بأمر تزكية النفس والعمل على التخلي عن تلك الصفات وإعادة المحاولة مرة أخرى، ففي كل حال لا ينبغي أن يكف المرء عن محاولة الوصول أبدًا.
إن أهمية التخطيط للعبادات تكمن في صلاح القصد ثم ضبط استغلال الأوقات وعدم تضييعها فيما لا يفيد، فإن العشوائية واتباع المزاج يجعل المرء مشتتًا تائهًا، ويكفيه حافزاً ليستغل الوقت ويخطط له أفضل تخطيط أن يعلم أنه سيُسأل أمام الله عن عمره فيما أفناه.
_________________________
() رواه البخاري.
(2) رواه البخاري.
(3) رواه الترمذي بسند صحيح.
(4) رواه البخاري.
(5) رواه مسلم.