تكاد الشخصيات اليهودية في روايات الواقعية التاريخية عند نجيب الكيلاني تهيمن على بقية الشخصيات الإسلامية وغيرها، لأنها مفعمة بالشر، والكيد، والحركة التي لا تهمد في سبيل تحقيق أهدافها الشيطانية، وإن بدا أن بعض الشخصيات اليهودية القليلة تجنح إلى الفطرة والحق، وهو ما يحقق قوله تعالي: ” لَيْسُوا سَوَاءً ۗ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ. يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَٰئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ”(آل عمران: 113-114)
لقد صارت الشخصية اليهودية في الواقع الإنساني، فضلًا عن السياق الفني ظاهرة عالمية بين البشر. إنها كائن فريد لا يخضع للتفاعل الاجتماعي. ولا ينتمي إلى الأمة التي تعيش بين ظهرانيها. يرفض الدمج والاستيعاب في المجتمعات الإنسانية حرصا على خصوصية غامضة، وقد فطرت الشخصية اليهودية على الشر والرغبة في التدمير وتخريب الأخلاق وإفساد النفوس، حتى تزداد الشعوب ضعفا ووهنا، بينما يزداد اليهود قوة، وذلك بهدف السيطرة على العالم. (عبد الوهاب المسيري، اليد الخفية، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة،2000، ص 11-12).
اغتصاب وعدوان ومذابح
وتطبيقات الفلسفة اليهودية الشريرة أوضح من أن تفصّل، فهي قائمة في اغتصاب الأرض المقدسة والاعتداء على الشعوب العربية، والمذابح التي صنعوها ويصنعونها فوق فلسطين ولبنان وغيرهما، وراجع ما جرى في مذابح دير ياسين وكفر قاسم وقبية وما يجري في غزة والضفة الغربية وجنوب لبنان، لترى الطبيعة النكدة للشخصية اليهودية حين تملك السلاح وتتحرك في الظلام وضوء النهار لتسفك الدماء البريئة ولا تستثني شيخا أو طفلا أو امرأة، ولا تكتفي بالقتل بل تمعن في التعذيب وبقر بطون الحبالى وتقطيع الأوصال وتشويه الأجساد حتى يصعب التعرف عليها، ثم إنها تغتصب ما ليس لها من أرض ومال وثروات ومواقع وتسعى إلى القوة بكل جهد ممكن لتنفذ هذه الفلسفة الدموية الوحشية. (في تفاصيل تلك المذابح: عبد الله التل، خطر اليهودية العالمية، دار القلم، القاهرة، 1964م، ص56).
واليهودي بصفة عامة يتحالف مع الأقوياء لتحقيق مصالحه الخاصة، وإن كان معنيا بتحطيم مقومات الأمم الاقتصادية والحضارية، والعقدية.. وهذا ما قامت عليه دولتهم وحضارتهم في العالم. (ينظر نماذج من تحالف اليهود مع الأقوياء: نعمان السامرائي، اليهود والتحالف مع الأقوياء، كتاب الأمة32، الدوحة، 1412 هـ = 1992م- الصهيونية والعنف، ترجمة: حسين طنطاوي، مطبوعات دار الشعب، القاهرة، د.ت، ص234)
اليهودي في الآداب الغربية
وقد سبقت الآداب الأوربية أدبنا العربي في تناول الشخصية اليهودية بإفاضة وإسهاب، ويرصد رمسيس عوض جانبًا مهمًا من رؤية الغرب الأدبية لليهودي في كتابه “صورة اليهودي في الأدب الإنجليزي”، وإن كان يطرح ذلك تحت ما يسميه مظاهر العداء للسامية في نهاية القرون الوسطى.
ولعل أبرز الأمثلة على ذلك حكاية الراهبة للشاعر جيوفر تشوسر (1340- 1400م)، وهي إحدى روايات كانتربري التي ألفها تشوسر، وتحكي عن جماعة من اليهود عاشت في مدينة مسيحية درج حاكمها على اقتراض المال منهم، وكان في طرف الشارع الذي يسكنه اليهود مدرسة لتعليم الأطفال المسيحيين، وكان من بينهم تلميذ صغير السن للغاية بدأ يفك الخط، وسمع زملاءه الأكبر سنا يرتلون لمريم العذراء– أم المسيح– واعتاد الطفل سماع ترتيل زملائه الأكبر سنا، واستطاع أن يحفظ البيت الأول بسرعة من إحدى الصلوات دون أن يدرك معناه، فتساءل عن معنى الترنيمة وأسعده أن يعلم أنها تدور حول السيدة العذراء. وصمم الطفل على أن يتعلم الترنيمة كلها لينشدها تبجيلا للعذراء. وكان يرفع عقيرته بإنشاد الترنيمة في شارع اليهود دون خوف أو وجل. وهمس إبليس المتمثل في هيئة حيّة في آذان اليهود قائلا لهم: إنه من العار عليهم أن يقبلوا غناء الصغير الذي أراد الإساءة إليهم والتحقير من شأنهم. فأخذوا يتآمرون على الطفل، واستأجروا قاتلا ذبحه وألقى بجثته في حفرة.
انتظرت الأم طفلها الذي لم يأت، فراحت تبحث عنه، وتطرق أبواب اليهود في الشارع الذي كان يسير فيه، فأنكروا معرفتهم به. وأنار المسيح الطريق أمامها ووجه خطاها إلى الحارة التي ذبح فيها الطفل، والحفرة التي دفن فيها.
عندما اقتربت الأم من المكان سمعت صوت ابنها ينشد ترنيمة “أم المخلص”، واجتمع الشعب من حولها وهم في دهشة من أمرهم، واستدعوا قسيس المدينة، وما إن وقعت أنظاره على الطفل الذي بعث حيا حتى أمر بتكبيل اليهود جميعا وحبسهم وجرهم على الأرض بالخيول قبل القيام بشنقهم.
أخذ المسيحيون الطفل إلى دير قريب. وأثناء القداس أنشد ترنيمة “أم المخلص” بصوت مرتفع واضح. وقال الطفل لرئيس الدير: إن المسيح ظهر وأمره بإنشاد هذه الترنيمة، وفي الوقت نفسه قامت العذراء مريم بوضع حبة من القمح فوق لسانه، وصاح الصبي: “يجب أن أغني بدافع الحب لها حتى تنزعوا حبة القمح من فوق لساني”. وقام الراهب بنزع حبة القمح فأسلم الطفل الروح بسلام. وفيما بعد بنى الشعبُ قبرا من الرخام تخليدا لذكرى الطفل الشهيد. (رمسيس عوض، صورة اليهودي في الأدب الإنجليزي، دار الهلال، القاهرة،1999م، ص 5-7).
معاداة السامية!
ويرى بعض النقاد أن حكاية الراهبة تنم عن كراهية جلية لليهود حيث يصف تشوسر اليهود بالملاعين في أكثر من موضع. كما يصف بعض الدارسين الغربيين أن هذه الحكاية تتضمن قدرا كبيرا مزعجا من معاداة السامية وهو ما لا يتماشى مع ما عرف من تشوسر من رقة وإنسانية، ويحاول بعضهم التماس العذر لتشوسر بالقول إن معاداة السامية كانت سمة من سمات أوربة في القرون الوسطى، وإن الراهبة تعبر عن المشاعر السائدة في عصرها، وإنها لا تكره اليهود بقدر ما تشارك أبناء عصرها تحيزاتهم، وإن معاداة السامية في الحكاية شيء طبيعي”(السابق،7-8).
ويعزو الدارسون عداوة الكنيسة المسيحية في القرون الوسطى لليهود منذ القرن الأول الميلادي إلى رفضهم الاعتراف بأن المسيح هو مخلص العالم. (نفسه، ص9).
حكم غير دقيق
وهذا حكم غير دقيق، لأن ما ترسب في وجدان أتباع الكنيسة منذ التآمر على المسيح عليه السلام، وما نتج عن سلوكهم الاجتماعي الانعزالي وما يصاحبه من مكر وخيانة وغش وتآمر، لا يمكن تجاوزه ببساطة في الآداب الغربية، وهو ما سوف نراه يظهر ساطعا في روايات عصر النهضة وما بعده.
ويذكر كل كتاب المسرح الإنجليزي حتى 1642 عام إغلاق المسارح على أيدي المتزمتين الدينيين البيوريتانيين (المتطهرين)، إشارات الطبيب اليهودي لوبيز الذي أعدم عام 1594 بتهمة دس السم لقتل الملكة إليزابيث.
وقد مر اليهود بمراحل متفاوتة أبغضهم فيها الأدب الأوربي بصفة عامة والإنجليزي بصفة خاصة، ومراحل أخرى حاولوا فيها تغيير الصورة النمطية السلبية، وساعد قيام الثورات وخاصة الفرنسية على التخفيف من هذه الصورة النمطية ووصل الأمر برئيس الوزراء البريطاني بنيامين دزرائيلي (1804-1881) أن يبالغ في تمجيد اليهود. ونحا بعض الأدباء إلى تصوير اليهودي بوصفه إنسانا عاديا مثل بقية الناس يحمل صفات الخير وصفات الشر، وفي نهاية القرن التاسع عشر كان هناك إنتاج ضخم من الروايات اليهودية التي كتبها يهود بعد تحريرهم ومنحهم حقوقهم النيابية والانتخابية، ولكن ذلك لم يحل مشكلاتهم كلها فضلا عن أنهم يختلفون فيما بينهم في تقديرهم لليهودي وقيمته، فمنهم من يعيب على بني جلدته شدة ماديته ومنهم من يركز على وجود القيم الروحية بين اليهود حتى لدي أكثرهم فقرا، ومنهم من رأى الخلاص في الدين اليهودي التقليدي الموروث، ومنهم من رأي الخلاص في الدعوة الصهيونية، ومع كل هذه الاختلافات فإنهم يسعون إلى إقامة جسور تفاهم بينهم وبين العالم. (السابق، 210). مع الاحتفاظ بموروثهم الفكري والسلوكي الشرير طبعا.
المنحرف الشرير
وهناك نماذج كثيرة من اليهودي المنحرف الشرير في الأعمال الأدبية الغربية، ومنها:
شيلوك اليهودي في مسرحية “تاجر البندقية” الشهيرة لشكسبير، وفيجي اليهودي المجرم في رواية “أوليفر تويست” لشارلز ديكنز، وجيد في “يوميات كاتب” لديستويفسكي. (اليد الخفية،45 وما بعدها).
في أوائل القرن العشرين يتسلل ستيفان زفايج – نمساوي من أصل يهودي- إلى داخل النفسية اليهودية ويكشف ميلها إلى الخداع والمخاتلة والكسب المادي بكل السبل، ومن خلال شخصية الأب في روايته ” حذار من الشفقة” نجد السيد “كانيتز” الذي تحول إلى ” الهر فون كيكسفايا”، وصار من كبار الشخصيات في المنطقة التي يعيش فيها، يمارس ألوانا من الحيل والخداع حتى دخل نادي الأغنياء. كان الرجل يعمل بالسمسرة والوساطة في تجارة التحف والعاديات والتأمين عليها حتى وقع على فرصة نادرة استطاع من خلالها أن يخدع خادمة ورثت إحدى الأميرات الروسيات فيستولى على ضيعتها بثمن بخس ويتزوجها وينجب منها طفلة جميلة. لقد استثمر ذكاءه وخبرته التجارية في استغلال هذه الوريثة الضعيفة التي لا تجيد الحركة إلا من خلال أسيادها، فساعدته مهارته التجارية ليكون من الأثرياء بمقابل قليل.
وكأن ستيفان زفايج أراد أن يعاقبه على خداعه فجعل فتاته الجميلة وهي في العاشرة تصاب بمرض يقعدها عن الحركة بعد وفاة أمها يستمر سنوات طويلة مريرة، وتتعرض بعدها لنهاية مؤلمة تعصف بكيانه ومستقبله.
إن ضمير الكاتب الحي فيما يبدو كان أقوي من تعصبه لبني جلدته وأتباع ديانته، لدرجة أنه كان يقول لقد كنت يهوديًا بالصدفة.
الأنانية والشك والوحشية
أما مارسيل بروست– وهو نصف يهودي– فقد صور شخصية اليهودي “سوان” بطل “البحث عن الزمن المفقود “، في صورة شبه غامضة، وإن كان يتحرك في المجال الاجتماعي حركة رتيبة يحرص من خلالها على مشاركة الآخرين بانتظام، ويبدو أقرب إلى الأنانية والشك والسعي لإشباع طموحاته دون تضحيات في سبيل الآخرين!
وتصور إيثيل مانين في روايتها الطويلة “الطريق إلى بئر سبع” وحشية اليهودي وهو يحتل أرض فلسطين ويقتل أهلها ويطردهم خارج ديارهم وأرضهم، وتقدم نماذج بشعة للسلوك اليهودي في عديد من المواقف تخرجه من طبيعته الإنسانية أو البشرية.
ولعل هذه الصور المتشابهة لليهودي المنحرف الشرير في روايات كبار الأدباء الغربيين تكشف عن المشاعر الحقيقية للأوربيين تجاه اليهودي، وإن كانت الحكومات الغربية تتخذ مسارا آخر يتفق مع مصالحها وسياساتها.
وفي الأدب العربي الحديث نشاهد تناولًا محدودًا لشخصية اليهودي لدى عدد قليل من الأدباء أبرزهم إحسان عبد القدوس ونجيب الكيلاني، يوضح طبيعة اليهودي الانتهازية الشريرة، وفي العقود الأخيرة مع الحديث عن التطبيع مع العدو، انزلق عدد من الأدباء ـ وخاصة من الرافضين للتصور الإسلامي ـ إلى التقرب لليهود طمعًا في شهرة أو جوائز أو نحو ذلك من متاع الدنيا القليل.