– أكدوا أنها فرصة لتعزيز الابتكار إذا تم دعمها بالشكل الصحيح
المشاريع الصغيرة والمتوسطة أحد المحركات الرئيسة لاقتصادات الدول، ولا أحد ينكر أهمية تلك المشروعات في بناء اقتصادات الدول في ظل الانخفاض الحاد للنفط، سواء لدورها في إيجاد فرص العمل أو تعزيز الابتكار، وفي معظم اقتصاديات دول العالم، تبرز المشاريع الصغيرة والمتوسطة إلى الواجهة؛ إذ يتجاوز حجمها الـ90% من إجمالي مشاريع دولة مثل الولايات المتحدة الأمريكية.
وفي هذا السياق، أكد اقتصاديون في تصريحات خاصة لـ «المجتمع»؛ أن كثيراً من دول العالم بدأت اقتصادها بالمشروعات الصغيرة، مطالبين في الوقت ذاته بأن تكون هناك رقابة على تلك المشروعات، مع إيجاد حل لمشكلة البيروقراطية التي يتعامل بها المسؤولون في الدولة.
تنويع الاقتصاد الوطني
أكد مدير المشروعات الصغيرة في برنامج إعادة الهيكلة والقوى العاملة م. فارس العنزي في تصريحات سابقة؛ أن أهمية المشروعات الصغيرة اليوم تكمن في مساهمتها بشكل كبير في تنويع الاقتصاد الوطني، لا سيما أن دول الخليج تعتمد على النفط فقط كمصدر رئيس للدخل، والذي بات – للأسف – يتزحزح ويترنح بين الحين والآخر في الأسعار، كما أن النفط ثروة ناضبة؛ وبالتالي لا بد من إيجاد مصادر بديلة، موضحاً أن المشروعات الصغيرة أحد أهم العناصر لتنويع الاقتصاد الوطني.
وأشار إلى أن المشروعات الصغيرة تعتبر أحد العلاجات السحرية في إيجاد فرص عمل كبيرة حقيقية، موضحاً أن الكويت تواجه اليوم إشكالية حقيقية في هيكلة سوق العمل؛ حيث إن هناك 96% من الكويتيين يعملون في القطاع الحكومي، مقابل 4% يعملون في القطاع الخاص، و1% من العاملين بالقطاع الخاص يعملون في العمل الحر، وتلك النسب لا تستقيم في دولة كالكويت يبلغ عدد سكانها 4 ملايين، منهم مليون و200 ألف كويتي.
ومن جانبه، قال أستاذ الاقتصاد في كلية العلوم الإدارية بجامعة الكويت د. محمد القطان: الربط بين المشروعات الصغيرة ودعمها للاقتصاد في ظل انخفاض أسعار النفط ربط خاطئ؛ لأن انخفاض أسعار النفط تلعب فيه دول كبرى، ومن الممكن أن يكون الانخفاض مصطنعاً، مشيراً إلى أن المشروعات الصغيرة كانت سبب نهضة كثير من دول العالم، بل إن هناك دولاً أقامت اقتصادها على تلك المشروعات؛ إذن لا بد أن تكون تلك المشروعات موجودة بالتوازي مع النفط وغيرها من المشاريع التي تسعى الكويت من خلالها إلى تنويع مصادر الدخل.
وأكد القطان، في تصريح خاص لـ «المجتمع»؛ أن المشروعات الصغيرة لا ترتبط بالظروف الاقتصادية للدول، فإذا تأثر الاقتصاد بأزمة ما فلا تتأثر هي مثلما تتأثر المشروعات الكبرى، بل قد تتوقف المشروعات الكبرى ولا تتوقف المشروعات الصغيرة؛ فهي من أفضل الحلول لتجنب المشكلات والأزمات الاقتصادية التي من الممكن أن تواجهها بلدان العالم.
صندوق المشروعات الصغيرة
وبيَّن القطان أن الدولة وفَّرت صندوقاً لدعم المشروعات الصغيرة، وقد أمر سمو أمير البلاد بإنشاء هذا الصندوق، لكن الإشكالية تكمن في إدارة هذا الصندوق، وكيف تتم بصورة صحيحة؟ متسائلاً عن عدد المشاريع الصغيرة التي نجحت في الكويت؟ وعما إذا كان يتم متابعة تلك المشاريع بعد نجاحها أم لا؟ متوقعاً ألا تزيد نسبة نجاح تلك المشاريع عن 15% على الأكثر.
وأضاف القطان أنه ولضمان نجاح المشروعات الصغيرة يجب أن تكون هناك رؤية واضحة واقتناع تام من صاحب المشروع، بالإضافة إلى أن الدولة من خلال صندوق المشروعات الصغيرة مطالبة بمتابعة المشروع ومدى نجاحه من عدمه، ودراسة أسباب النجاح والفشل، مشيراً إلى أن كثيراً من المشاريع الصغيرة تم دعمها وتركها بعد ذلك، وفي النهاية نجدها إما اختفت أو انتهى بها المقام إلى الخارج؛ لذا يجب أن تكون هناك إدارة واعية تقوم على دعم تلك المشروعات ومتابعتها، مع التخلص من البيروقراطية المميتة والتي من الممكن أن تصيب الشباب بالإحباط.
وقال أستاذ الاقتصاد في جامعة الكويت د. يوسف المطيري: إن المشروعات الصغيرة تعتبر عنصراً أساسياً في اقتصادات كثير من الدول، وتعد محركاً أساسياً لاقتصادات بعض دول العالم؛ فهي المنطلق الأساسي لبناء المشروعات المتوسطة والكبيرة، فقد بدأت إندونيسيا بالمشروعات الصغيرة، والتي تحولت فيما بعد إلى كبيرة ومتوسطة، وهذا ما جعل كثيراً من الدول لديها تطور هائل واهتمام بهذا الجانب بالصورة المطلوبة.
إحباط الشباب
وأكد المطيري، في تصريح خاص لـ «المجتمع»، أن الحكومة الكويتية دعمت المشروعات الصغيرة بملياري دينار، وهذا مبلغ كبير، لكن – للأسف – لم يكن الدعم أو التنفيذ بالصورة التي ينبغي أن تكون؛ فهناك التعقيدات والإطالة التي تصيب بعض أصحاب المشروعات الصغيرة من الشباب بالإحباط، بالإضافة إلى عدم توافر الأراضي والأماكن التي من خلالها ينطلق الشباب تجاه المشروعات الصغيرة.
وطالب المطيري بضرورة أن يتم منح الشباب الموارد التي تساعدهم على دعم مشروعاتهم الصغيرة، فالدول تشجع الزراعيين والحرفيين، وتدفع أموالاً كثيرة في هذا الجانب؛ لذا يجب أن تكون الأموال أو الأراضي التي تقدم إلى أصحاب المشروعات الصغيرة مراقبة، وبعد دراسة، وسريعة، مطالباً بضرورة التحقق من جدوى مشروعات الشباب قبل منحهم الأراضي، فيجب ألا يتم منح الشباب الأراضي وفي المقابل يتجهون إلى تأجيرها وتحويلها إلى مخازن؛ وبالتالي تتحول عن الهدف الذي تم توزيعها من أجله، فتلك الأراضي لم تحقق الفائدة المرجوة منها.
وأضاف المطيري أن طبيعة المتغيرات التي تحدث من حولنا، وانخفاض أسعار النفط، يتطلبان أن تكون هناك مصادر بديلة للدخل، ومن الممكن أن تشارك الدولة أصحاب تلك المشاريع فيما بعد نجاحاتهم إذا نجحوا في تلك المشروعات، لكن – للأسف الشديد – المماطلة كانت سبباً رئيساً في قتل الروح والحماس لدى الشباب الذي يسعى إلى إنشاء مشروعات صغيرة.
وأكد المطيري ضرورة أن تكون هناك دراسة جدية للمشروعات الصغيرة، يمكن من خلالها الحكم على تلك المشروعات، كما يجب على الحكومة وضع نظام صارم للمتابعة بلا إطالة ولا تعقيد للإجراءات وآليات دعم الدولة؛ فكثير من الشباب يخشى الروتين والإطالة وهو ما يدفعه إلى الابتعاد عن تلك المشروعات.
عنصر اقتصادي مهم
ومن ناحيته، قال أستاذ الاقتصاد في جامعة الكويت د. محمد العبدالجليل: إن المشروعات الصغيرة لها دور رئيس في اقتصادات كثير من الدول، بغض النظر عن انخفاض أسعار النفط أو ارتفاعه، بل يجب أن تكون المشروعات الصغيرة عنصراً أساسياً ومهماً في اقتصاد الدولة؛ لأن هناك كثيراً من الدول بدأت اقتصادها بتلك المشروعات، مشيراً إلى أنه في ظل انخفاض أسعار النفط، فهذا هو الوقت المناسب الذي يجب على الدولة أن تهتم بتلك المشروعات حتى تكون سبباً في دعم الدخل للدولة.
وأكد العبدالجليل، لـ «المجتمع»، أن المشروعات الصغيرة وصندوقها موجودة في الكويت منذ عشر سنوات، لكن للأسف الشديد نجد أن كثيراً من الشباب يهربون من تلك المشروعات إلى القطاع الحكومي؛ فأصبح القطاع الحكومي جاذباً، وتلك المشروعات طاردة، وذلك لأن الدولة تمنح لموظف الحكومة مميزات لا يحصل عليه صاحب المشروع؛ وبالتالي هو يسعى إلى الحصول على الوظيفة الحكومية.
وبين العبدالجليل أن التناقض الشديد بين تلك المعطيات هو ما يجعل الشباب يهربون من القطاع الخاص، فنجد أن الموظف الحكومي يحصل على راتب مميز، بالإضافة إلى المميزات المالية الأخرى، في المقابل لا يوجد دعم حقيقي لصاحب المشروع الصغير، فالدولة تتكلم عن دعم المشروعات الصغيرة من جانب، وتقوم بزيادة رواتب الموظفين من جانب آخر.
وعن بعض الشباب الذين يحصلون على أراضٍ لتلك المشروعات ويقومون بتأجيرها أو استغلالها في أمور أخرى، قال العبدالجليل: إن مسألة الالتفاف على القانون موجودة؛ فهذا الأمر ليس وليد اللحظة، وفي المقابل يجب أن تتعامل مع الدولة بحزم، وأن تقوم بتطبيق القانون؛ لذا فنحن في حاجة إلى قوانين صارمة، بالإضافة إلى أننا بحاجة إلى قتل عملية البيروقراطية والروتين، أيضاً مع الرقابة الشديدة على تلك المشروعات؛ فاللوائح الركيكة هي ما تتسبب في مثل هذه الأمور، فنجد أن كثيراً من «البسطات» التي تعطى للمتقاعدين يقومون بتأجيرها، مؤكداً ضرورة العمل في تلك المشروعات كعُمان والإمارات، فأي شخص لديه دعم حكومي ولا يزاول المهنة بنفسه يتم سحب الرخصة منه فوراً.