«سيتم فرض الحجاب في ليبيا، واللي يقول حرية شخصية يمشي يعيش في أوروبا»، و«النساء اللي تسوق ونص شعرها برا الوشاح بنصادر منها السيارة، واللي لبسها لاصق وضيق حيخش هو واياها للحبس ويتعاقبوا مع بعض»، وإذا «لقينا واحد مقعمز هو وبنت (في كافية أو مكان خلوي) برقدهم في الحبس والبنت بترقد هي وأهلها في الحبس»، أما «الشباب اللي بنلقاه محلق قزع (حلق أجزاء متضاربة من الشعر) بنحلقه صفر واللي سرواله طايح بندخله للحبس لحين يصبح راجل»!
كانت هذه بعض القرارات التي صفع بها عماد الطرابلسي، وزير الداخلية الليبي، العلمانيين ودعاة الانحلال الذين بدؤوا يظهرون في ليبيا ويقلدون شباب الغرب في أسوأ عاداتهم، لكن قراراته، التي قالها باللهجة الليبية، لقيت حملة نقد عنيفة من خارج ليبيا أكثر من داخلها.
تفاصيل القرارات
كان حديث وزير الداخلية الليبي يدور حول فرض قواعد جديدة لـ«الآداب العامة»، من ضمنها نشر الحجاب بين جميع النساء داخل ليبيا، لكنه أكد عزمه فرض الحجاب في المدارس، مشيداً ببدء بعض المدراس فرضه ابتداء من المستوى الرابع ابتدائي.
كما أعلن الوزير منع سفر النساء دون إذن من ولي أمرها، مع منع خروجها بزينة لافتة، وإغلاق مقاهي الشيشة المخالفة التي بها اختلاط بين الجنسين ومنكرات، وقال: «لن نترك شخصاً يجلس مع واحدة بطريقة غير محترمة، وسنغلق مقاهي الأرجيلة (الشيشة) ومحال الحلاقة التي لا تلتزم بالعمل والضوابط القانونية والاجتماعية».
وسيمنع على أي شاب الجلوس مع أنثى في مقهى أو مطعم أو التجول معاً بسيارة، إذا لم تكن زوجته أو من محارمه، ومن يجتمع بامرأة غريبة عنه سيعاقب، دون تحديد كيف سيعاقب، مؤكداً أنه ستجرى ملاحقة أصحاب المقاهي والمطاعم ومن يرتدون ملابس ممزقة وغير لائقة سواء من الشباب أو الشابات، ومراجعة آلية استيراد هذه الملابس.
وقال: «سنعطي شرطتنا دورات في الكتاب والسُّنة»، وتم تكليف شرطة الآداب بوضع ضوابط على صيحات قصات الشعر غير اللائقة المنتشرة بين الشباب، ودعا لمراقبة نشر المحتويات غير اللائقة على مواقع التواصل الاجتماعي خاصة «تيك توك».
ووصف المسؤول الحكومي موضوع الآداب بـ«الصعب جداً»، موضحاً أن مجال تدخل الشرطة سيشمل مراقبة مدى احترام الرجال والنساء لقيم المجتمع الليبي ومنع صيحات الموضة المستوردة ومراقبة محتوى الشبكات الاجتماعية.
كما أعلن وزير الداخلية في حكومة الوحدة الوطنية فرض إجراءات تأديبية أخرى تتضمن منع الاختلاط بالنساء، ومنع الملابس غير المناسبة وملابس الشباب التي لا تتماشى مع ثقافة المجتمع وخصوصياته.
وختم الطرابلسي، بقوله: نحن مسلمون، ومن يرد حرية منفلتة فليذهب إلى أوروبا، والذين يتحدثون عن الحرية الشخصية دون الالتزام بالتقاليد والأعراف الليبية عليهم أن يذهبوا للعيش في أوروبا.
https://www.facebook.com/HAKOMITNA/videos/1831974024208556
هجوم على الإجراءات
أثار إعلان الطرابلسي جدلاً كبيراً في البلاد، رغم قوله: إنه لا يعارض قضايا حقوق الإنسان.
قرار الحجاب ومنع الاختلاط وتكلف شرطة الآداب بمنع مظاهر الانحلال، كان في ليبيا، ومع هذا خرج الصياح ضده في عواصم أجنبية وعربية، فيما استقبله آخرون بالدعاء في عواصم عربية، مثل: «عقبالنا في مصر»، «نتمنى يطبق في بلادنا».
بل وتدخل سفراء أجانب على خط قضية فرض الحجاب وشرطة الآداب في ليبيا، حيث طلب السفير البريطاني بليبيا مارتن لونغدن، وسفير الاتحاد الأوروبي نيكولا أورلاندو، لقاء الوزير الليبي عقب تصريحاته التي تعهد فيه باتخاذ إجراءات منها فرض ارتداء الحجاب.
وزعم السفيران أنهما ناقشا مع الوزير الليبي مسألة الحريات حقوق وحريات جميع المواطنين الليبيين، واحترام حقوق الإنسان العالمية والمبادئ الإنسانية، وكذلك سيادة وثقافة ليبيا!
أيضاً سارعت وسائل إعلام أجنبية وعربية، معادية للتيار الإسلامي، لمهاجمة مسألة فرض الحجاب، ونشرت صحيفة «إندبندنت عربية» الخبر بنزعة ساخرة تقول: «قرارات ليبية بنزعة أفغانية تشعل سجال حرية المرأة»!
وتدخلت «منظمة العفو الدولية» لوصف الخطط التي تحدث عنها وزير داخلية ليبيا بأنها تُعدّ تهديدات بقمع الحريات الأساسية باسم الأخلاق، وعدتها تصعيدًا خطيرًا في مستويات القمع الخانقة أصلًا في ليبيا بوجه الذين لا يمتثلون للمعايير الاجتماعية السائدة.
وأغضبت الحملة على القرار الليبي الرسمي بنشر الحجاب نشطاء في ليبيا قالوا: إنه منذ صدر قرار فرض الحجاب ومنع الاختلاط لم تتوقف السخرية من ليبيا، وصفونا بالجهلة والمتخلفين و«طالبان»! مؤكدين: «رُب متخلف عن ركب حضارة الغرب المنحلة ومستمسك بدينه وتوحيده وعقيدته أفضل عند الله».
الشريعة والإجراءات الأخيرة
يرى مراقبون أن هذا التطور النوعي بإعلان وزير الداخلية إجراءات تتعلق بنشر الفضيلة والأخلاق له صلة بقرار حكومة الوحدة الوطنية في العاصمة طرابلس بدء العمل على تطبيق الشريعة الإسلامية بحسب الكتاب والسُّنة.
وكان أول برلمان ليبي (المؤتمر الوطني الليبي) تشكل عقب انهيار حكم معمر القذافي قد أقر، في 4 ديسمبر 2013م، تشريعاً يجعل من الشريعة الإسلامية أساساً لكل التشريعات وكذلك أساساً لعمل كل مؤسسات الدولة.
وأصدر المؤتمر بياناً بعد التصويت جاء به أن الشريعة الإسلامية هي مصدر التشريع في ليبيا، وأن كل مؤسسات الدولة يجب أن تلتزم بهذا، وأن كل ما يخالف أحكامها يقع باطلاً؛ حيث نصت المادة الأولى من القانون المدني الذي أصدره المؤتمر الوطني العام بعد تعديليه بما يوافق الشريعة الإسلامية، ما يلي: «تسري النصوص التشريعية على جميع المسائل التي تتناولها هذه النصوص، أي: أحكام القانون المدني في لفظها أو في فحواها بما لا يخالف أحكام الشريعة الإسلامية، فإذا لم يوجد نص تشريعي يمكن تطبيقه، حكم القاضي بمقتضى أحكام الشريعة الإسلامية وأدلتها المعتبرة، ويعد من النظام العام: أحكام الشريعة الإسلامية القطعية القائمة على نص قطعي أو إجماع أو قياس جلي، أو قاعدة فقهية».
وشمل هذا التعديل جميع القوانين التي كان معمول بها في السابق، وإلغاء جميع القوانين التي تخالف الشريعة نصاً أو ضمناً، ليكون هذا التعديل ثمرة من ثمرات ثورة فبراير 2011م، ولتكون ليبيا من أوائل الدول التي تراجع كافة قوانينها وتجعلها تحت الشريعة الإسلامية.
ولكن رغم صدور هذا التعديل، فإنه لن يطبق تطبيقاً صحيحاً بسبب التدخلات الأجنبية وخلق كيان انفصالي في شرق ليبيا بقيادة المتمرد خليفة حفتر، الذي أشعل حرباً وحاول غزو واحتلال العاصمة، فضلاً عن سيطرة بعض الأشخاص ذوي النفوذ المالي والتوجه المخالف لتطبيق القوانين الإسلامية على وسائل الإعلام والزعم أن هذه القوانين غير قادرة على مواكبة العصر والتقدم والرقي بالدولة الليبية.