رأى كلنا وسمع مأساة الطفل إيلان وهو ملقى على الساحل تتقاذفه الأمواج، والذي يعد تمثيلاً صارخاً لمأساة ملايين العرب والمسلمين الذين يقتلون ببراميل النصيري بشار الأسد، أو يذبحون على أيدي “داعش” وغيرهم، ثم ينتهي الأمر فتأكلهم الأسماك في بحر الموت المتوسط، ونحن نكتفي بإبداء الأسف أو إقامة صلاة الغائب في أحسن الأحوال والتي لن يقيمها أحد على أرواحنا ذات يوم.
وربما سيتعجب القارئ من ربط الحادث مع أشهر أبطال المسلمين صلاح الدين الأيوبي (532 – 589هـ) والذي اكتسب شهرته باسترداد القدس (583هـ) من الصليبيين، ولكنها نصف الحقيقة، فتحرير القدس كان جزءاً بسيطاً من حربه الشاملة من أجل الإسلام والمسلمين التي كانت ضد أجداد الأسد وأشياعهم من الباطنية والحشاشين.
فأسمى عمل قام به صلاح الدين قبل تحرير القدس هو القضاء على الدولة الإسماعيلية الباطنية في مصر والتي سميت زوراً وبهتاناً بالدولة الفاطمية عام (567هـ/ 1167م) والتي عاثت في الأرض فساداً وتخريباً باسم الدين ولا غير، ونشر المذهب الباطني الذي لا يمت للدين بصلة إلا صلة الساعي لخرابه والذي يمثله الآن النظام النصيري المغطى بقشرة قومية، ويمده في الغي حقد باطني طائفي من نظام الملالي الذي يحلم بالسيطرة على العالم الإسلامي تحت غطاء الإسلام، وما يحدث بعد ألف عام تقريباً من حرب صلاح الدين ضد الباطنية في أرض الشام في بعض جوانبه ما هو إلا حلقة من الحلقات في هذا المسلسل التاريخي القذر في الحرب على الإسلام باسم الإسلام، وأن المتتبع لتاريخ الباطنية وفضائحها لن يستغرب مطلقاً إذا تمكن إيلان من النطق بعد موته بأن “داعش” ما هي إلا صناعة قذرة من صناعة الباطنية تستغل غفلتنا وسذاجتنا وحماقة شبابنا لتبدو في ثوب سلفي ضرب أهل السُّنة في صميم عقائدهم.
وهكذا فالنظام السوري الذي يتدثر بالعروبة، أظهرت الأيام بأنه ليس إلا دمية للحركة الباطنية الفارسية الشعوبية، وأنه قام بكل الممارسات الشائنة في محاربة أهل السُّنة من عرب وأكراد وأتراك لطمس هويتهم القومية والدينية، وأن أرض الشام التي كانت مركزاً وهاجاً للفتوحات الإسلامية والحرب ضد الصليبية صارت مرتعاً للتشيع الباطني، ويريد أن يحولها بدوافع شعوبية إلى أرض فارسية وبدوافع أحقاد تاريخية ومصلحية، وهي أحقاد تقوم عليها كل الأفكار والمعتقدات الباطنية والشعوبية ضد الإسلام وأهله، وهذا الجانب من هذه الحرب القذرة ما هو إلا الجانب الفكري والعقائدي، ولن ندخل في الدوافع الأخرى لأنها خارج إطار المقال.
إن الذين يحكمون سورية ما هم إلا بقايا حركة الحشاشين الباطنية، والذين عاثوا في الأرض فساداً بعمليات الاغتيال والقتل والتي نجا منها صلاح الدين مرتين، ولم ينجُ منها عماد الدين الزنكي ونظام الملك وكثير من عظماء المسلمين.
وقد يعتقد البعض بأن كلامنا فيه شيء من الانفعال والتشنج، ولكنه الجانب العقائدي من هذه الحرب المستعرة بيننا وبين هذه الحركات الباطنية على مدار التاريخ، والتي لم تنقطع مؤامرتها على الفكر والعقيدة أبداً، فكان ظهور الحركات الهدامة كالخرمية والإسماعيلية والبابكية والمقنعية والخراسانية والنصيرية التي سماها الفرنسيون عند احتلالهم لسورية في القرن الماضي بـ”العلوية”، وهو تمويه خبيث فالعلويون هم نسل سيدنا علي رضي الله عنه، ولا علاقة لهم بفرقة لا تقيم الصلاة ولا تعطي الزكاة ولا تحج لبيت الله عدا أن كبيرهم يذهب ليصلي العيد مع أهل السُّنة نفاقاً وتقية!
إن أفكار “ولاية الفقيه” ما هي إلا حلقة من حلقات هذه السلسلة الطويلة الخبيثة التي لم تتوقف مطلقاً في سعيها لتقويض أمتنا وديننا وتدمير بلادنا، وما يحدث في العراق والشام وبلاد اليمن لهو دليل واقع على ذلك.
فأينما حلوا حل الخرب والدمار وتناثرت الجثث والأشلاء.
هذه خواطر سريعة مرت وأنا أستذكر ما قام به صلاح الدين رحمه الله، عندما جاء بشيخ سُني من الموصل قام في الجامع الأزهر وخطب للخليفة العباسي المستضيء بأمر الله في أول جمعة من عام 567هـ، وربما في هذه الحقيقة جانب خفي من مأساة مدينة الموصل ونكبتها حالياً.
ولم يوقف صلاح الدين جهوده في حربه على الصليبيين لمتابعة فلول الباطنية في اليمن والشام، لينتهي أخيراً بتحرير القدس، هذه رسالة متواضعة لكل من يعتقد بحسن نوايا الذين يقفون خلف النظام النصيري الباطني في سورية من عمائم ولاية الفقيه، والذين لا يأبهون بقيد شعرة لمصالح الشيعة العرب أو غيرهم إلا بالقدر الذي ينفسون به عن أحقادهم ولو قتل منهم عشرات الألوف في سبايكر وغيرها من مناطق الفتن والحروب، فأحقادهم بلغت عنان السماء وطالت أمهات المؤمنين وصحابة الرسول صلى الله عليه وسلم، فهل ستهتز ضمائرهم عندما يرون إيلان حفيد صلاح الدين ملقى على الساحل وهو جثة هامدة هرباً من براميلهم المتفجرة وصنائعهم “الدواعش”؟! وأنا متأكد بأنهم فرحون في قرارة نفوسهم مما عملته أيديهم وهم يرددون في قرارة أنفسهم: ليظهر صلاح الدين وينقذ إيلان ومن على شاكلة إيلان.