يا ترى هل هو ربيع خامس حقا، أم أنه شتاء محمل بالعواصف والأعاصير؟
ربما يحار المراقب في الإجابة على هذا السؤال، بعد مرور 5 سنوات على الثورة الأم الملهمة لباقي الثورات العربية (الثورة التونسية).
فمقارنة سريعة بين ثورة الياسمين وما تبعها من ثورات في بلدان عربية أخرى، ربما تأتي في صالح الأولى من ناحية التوافق السياسي الكبير بين فرقاء وأخلاط متباينة الأيدولوجية والمنطلقات الفكرية وربما العقدية، لكنهم نجحوا فيما خسر فيه آخرون ربما كانت فرصتهم في التوافق أكبر؛ كانت الفوارق بينهم ضيقة، لكنهم وقعوا فريسة التجاذبات والتناحرات التي استغلها أعداء الثورة؛ فأعادوهم إلى ما قبل نقطة البداية، والحديث هنا منصب على مصر وليبيا بصورة كبيرة، أما الثورة السورية واليمنية فلهما شأن وظروف أخرى.
ربما يدل على ما أشرنا إليه سابقا في تونس ذلك الحدث الدولي الكبير المتمثل في جائزة نوبل للسلام التي حازها الرباعي الراعي للحوار في تونس، والذي أثمرت جهوده هذه الحالة من التعايش والتوافق المعلنين –على الأقل- سياسيا ودستوريا.
أيضا لا يخفى على أي مراقب للوضع التونسي بعض المكاسب الخاصة بالحريات العامة، المتمثلة في إطلاق حرية الرأي والتعبير، وعودة النشاط للمجتمع المدني، والتخلص من الدولة البوليسية، وكتابة دستور يجمع بين الحداثة والجذور التاريخية، إضافة لتحقيق التبادل السلمي للسلطة.
الوجه الآخر
لكن على الجانب الآخر.. هل حققت الثورة التونسية ما كان يصبو إليه الناس الذين خرجوا في الرابع عشر من يناير 2011، وما حرق من أجله بوعزيزي (أيقونة الربيع العربي) نفسه في 17 ديسمبر 2010؟
أظن أن نظرة عجلى على باقي مكونات الحياة التونسية تدل على أن ذلك ما زال دونه طريق طويل، على التونسيين قطعه حتى يجنوا ثمرة الدماء التي أريقت..
فإذا كانت حدثت حريات سياسية وأطلقت حرية التعبير.. فمن أسف أنها جاءت في عامها الخامس بأحد رموز النظام القديم ومكنته من الحكم، بصورة ديمقراطية وشرعية لا يستطيع أحد التشكيك فيها أو معارضتها!!
وربما هذا ما جعل المقارنين بين إخوان مصر وربيتهم (حركة النهضة التونسية) يتجهون اتجاهين متعاكسين..
ففي الوقت الذي يرى فيه بعضهم أن حكمة إخوان تونس فاقت حكمة آبائهم التنظيميين (إخوان مصر) في تجنيب البلاد ويلات الدماء والحروب، وأنهم استطاعوا الحفاظ –بحنكتهم- على العملية الديمقراطية والمسار السياسي السليم.. يذهب آخرون إلى أن ما حدث في تونس هو تمكين شرعي للنظام القديم الذي ثار عليه الناس ومن أجله أريقت الدماء، وأن المواجهة لم تنتهِ، لكنها مؤجلة، عكس ما حدث في مصر من فتح كل الجروح لتضميدها معا حتى وإن كان الألم كبيرا..
الوضع الاقتصادي والأمني
وهو أكثر النقاط الحرجة والمعبرة عن حالة أي دولة؛ ذلك أنه المجال الذي يمس عموم الناس؛ فالفقير الكادح ربما لا يجدي معه كثيرا الانفتاح السياسي والحرية الكبيرة إذا لم يجد ما يسد به رمق أولاده.
والمراقب للوضع التونسي ربما يجد فجوة بين الصعيد السياسي من جهة والاقتصادي والأمني من جهة ثانية.
فعلى الصعيد الاقتصادي لا تغفل العين المراقبة المأزق الكبير الذي عليه الاقتصاد التونسي؛ فنسبة النمو تراجعت مع نهاية السنة الماضية إلى حدود 0,5%، بعد أن كانت خلال حكم الترويكا 2,5%، في حين كانت آخر عهد بن علي 5%. وهو ما أثر على الاستثمار الداخلي والخارجي والبطالة والديون والأسعار.
أما على الصعيد الأمني فلم تغب عن الذاكرة بعد ما حدث خلال هذا العام فقط من تفجير متحف “باردو” المحاذي للبرلمان، وهو ما خلف عشرات القتلى والجرحى، وتم احتجاز 200 سائح. ثم تبع ذلك بثلاثة أشهر تقريبا العملية التي استهدفت فندقا سياحيا في مدينة سوسة، والتي قتل فيها 28 شخصا وجرح 26 آخرون، معظمهم بريطانيون.
وفي النهاية يظل السؤال معلقا بانتظار ما سيسفر عنه قابل الأيام: هل هو ربيع خامس، أم شتاء عاصف، أم خريف انتقالي بينهما؟