ابن آدم؛ أكرمُ خلق الله، قبضةٌ من تراب، نفخةٌ من روح الإله، حائرٌ بين التراب والروح، بين أعلى عليين وأسفل سافلين.
جسدٌ يحنُّ إلى الطين، يجذب إلى أسفل سافلين.
وروح تحنُّ إلى السماء، تنجذب للسباحة في الفضاء.
يا ابن آدم، روحك تَحِن إلى الطيران، إلى موطنها الأول في الجِنان، لو أطلقتَ سراحها من قيود الطين والشهوات، لطافت بك في دروب السماء، ولسافرت بك إلى بلاد الأفراح؛ حيث لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر.
ربما صرتَ “علي بن أبي طالب” وصِحت صيحة اليقين: “لو كُشِفَ عني الحجاب ما ازددت يقينا”.
وربما صرتَ “حارثة”: “وكأني بعرش ربي بارزا، وكأني بأهل الجنة في الجنة يُنعّمون فيها، وبأهل النار في النار يُعذّبون”.
فيأتيك هاتف الرسول: “أصبت؛ فالزم”..
يا ابن آدم، ميلاد روحك مخاض، والمخاض ألم، والألم إحساس وشعور.
إذا أشرقت لحظة الإحساس والشعور، فقد أتتك علامة الميلاد؛ اهرع إلى جذع النخلة، عُضَّ على أصل الشجرة، اقبض على الجمرة، تحمّل آلام السير على طريق الحق، ولو سرت فيه وحدك.
قليل من الصبر على آلام المخاض، وسيولد “عيسى” من داخلك.
سينسيك فرح الميلاد آلام المخاض، ستعيش في إسراء ومعراج، وسيحن “عيساك” إلى الائتمام بمحمد صلى الله عليه وسلم.
ستطوف بك روحك حول معاني الكمال والجمال والجلال في صفات خير الأنام؛ الرحمة المهداة، والنعمة المزجاة، أسخى الناس يدًا، وأرقّهم قلبًا، وأكثرهم حياءً، وأشدهم بأسًا، وأقواهم شكيمة، وأمضاهم عزيمة.
رفع لواء التوحيد، وجاهد تحت رايته؛ فأعز الله به الدين، ونصر به المظلومين.
اللهم كما آمنا به ولم نره، فاجعلنا في الدنيا ممن يحملون رسالته، ويبلغون دينه، ويسيرون على سبيله، واجمعنا تحت لوائه في الآخرة يا رب العالمين.