أكد توركو داودوف، نائب المفتي العام لجمهورية الشيشان للعلاقات الخارجية، أن الوجود الإسلامي في منطقة القوقاز الشمالي له عدة خصوصيات تميزه، منها وصول الإسلام مبكراً في عهد الصحابة، بالإضافة إلى أن المسلمين الروس مواطنون أصليون، ويوجد تفاعل وتعاون وتواصل بين المسلمين الروس وإخوانهم في العالم الإسلامي، كما أن نموذج التعايش السلمي هناك يُضرب به المثل.
وذكر أن علاقة مسلمي القوقاز الشمالي بالعالم العربي والإسلامي علاقة مباشرة منذ أن دخلها الإسلام وحتى اليوم، فقد فتحها الصحابة، والدعاة الأوائل فيها كانوا من العرب، وعلى مدار القرون درس علماؤها في الدول العربية، وفي العصر الحديث درس شبابها في الأزهر الشريف والدول العربية.
جاء ذلك في الجزء الأول من حوار “الإسلام والمسلمون في القوقاز الشمالي”، وهو الحوار الثالث على الموقع الإلكتروني لـ”المجتمع” بالتشارك مع “مبادرة حوارات الأقليات المسلمة على الفيسبوك”، والتي يجريها الصحفي هاني صلاح على الصفحة العامة للحوارات بعنوان “الإسلام والمسلمون في العالم”.
فإلى الحوار:
المشاركة الأولى من: هاني صلاح، منسق الحوار، وتتضمن عشرة أسئلة (أرقام: 1 – 10):
1- نأمل في تعريف بكم لجمهورنا.
– اسمي توركو داودوف، من القومية الشيشانية، سافرت إلى سورية حينما كان عمري 17 سنة، والتحقت بمعهد تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها، في مجمع أبو النور الإسلامي، درست بالمعهد لمدة ثلاث سنوات، ثم التحقت بكلية الدعوة الإسلامية، في نفس المجمع، ثم تخرجت فيها وانتقلت إلى دولة الكويت، حيث اشتغلت في السنوات التسع الأخيرة بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، في المركز العالمي للوسطية، وكنت مسؤولاً عن تنسيق العلاقة للوزارة مع الإدارات الدينية والمؤسسات الإسلامية في روسيا الاتحادية وجمهوريات الاتحاد السوفييتي سابقاً.
2- نرجو منكم نبذة مختصرة تعريفية بمنطقة القوقاز الشمالي وخريطتها السياسية.
– القوقاز منطقة جبلية تقع بين بحر قزوين شرقاً، والبحر الأسود غرباً، وتنقسم منطقة القوقاز إلى قسمين؛ “القوقاز الشمالي”، و”القوقاز الجنوبي”، وتقع في القوقاز الشمالي سبع جمهوريات جنوبية لروسيا الاتحادية، وهي جمهوريات ذات الحكم الذاتي تابعة للفيدرالية الروسية الحالية، وهي بحسب موقعها الجغرافي من الشرق إلى الغرب: جمهورية داغستان، جمهورية الشيشان، جمهورية أنجوشيا، جمهورية أوسيتا الشمالية (ألانيا)، جمهورية كابردينا- بلكاريا، جمهورية قراتشاي-شركسيا، جمهورية أديغييا، وجمهورية داغستان هي أكبر الجمهوريات مساحةً وسكاناً، بينما أنجوشيا أصغرها مساحةً.
وروسيا الاتحادية تنقسم لحوالي 85 كياناً فيدرالياً، وفي كل كيان برلمان وحكومة ورئيس، ومن قبل كان الرئيس الروسي هو من يرشح رئيس كل كيان فيدرالي ويأخذ على ترشحيه موافقة البرلمان المحلي للكيان الفيدرالي، وهذا العام تغيرت هذه الآلية في تعيين رؤساء الكيانات الفيدرالية، وأصبح رئيس كل كيان ينتخب مباشرة من الشعب في منطقته، وهذه خطوة مهمة في مسار الديمقراطية.
3- لماذا يقال: القوقاز الجنوبي والقوقاز الشمالي؟
– سبب تقسيم منطقة القوقاز إلى شمالي وجنوبي أن المنطقة تقطعها سلسلة جبال من بحر قزوين وحتى البحر الأسود، ويتشكل القوقاز الجنوبي من ثلاث جمهوريات كانت في الماضي ضمن الاتحاد السوفييتي، ثم انفصلت عنه إثر تفككه في عام 1991م، وأصبحت جمهوريات مستقلة؛ وهي جمهورية أذربيجان، وجمهورية أرمينيا، وجمهورية جورجيا.
بينما جمهوريات القوقاز الشمالي السبع كانت جزءاً من روسيا الاتحادية والتي كانت تشكل مع 14 جمهورية أخرى “الاتحاد السوفييتي”، ثم ظلت كما هي ضمن الإطار الحدودي لروسيا الاتحادية بعد تفكك الاتحاد السوفييتي.
4- وماذا عن أبخازيا؛ هل تعد ضمن منطقة شمال القوقاز؟
– أبخازيا ليست ضمن جمهوريات القوقاز الشمالي؛ وإنما جمهورية ذات حكم ذاتي داخل جمهورية جورجيا؛ ثم أعلنت انفصالها عن جورجيا، إثر استقلال الأخيرة عن الاتحاد السوفييتي في بداية التسعينيات، ودخلت معها في حرب مدمرة، ولم تعترف بها حتى اليوم إلا عدة دول والتي يضطر أهلها للسفر براً عبرها للخارج نظراً لافتقارهم لمطار دولي بها، وقد أدى هذا الوضع غير المستقر لها إلى توقف عجلة الزمن والتنمية فيها.
5- ما الأهمية الإستراتيجية لمنطقة القوقاز الشمالي؟
– لمنطقة القوقاز أهمية إستراتيجية:
فعلى المستوى الجغرافي؛ تمثل خطاً فاصلاً بين قارتي آسيا وأوروبا، كما أنها تربط بحر قزوين بالبحر الأسود، وعلى هذه المنطقة تنافست كثير من الإمبراطوريات على مدار التاريخ حتى ذكرت في تاريخ الطبري لأهميتها، وأهميتها بالنسبة لروسيا أنها تعد ممراً برياً مهماً نحو الجنوب، وقد سيطرت روسيا على هذه المنطقة خلال الفترة 1860م بعد حروب دامت لنحو 35 سنة. وكانت المنطقة على الدوام ساحة للتنافس الدولي من قبل الإمبراطورية الكبرى.
ومن أهميتها الاقتصادية كذلك أنها غنية بالبترول خاصة جمهورية الشيشان، وكان بها أكبر ثاني مصنع لتصفية البترول خلال حقبة الاتحاد السوفييتي السابق، وكان المصنع الأول في باكو عاصمة جمهورية أذربيجان، وكانت الطائرات الروسية يتم تزويدها من بترول الشيشان؛ إلا أن المصنع دمر أثناء الحرب ولم يتم إعادة تشغيله مجدداً.
من ناحية أخرى، تمر عبر المنطقة وخاصة الشيشان خطوط أنابيب بترول بحر قزوين نحو الخارج.
بينما على المستوى الحضاري؛ تعد منطقة فاصلة بين العالم الإسلامي جنوباً والعالم المسيحي شمالاً، ويمارس مسلمو القوقاز دوراً في التواصل الحضاري بين روسيا والعالم الإسلامي والعربي.
لكن المستوى الاقتصادي في جمهوريات القوقاز الشمالي ضعيف؛ لأن روسيا ركزت على الجانب السياحي للمنطقة، ولم تسعَ لبناء المصانع بها نظراً لوجودها على أطراف الدولة، لذا فجمهوريات القوقاز الشمالي ليست غنية ولا تضيف لخزينة الدولة بل تأخذ منها.
وفي فترة الشيوعية كانت المنطقة مشهورة بالسياحة؛ لأنها منطقة جاذبة للسياح نظراً لوجود الطبيعة الخضراء والمصحات والمنتجعات الطبية للعلاج بالطين والمياه المعدنية والحمضية، ويأتي إليها السياح من كافة أنحاء العالم للعلاج والسياحة في آن واحد، والحكومة الروسية في السنوات الأخيرة تعتمد في جزء من ميزانيتها على مدخولات السياحة، وتلك المنطقة التي نعيش فيها تعتبر على أطراف الدولة الروسية؛ لذا لا تنشئ فيها مصانع عملاقة لتشغيل العمالة، لذا فإن جل اهتمامنا نحن في القوقاز الشمالي هو الاعتماد على السياحة كعامل اقتصادي يوفر لنا الكثير من فرص العمل.
6- نود إلقاء الضوء على شعوب منطقة القوقاز الشمالي.
– بدايةً توجد في روسيا 160 قومية، ولكل قومية لغة وعادات وتقاليد خاصة بها، لذا فإن الله تعالى منَّ علينا بأن جميع الشعوب العرقية داخل روسيا تتحدث اللغة الروسية، والتي أضحت لغة التفاهم فيما بينها جميعاً.
بينما في القوقاز الشمالي توجد ما بين 40 – 50 قومية وربما أكثر، فقط في جمهوريات داغستان توجد أكثر من 34 قومية، وفي باقي جمهوريات شمال القوقاز توجد الكثير من العرقيات.
مثلاً في جمهورية كابردينا- بلكاريا، تعد “كابردينا” قومية، و”بلكاريا” قومية أخرى، نفس الأمر في جمهورية قراتشاي-شركسيا، حيث تعد “قراتشاي” قومية، وكذلك “شركسيا” قومية أخرى.
وبعض هذه القوميات في القوقاز الشمالي تتحدث اللغة التركية، وبعضها الآخر الفارسية، وبعضها لديها لغة خاصة بها مثل الشيشان أو الشركس أو أديغييا أو غيرها، وموضوع الشعوب العرقية داخل روسيا موضوع يطول ويحتاج لحديث آخر مستقل بذاته.
وبين الجمهوريات السبع في منطقة القوقاز الشمالي، تعد جمهورية داغستان – وهي أكبر الجمهوريات مساحةً وسكاناً – مركز الإسلام في المنطقة، وشعبها به أكبر نسبة من التمسك بالإسلام، ومنها وصل الإسلام إلى الشيشان، كما يوجد بها أكبر علماء وأولياء وأصحاب الطرق في المنطقة، والجمهوريات الثلاث التي بها تصوف قوي (حافظ على الهوية الإسلامية) هي داغستان والشيشان وأنجوشيا.
أنجوشيا والشيشان كانتا خلال الحقبة الشيوعية جمهورية واحدة لأنهما تعتبران شعباً واحداً يقال له “ويناخ”؛ أي شعبنا، إلا أن الأولى أعلنت انفصالها عن الثانية وتأسيس جمهورية خاصة بها بعد إعلان الشيشان انفصالها عن روسيا في بدايات التسعينيات والتي كانت سبباً للحرب المدمرة لها فيما بعد، لذا أضحت أنجوشيا أصغر جمهوريات شمال القوقاز مساحةً.
والشعب الأنجوشي أسلم على يد الأستاذ صاحب الطريقة القادرية في الشيشان الشيخ كونتا حاج، حينما دعاهم للإسلام وتحاور معهم فدخل الشعب الأنجوشي كله في الإسلام خلال يوم واحد فقط! في منتصف القرن التاسع عشر (1860م).
7- متى وصل الإسلام إلى هذه المنطقة؟
– يعود تاريخ الإسلام في القوقاز إلى عهد الخليفة العادل عمر بن الخطاب عندما وجه حملة بقيادة سراقة بن عمرو إلى بلاد الفرس ووصلت في عام 22هـ حتى مدينة “دربنت” في جمهورية داغستان، وفي هذه المدينة توجد قلعة وبها مقبرة لنحو أربعين من الصحابة رضوان الله تعالى عليهم، ويقال: إنهم كانوا من الأنصار وعلى رأسهم سلمان، وعبدالرحمن ابنا ربيعة، وتعد هذه القلعة من معالم البلاد التاريخية الأثرية، ويعتنى بها من قبل وكالة فيدرالية للرقابة والحفاظ على الإرث الثقافي والتاريخي في روسيا.
8- ما علاقة مسلمي القوقاز الشمالي بالعالم العربي والإسلامي؟
– علاقة مباشرة منذ أن دخلها الإسلام وحتى اليوم، فقد فتحها الصحابة، والدعاة الأوائل فيها كانوا من العرب، كما يقال: إن الخليفة هارون الرشيد زار مدينة دربنت في داغستان لأن من يسيطر على هذه المدنية يسيطر على المنطقة، وعلى مدار القرون درس علماؤها في الدول العربية، وفي العصر الحديث درس شبابها في الأزهر الشريف، كما أن كثيراً من الدعاة العرب حضروا للمنطقة بعد تفكك الاتحاد السوفييتي.
وقبل الثورة البلشفية – أي قبل الحكم الشيوعي – كان الشعب الشيشاني والشعوب الأخرى تتحدث باللغة العربية في الأمور الدينية، وتكتب لغاتها بالأحرف العربية قبل أن تغيرها السلطات الشيوعية فيما بعد وتمنع استخدام اللغة العربية.
نحن المسلمين في روسيا تربطنا أخوة دينية مع المسلمين في الخارج، سواء من العرب أو غير العرب، ولنا حق المواطنة في المجتمع الروسي، كوننا نعيش في دولة واحدة، لذلك فالمسلمون يجب أن يستفيدوا اليوم من خصوصية الأخوة مع المسلمين، وخصوصية المواطنة مع المجتمع الروسي، كونهم يعيشون في تلك الدولة، وأن يؤدوا دوراً فعّالاً في توثيق العلاقة بين روسيا والعالم الإسلامي.
المسلمون متواجدون في جميع أنحاء روسيا؛ ولكن تجمعاتهم الرئيسة تتركز في منطقتين اثنتين؛ “شمال القوقاز” بوابة العالم الإسلامي البرية إلى روسيا، ومنطقة “حوض الفولجا” في شمالها وتعد البوابة الجوية للعالم الإسلام إلى روسيا، وتشكل الشعوب القوقازية أغلبية مسلمي روسيا، ويؤدون دور همزة الوصل بين العالم الإسلامي وروسيا.
9- اليوم.. ما الحالة الدينية في روسيا الاتحادية؟
– بدايةً الجهة المسؤولة عن إدارة شؤون المسلمين هي الإدارات الدينية في كل منطقة إدارية بها مسلمون، وهذا النظام (الإدارات الدينية) تم اعتماده داخل روسيا في عام 1786م، في عهد ملكة روسيا كاترين الثانية، وكانت تسمى في ذلك الوقت “الإدارات الدينية المحمدية”، وتم تغيير الاسم في الآونة الأخيرة وأصبحت باسم “الإدارات الدينية للمسلمين”، وبما أن روسيا الاتحادية تنقسم إلى 85 كياناً فيدرالياً، فإن لكل منطقة إدارتها الدينية الخاصة بها.
حالياً؛ لا توجد في روسيا إدارة دينية موحدة كمظلة تجمع جميع المسلمين تحتها، ونفس الحالة للمسلمين في منطقة القوقاز الشمالي؛ في كل جمهورية إدارتها الدينية الخاصة بها، ورئيس إدارتها الدينية، وحينما نقول مفتي الجمهورية نعني بذلك رئيس إدارتها الدينية والمفتي العام للجمهورية.
ولكننا في منطقة القوقاز الشمالي، وبسعي واقتراح من حاج أحمد قديروف، والد الرئيس الشيشاني الحالي، وكان مفتي الشيشان آنذاك، قامت سبع إدارات دينية لسبع جمهوريات مسلمة في هذه المنقطة بتشكيل “المركز التنسيقي للإدارات الدينية في منطقة القوقاز الشمالي”، وأضحت هذه مظلة دينية رئيسة تجمع الإدارات الدينية في القوقاز الشمالي، ثم انضمت إليها إدارتان لمنطقتين متجاورتين، هما جمهورية كالميكيا، وإقليم أستاورابل، وأصبح “المركز التنسيقي” يضم تسع إدارات دينية.
وحول تعريف نظام الإدارات الدينية؛ بما أن النظام في روسيا علماني، وهناك فصل بين الدين والدولة؛ فإن الإدارة الدينية “مؤسسة مركزية معنية بترتيب شؤون المسلمين في المنطقة التي تقع فيها”، ويمكن القول: إنها تمارس دور الوسيط الرسمي بين المسلمين والحكومة أو الجهات الرسمية المعنية داخل روسيا.
10- هل للتواجد الإسلامي في منطقة القوقاز الشمالي خاصة، وفي روسيا الاتحادية عامة خصوصية تميزه عن غيره من الدول الأوروبية المجاورة؟
– إذا تحدثنا عن الوجود الإسلامي في منطقة القوقاز الشمالي؛ فلا بد أن نتحدث عن الخصوصيات.
فالإسلام وصل إلينا في العام 22هـ، وهذه هي الخصوصية الأولى التي نفتخر نحن بها، وهي أن الإسلام وصل إلينا عن طريق الصحابة رضي الله عنهم أجمعين، وعندنا في مدينة ديربت بجمهورية داغستان مقبرة لأربعين صحابياً.
والمسلمون في روسيا الاتحادية على خلاف بعض الدول في أوروبا، هم مواطنون أصليون في هذا البلد، فلم يأتوا من مكان آخر كمهاجرين بحثاً عن العمل أو الجنسية، فنحن نعيش في أراضينا التي توارثناها عن آبائنا وأجدادنا منذ آلاف السنين، فلم نهاجر من بلد إلى بلد، أو من قارة إلى قارة أخرى؛ لذا لا نعتبر أنفسنا أقلية، وبما أن منطقة القوقاز الشمالي جزء لا يتجزأ من روسيا منذ العام 1864م تقريباً؛ لذا نحن نشعر أن روسيا هي وطننا الكبير، ونحن نتمتع بكل حقوق المواطنة، وإن حدث انتهاك فهو نتيجة تلاعب وعدم التزام من قبل المسؤول بعدم تطبيقه للقانون، ولكن حسب القانون فالجميع في الحقوق سواسية.
وتحرص الدولة الروسية على وجود تفاعل وتعاون وتواصل بين المسلمين الروس وإخوانهم في العالم الإسلامي، وروسيا كدولة قامت بتحسين علاقاتها مع العالم الإسلامي، وطلبت الانضمام إلى عضوية منظمة التعاون الإسلامي على لسان رئيس روسيا فلاديمير بوتين في عام 2003م في أحد اجتماعات منظمة التعاون الإسلامي في كولالمبور، ومن عام 2005م أصبحت روسيا عضواً مراقباً في هذه المنظمة.
نموذج التعايش السلمي لمسلمي روسيا مع أصحاب الديانات الأخرى في البلد، ومنطقتنا فيها مسلمون وغير مسلمين، وهم جميعاً يتواجدون جنباً إلى جنب في مناطق العيش والإقامة مع أصحاب الديانات الأخرى بالتعايش السلمي فيما بينهم، ويمكن القول: إنه يضرب المثل بالنموذج الروسي في التعايش السلمي والحوار الحضاري بين أبناء البلد من مختلف الديانات، وحسب التاريخ لا أتذكر بأنه نشبت بين أتباع الديانات في روسيا حروب دينية بينهم، وإنما نشبت حروب لأسباب سياسية تم توظيف الدين فيها من قبل السلطة الحاكمة وقتها.
المشاركة الثانية من د. أحمد ملكاوي، الأستاذ بالجامعات الأمريكية، وتتضمن سؤالين:
11- ما أهم التحديات والعقبات التي تواجه مسلمي القوقاز الشمالي للنهوض والتكامل والتأثير على الساحة المحلية والإقليمية؟
– نحن نتحدث عن الإسلام في القوقاز الشمالي، وهناك تحديات متعلقة بالشأن الديني على مستوى جمهوريات القوقاز الشمالي التي هي ضمن الحدود السياسية لروسيا الاتحادية:
التحدي الأول: يتمثل في عدم التنسيق على المستوى المطلوب بين الإدارات الدينية في هذه الجمهوريات، فعندنا المركز التنسيقي للإدارات الدينية لمسلمي القوقاز الشمالي، وحتى يتم النهوض بالمسلمين في منطقتنا لا بد من تفعيل عمل هذا المركز على أرض الواقع، وليس على الورق فقط، فأولى العقبات التي نواجهها هي غياب التنسيق بيننا في الشأن الديني، وعدم وجود خطة موحدة لمواجهة الإرهاب والفكر الخاطئ.
التحدي الثاني: يتمثل في تخطي وإزالة روح العنصرية القومية بين شعوب القوقاز الشمالي، وكذلك العنصرية القبلية/ العرقية داخل كل جمهورية، فهذا من الميراث السلبي الذي ورثناه من حقبة الاتحاد السوفييتي، على سبيل المثال في جمهورية كابردينا- بلكاريا، تتكون من قوميتين؛ هما كابردينا وبلكاريا، وجمهورية قراتشاي-شركسيا، تتكون من عرقيتين؛ هما قراتشاي وشركسيا، وكذلك جمهورية داغستان تتكون من مجموعة من القوميات، ونحن المسلمين يجب علينا التخلي عن هذه الروح العنصرية فيما بيننا.
التحدي الثالث: يتمثل في عدم انعزال المسلمين عن المجتمع الروسي والاندماج في المجتمع وتقديم الإسلام لهم ليس من منظور ديني ضيق، بطرح مسائل الحلال والحرام، بل كثقافة يستفيد منها الإنسان في حياته اليومية، مع ضرورة المشاركة في حل مشكلات المجتمع الروسي، فهناك قضايا يعاني منها المجتمع الروسي مثل الإدمان والتفكك الأسري، ونستطيع كمسلمين تقديم حلول لها من خلال ديننا الإسلامي.
12- لماذا لا نرى مؤسسات وقادة وسياسيين بارزين في مناطق القوقاز الشمالي يدافعون عن حقوق ومكتسبات أهل القوقاز؟
– حين نتحدث عن الحقوق الإنسانية ومكتسبات الشعوب القوقازية عقب انهيار الاتحاد السوفييتي، فالجميع يعلم أن نظام الحكم في الحقبة الشيوعية يختلف كلياً بعد انهيارها، والجميع يعلم أن الرئيس كان يتم اختياره وترشيحه من العاصمة الروسية موسكو، ومن وظيفته المحافظة على تلك المركزية، أما الآن فقد تغيرت الموازين.
المشاركة الثالثة من د. نضال الحيح، ناشط في العمل الدعوي في روسيا، مدينة سراتوف – روسيا، وتتضمن سؤالاً واحداً:
13- من المعلوم أن منطقة القوقاز الشمالي ذات أغلبية مسلمة وتتمتع بحكم ذاتي ولها موقع حساس وقريب من مركز روسيا.. فلماذا لم تتمكن حتى الآن من صناعة نخبة علمية مؤثرة في مناطقها وعلى مستوى روسيا؟ ما المعوقات؟ وهل للفكر الصوفي المنتشر دور في تأخر هذا الاستحقاق؟
– في الفترة التي سبقت الشيوعية، كان لدينا علماء مشهورون في المنطقة، وعلى مستوى روسيا، وكانوا معروفين على مستوى العالم الإسلامي، من بينهم الشيخ شامل من جمهورية داغستان، وكان إماماً معروفاً لمنطقة القوقاز الشمالي، والشيخ منصور وهو عالم شيشاني مشهور، وغيرهما الكثير.
ومع مجيء الشيوعية تم القضاء على العلماء المسلمين تدريجياً، وكانت آخر مرحلة من مراحل الإبادة في العام 1937م، حيث تم خلال أيام فقط طحن (بالمطحنة) أكثر من 10 آلاف عالم مسلم بالقرب من نهر جروزني! وشمل ذلك كل من له صلة بالدين أو معرفة باللغة العربية.
وحالياً على نفس منطقة الطحن على نهر جروزني بنى رئيس الشيشان الحالي رمضان قديروف في عام 2008م الجامعة الإسلامية باسم الشيخ “كنت حاجي”، صاحب الطريقة القادرية، وهي أكبر جامعة إسلامية في منطقة شمال القوقاز، ويدرس بها حوالي 800 طالب، من بينهم 200 طالبة، وحتى اليوم خرجت دفعتين وهذا العام سوف تتخرج الثالثة.
لذا ففي فترة الشيوعية تم القضاء على العلماء؛ ولذلك فكل تراثنا الديني والمخطوطات الإسلامية لم نستطع الحفاظ إلا على القليل جداً منها؛ نظراً لحالة عدم الاستقرار في منطقتنا، وحالياً نحن نعيد تحقيق تراثنا وطباعته من جديد وفق الإمكانيات المتاحة لنا.
بعد تفكك الاتحاد السوفييتي في بداية التسعينيات، أكبر مشكلة عانى منها المسلمون في روسيا هو غياب رجال الدين من العلماء والأئمة الذين يحملون لواء الدين والدعوة، وفي هذه الفترة السابقة جاءنا بعض الدعاة العرب، الذين استفدنا منهم الكثير، والسبب الآخر في تأخرنا في تخريج علماء هو حروب الشيشان (الأولى والثانية) فلم تكن لدينا فرصة خلال الفترة الماضية.
وبعد أن مكثنا في ربقة الشيوعية أكثر من سبعين عاماً؛ ها نحن نتنفس نسائم الحرية فقط منذ ما يقارب العشرين عاماً، وخلال هذه الفترة التحق المئات من الطلبة الشيشانيين بالجامعات الإسلامية في الدول الإسلامية المختلفة، لدراسة العلوم الشرعية، وحصلوا على الشهادات الجامعية، والبعض منهم واصل دراسته العليا، وبعد عودتهم إلى الشيشان أصبحوا يدرّسون في الجامعة الإسلامية في جروزني، ونحن ما زلنا في بداية الطريق فيما يتعلق بالعلوم الشرعية والفقهية؛ لأننا حديثو عهد بالحرية الدينية، وأخيراً استطعنا تخريج الجيل الأول الذي سوف يحمل شعلة الدعوة وتعاليم الإسلام الصحيحة حالياً وفي المرحلة المقبلة.
أما بالنسبة للتصوف، فهو لا يعرقل تخريج وتكوين العلماء، على العكس فالتصوف له دور عظيم في حفظ الدين في المنطقة في فترة الشيوعية وما قبلها، ونحن ننظر إلى التصوف من زاوية أن الإسلام هو الإيمان والإسلام والإحسان، التصوف هو الإحسان، وبدون تصوف لا توجد فائدة للعلم؛ لأن العلم حينها سيكون بلا أخلاق، هذه هي جوانب الشريعة: الإيمان والإسلام، والإحسان، فالإيمان عقيدة، والإسلام فقه، والتصوف هو أن تحسن ما تعمله، وتتقرب إلى الله بأن يكون لك نية خالصة بالعمل الذي تقوم به.