قال محمد نور كراني، المتحدث الإعلامي للحزب الإسلامي الإريتري: إن إريتريا كانت تتمتع بقدر من الحرية والديمقراطية؛ مما يشكّل خطراً على الدكتاتور «هيلاسلاسي» الذي كان يحكم إثيوبيا بالحديد والنار، ولا يسمح للرأي الآخر بالظهور مطلقاً، وهو ما دفعه إلى احتلال إريتريا وضمها إلى إثيوبيا للقضاء على الديمقراطية الوليدة فيها، وكل المظاهر الإيجابية التي يتمتع بها الشعب الإريتري؛ من حرية العقيدة، وحرية الرأي، وما إلى ذلك.
قال كراني في حوار خاص مع «المجتمع»: إن الشرق والغرب متواطئ ومتفق على عدم السماح باستقلال إريتريا، نظراً لموقعها الإستراتيجي؛ لأنها لو أصبحت دولة عربية مستقلة، فستتحول شواطئ البحر الأحمر كلها إلى شواطئ عربية وإسلامية، مؤكداً أن حركة التحرير – التي أسسها المسلمون هنا للعمل على إحداث حركة في الداخل تعجل بتحرير واستقلال إريتريا – كانت تتلقى دعماً عربياً وإسلامياً، من الكويت والمملكة العربية السعودية وسورية والعراق ومصر، ومع ذلك لم يحفظ «أسياسي أفورقي» الجميل للعرب الذين ساعدوه عشرات السنين من أجل تحقيق الاستقلال، وكانت المكافأة هي التنكر لهم.
* في البداية، حبذا لو تعطينا تعريفاً شخصياً عنك؟
– أنا أحد مواطني دولة إريتريا، مقيم حالياً في السويد، منذ أكثر من عشرين عاماً، وقبل اللجوء إلى أوروبا كنت أحد النشطاء السياسيين في إريتريا وعلى وجه الخصوص العمل الإسلامي، وفي المؤتمر الأخير الذي عُقد في عام 2013م، تم تكليفي من قِبل الإخوة في الحركة بالقيام بمسؤولية العلاقات الخارجية في الحزب الإسلامي.
وبشكل عام، الجالية الإريترية في السويد خصوصاً وفي أوروبا عموماً مازالوا يتمتعون بالحس الوطني الإريتري، وأينما انتقل المواطن الإريتري انتقلت معه قضاياه وهمومه الوطنية.
* هل تعطينا نبذة سريعة عن إريتريا وقضيتها؟
– إريتريا تُعرف تاريخياً بأنها «بلاد الطراز الإسلامي»، ولديها امتداد على البحر الأحمر حوالي 1000 كيلومتر، و124 جزيرة، وقد تتابعت عليها كل القوى العالمية حكماً واحتلالاً، ابتداء من البرتغاليين وانتهاء بالإثيوبيين، فما أن تظهر قوة عسكرية لها شأن إلا وتتخذ من إريتريا قاعدة لها، إلى أن قام الأسطول العثماني بطرد الأسطول البرتغالي من مناطق ساحل البحر الأحمر، وأصبحت إريتريا تابعة للدولة العثمانية ما يقارب من 300 عام (1500 – 1800م)، ثم صارت تابعة للخديوية المصرية حوالي 60 عاماً، وبعد ذلك احتلتها إيطاليا لمدة 60 عاماً، منذ عام 1890م إلى نهاية الحرب العالمية الثانية، ثم طُرحت المستعمرات الإيطالية للنقاش (ليبيا والصومال وإريتريا)، ليبيا والصومال نالتا الاستقلال، أما إريتريا فبحكم أهميتها وموقعها الإستراتيجي على البحر الأحمر، ولما لذلك من أثر من الناحيتين الاقتصادية والعسكرية، تم طرح ثلاثة خيارات بخصوصها:
الأول: كان هو اختيار المسلمين، وينص على أن تكون إريتريا دولة مستقلة وذات سيادة، بحدود معترف بها.
الثاني: أن تظل إريتريا مدة 10 أعوام تحت الانتداب البريطاني، وبعد ذلك تتكون فيدرالية بينها وبين إثيوبيا، من عام 1951 – 1960م، ثم يقام استفتاء شعبي من جديد، وهذا ما حدث، ولكن تم تعطيل الاستفتاء من جانب «هيلاسلاسي»، ومن ثم قام المسلمون بتأسيس حركة التحرير للعمل على إحداث حركة في الداخل تعجل بتحرير واستقلال إريتريا.
الثالث: كان خياراً بريطانياً؛ ويتمثل في تقسيم إريتريا بين السودان وإثيوبيا، ويرجع ذلك إلى أن المسيحيين الإريتريين يخشون من مسألة تحرير إريتريا والاعتراف بها دولياً على أنها دولة مستقلة وذات سيادة، لأنه في حال تحقيق ذلك، سوف تتحول إلى دولة عربية إسلامية؛ لذا عملوا على عرقلة تحريرها، وتشجيع تقسيمها بين السودان وإثيوبيا، ومن هنا أقدم المسيحيون على تأسيس حزب الوحدة.
* بمناسبة الحديث عن المسيحيين، هل يمكن أن تلقي الضوء على نسبتهم في إريتريا؟
– لا توجد إحصائية رسمية لعدد السكان بصورة عامة في إريتريا، ولا نستطيع تحديد نسبة المسلمين والمسيحيين بشكل دقيق؛ لأن النظام لا يرغب في إظهار تلك النسبة، ولكننا نقدّر نسبة المسلمين بـ60% من عدد السكان، ونسبة المسيحيين بـ40%، حيث يتمركز المسلمون على الشريط الساحلي للبحر الأحمر، وحدود السودان، وحدود جيبوتي.
وعندما طُرحت قضية إريتريا تدخّل الأمريكيون، لرغبتهم في إقامة قاعدة عسكرية فيها؛ وبالتالي تم تبني فكرة طرح الفيدرالية بين إثيوبيا وإريتريا.
* متى ضُمت إريتريا إلى إثيوبيا؟
– بدأ المشروع منذ عام 1952م، حيث كان في إريتريا صحف ومجلات تصدر باللغتين العربية والتجرية، وكان فيها برلمان وأحزاب ممثلة فيه، مثل حزب الرابطة الإسلامية، وحزب الوحدة، وبعض الأحزاب الأخرى، وهذا الوضع في الحياة يتميز بالديمقراطية والحرية، وهو وضع مخالف عما كان في إثيوبيا، وكانت الديمقراطية وحرية التعبير تشكّلان خطراً على الدكتاتور «هيلاسلاسي»، الذي كان يحكم إثيوبيا بالحديد والنار، ولا يسمح للرأي الآخر بالظهور مطلقاً؛ ولذلك عمل «هيلاسلاسي» بعد احتلال إريتريا وضمها إلى إثيوبيا على القضاء على الديمقراطية الوليدة فيها، وكل المظاهر الإيجابية التي يتمتع بها الشعب الإريتري، من حرية العقيدة، وحرية الرأي، وما إلى ذلك.
ولم يسلم من التضييق والمطاردة أعضاء حزب الرابطة الإسلامي، حيث قامت السلطات الإثيوبية عام 1960م بالتضييق على هؤلاء الأعضاء المنتخبين ديمقراطياً، ومطاردتهم رغبة في اعتقالهم وتغييبهم في السجون، والمعتقلات، ولم تراعِ الحصانة التي يتمتعون بها، كل ذلك وغيره أرغم هؤلاء الأعضاء على الاختفاء ثم الرحيل والهروب من إريتريا إلى كل من السودان ومصر.
* هل كان حزب الرابطة حزباً شرعياً؟
– نعم كان حزباً شرعياً، وكان لديه ممثلون في البرلمان، والانتخابات التي أجريت عام 1952م أثناء الفيدرالية بين إثيوبيا وإريتريا، وحينها كان البرلمان الإريتري يمارس أعماله، والعلم الإريتري الخاص يرفرف على مباني وأجهزة الدولة، وكذلك كانت الشرطة الإريترية تمارس أعمالها بشكل مستقل، بمعنى أنه كان لإريتريا حكومة مستقلة، أسفرت عن وزارات مستقلة، باستثناء وزارتي الدفاع والخارجية.
كما أن اللغة الرسمية التي نص عليها الدستور هي اللغتان العربية والتجرية، وهما اللغتان الرسميتان في البلاد، وعندما جاء «هيلاسلاسي» ألغى كل ذلك، حيث ألغى اللغة العربية والتجرية والعلم الإريتري، واعتبر إريتريا جزءاً من إثيوبيا، ورفض المسلمون هذا الظلم الواقع عليهم، وقرروا المقاومة والدفاع عن وطنهم.
* متى تأسست الرابطة الإسلامية؟
– تم تأسيس الرابطة الإسلامية في العاصمة المصرية القاهرة، وكان ذلك بعد حوارات ومناقشات بين البرلمانيين الإريتريين من حزب الرابطة الذين اضطروا للهروب من بلادهم عام 1960م، وفي سبتمبر 1961م تم الإعلان عن جبهة التحرير الإريترية، ومن ثمّ بدأ الكفاح المسلح ضد الاحتلال الإثيوبي، وأتي ثماره في عام 1991م؛ حيث تم إعلان إريتريا دولة مستقلة ذات سيادة ومعترف بها دولياً.
* ما دور الاستعمار والإمبريالية العالمية في ضرب عروبة إريتريا؟
– كان الشرق والغرب متواطئ ومتفق على عدم السماح باستقلال إريتريا؛ نظراً لموقعها الإستراتيجي، لأنها لو أصبحت دولة عربية مستقلة، فستتحول شواطئ البحر الأحمر كله إلى شواطئ عربية وإسلامية، خصوصاً أنه يمتد لألف كيلومتر، حتى إن الاتحاد السوفييتي السابق بالرغم من خلافه الإستراتيجي مع الغرب، اتفق معه في عدم السماح لإريتريا بالاستقلال.
وحين أعلن «مانجستو هيلا مريام» الانقلاب على «هيلاسلاسي»، وسار على نهجه في ضم إريتريا لإثيوبيا، أعلن الأمريكيون والروس تضامنهم معه في هذا الأمر.
أما حركة التحرير الإريترية فقد كانت تتلقى دعماً عربياً وإسلامياً من الكويت والمملكة العربية السعودية وسورية والعراق ومصر، ومع ذلك لم يحفظ «أسياسي آفورقي» الجميل للعرب الذين ساعدوه عشرات السنين من أجل تحقيق الاستقلال، وكانت المكافأة هي التنكر لهم، وأول زيارة قام بها إلى الخارج كانت إلى الكيان الصهيوني، وتنكّر لكل المساعدات التي كانت تتدفق عليه من الدول العربية.
* من ثقّل كفة «أسياس آفورقي»؟
– الذي مكّن له وثقّل كفة ميزانه ودعم ومازال يدعم بقاءه في السلطة هي مراكز القوى العالمية ومراكز صنع القرار في العالم.
* هل أدى التقصير العربي والإسلامي دوراً في تمكين «أسياسي آفورقي» وتثبيت أركان دولته؟
– نعم بالتأكيد، فنظراً لكون حركة التحرير الإريترية تؤوي تحت لوائها أجنحة مختلفة المشارب والمذاهب، كانت كل دولة عربية أو إسلامية تدعم الحزب الذي يتوافق مع مبادئها العامة، فكانت سورية تدعم الأحزاب البعثية المتوافقة معها، والعراق يدعم الأحزاب البعثية المتوافقة معه، ودول أخرى تفعل الشيء نفسه؛ الأمر الذي أدى للتشرذم والتفرق، ومن ثم التشتت للقوى الفاعلة للجبهة، ومن أبرز القوى التي تشتتت وهي التي كانت تدعم المسلمين في إريتريا جبهة تحرير إريتريا، حيث تم إخراجها عام 1982م من الساحة تماماً، بالتحالف مع الإثيوبيين الحاكمين آنذاك، وهم من التجراي، والجبهة الشعبية، فهؤلاء تحالفوا وقاموا بضرب جبهة التحرير الإريترية وأخرجوها إلى السودان.
* يقال: إن الجبهة الشعبية كانت تنتهج الشيوعية أسلوباً في الحكم، هل هذا صحيح؟
– هم يزعمون ذلك، ولكن أفعالهم على الأرض تختلف عن أقوالهم، فلغة التجراي أصبحت سائدة الآن في إريتريا، ويتم محاربة اللغة العربية، بحجة أن كل اللغات الإريترية متساوية، بمعنى أنه يجب أن يكون التعليم باللغة الأم؛ وبالتالي تشتيت المسلمين، وعدم الاعتراف بما تم الاتفاق عليه عام 1952م، وكل المشروعات التي يقومون بها تخدم المشروع النصراني تحت غطاء الشيوعية.
* الشعار إذن شيوعي، والأهداف تحقيق مآرب أخرى، أبرزها خدمة المشروع المسيحي في المنطقة.
– نعم، هذه هي نظرة وتوجه من يتصدّر المشهد السياسي في إريتريا، وهو عدم السماح بأن تكون إريتريا دولة عربية أو إسلامية، فالنظام الحاكم في إريتريا هو نظام دكتاتوري طائفي، حيث يتم التمكين للمسيحيين في الدولة أكثر من المسلمين، وأصبح المسلمون أقلية في المناصب والوظائف العامة، رغم أغلبيتهم السكانية التي تتجاوز 60%.
* ما دليلك على أنهم طائفيون؟
– خرج مجموعة من الأكاديميين الإريتريين المنضوين تحت لواء الجبهة الشعبية بوثيقة أطلقوا عليها «وثيقة إبراهيم المختار»، وكان إبراهيم المختار مفتياً للديار الإريترية في عهد الاستعمار، وهو شخصية مشهود لها بالصلاح والطرح الوطني، وعملوا إحصائية ميدانية، فوجدوا أن معظم الوظائف ابتداء من مكتب الرئيس إلى أقل موظف في الدولة بأيدي المسيحيين؛ حيث يسيطرون على 90% من تلك الوظائف، في حين يسيطر المسلمون على ما نسبته 10% فقط، وهذه الوثيقة ظهرت للنور قبل 4 سنوات، وما زال الوضع على ما هو عليه، وهو يسير نحو الأسوأ، حتى إنه قام بتلفيق التهم الكيدية لبعض الأعضاء في الجبهة، وفحوى تلك الاتهامات القيام بمحاولة انقلاب؛ ومن ثم وجد الذريعة التي من خلالها تغييبهم وإدخالهم في السجون.
فشخص «أسياسي» وحده هو المتحكم الوحيد في البلاد، وهو الذي بيده مقاليد الحكم، حتى إن الجبهة الشعبية نفسها لم تعقد أي مؤتمر لها منذ عام 1994م، والحكومة الإريترية الحالية بالرغم من حكمها المستمر منذ 25 عاماً، فإنها حكومة مؤقتة حسب الأوراق الرسمية.
منذ فترة وجيزة كان هناك احتفال بمرور 25 عاماً على نجاح الثورة، والناس كانوا في انتظار تفعيل الدستور، ولكن لم يتم ذلك، فإريتريا دستورها معطل منذ تلك الفترة بحجة أن البلاد في حالة حرب مستمرة.
كما أن الحكومة الحالية ترفض عودة اللاجئين الإريتريين إلى بلادهم، فالبلد الوحيد الذي استقل ولم يسمح بعودة اللاجئين هو إريتريا!