مر 11 عاماً على الحصار الخانق الذي يفرضه الكيان الصهيوني على قطاع غزة، ومرت هذه الأعوام والشباب الفلسطيني يتحدى ظروفه القاهرة، ليثبت أن بإمكانه تقديم الكثير من الإنجازات والمبادرات والاختراعات التي تثبت وجوده في هذا العالم.
فلم تكفّ وسائل الإعلام الفلسطينية عن تناول الاختراع تلو الآخر، والمبادرة تلو الأخرى، الكثير منها خرج من رحم المعاناة ليعين ما يقارب من مليوني فلسطيني على التغلب على ظروفهم الصعبة، وقد تعددت مجالات هذه المشاريع، سواء مشاريع تكنولوجية، أو مشاريع هندسية وعلمية تخرج رغم قلة الإمكانات.
«المجتمع» في التقرير التالي تستعرض بعضاً من هذه الاختراعات والابتكارات:
استخلاص الفضة من المخلفات الكيميائية: الشاب الفلسطيني صلاح الصادي:
يعمل الشاب الفلسطيني صلاح الصادي على أكثر من مشروع لخط إنتاج واحد، أول هذه المشاريع هو تجهيز مختبر لفحص عيار المعادن الثمينة واستخلاصها من المخلفات الكيميائية، وهو المشروع الذي احتضنته الجامعة الإسلامية، أما المشروع الثاني وهو يتبع الفكرة الأولى فهو إنشاء موقع إلكتروني متخصص في بيع وتسويق المعادن الثمينة، ترعاه حاضنة «يوكاس»، أما المشروع الثالث فهو عبارة عن استخلاص الفضة من المخلفات الكيميائية وإعادة إنتاجها مرة أخرى، ومن المفترض أن يتم احتضان هذا المشروع من قِبَل الإغاثة الإسلامية.
يقول الصادي: هناك مخلفات كيميائية لأصحاب مصانع المعادن الثمينة، أيضاً يمكن استخلاص الفضة من ورق الأشعة، حالياً لديّ مشروع جديد قيد التطوير وهو إذابة الذهب في الماء، ويوضح الصادي لـ«المجتمع» أن هذا المشروع مفيد جداً في تنقية المياه والطاقة، ويوضح الصادي أن أهمية المشروع تكمن في توعية المواطنين عن عيار كل من الذهب والفضة، وحماية المواطنين من الغش والخداع، إضافة إلى حماية البيئة من الملوثات الكيميائية، أيضاً سيشكل تطوير أكاديمية «أون لاين» لتعليم العامة على فحص عيار الذهب والفضة.
يواجه الصادي كغيره من المخترعين الفلسطينيين عدة معيقات، أولها عدم وجود تمويل كافٍ لمشاريعه، إضافة إلى صعوبة خروجه من قطاع غزة، فقد تلقى عدة دعوات من الكويت، وأمريكا، وأخيراً بلجيكا، يقول الصادي: الحصار مُعيق كبير من ناحية تطوير الخبرات والالتقاء بوفود دولية أو زيارة مختبرات عالمية، بالإضافة إلى منع أجهزة خاصة بالفحص وبعض المواد الخام.
عربة تتسلق الدرج بطريقة يدوية:
يتمثل هذا المشروع بإنتاج عربة تتسلق الدرج بطريقة يدوية عن طريق السحب، وحمولتها 70 كيلوجراماً، بل تطور المشروع لتصبح العربة بخمس عجلات مرتبة بطريقة هندسية على كل جانب لتحمل 100 كيلوجرام، وهي مصنعة بإمكانيات غزة وبسعر أرخص ووزن أقل من التصنيع الإيطالي.
ولم يبقَ المشروع في نموذجه الأول، فقد نجح الفريق الهندسي في إنتاج العربة وتوزيعها في السوق المحلية، بمساعدة من مشروع «سيد» التابع للجامعة الإسلامية والممول من «undp» والبنك الإسلامي للتنمية، تقول المهندسة أمل أبو معيلق: تم إنتاج 100 عربة ميكانيكية متسلقة الدرج لصالح المشروع، ويتم تسويقها لصالح المصانع والعمارات السكنية والمحلات التجارية.
مشروع الزراعة المُحوسبة في مناطق حدودية: المهندس نزار الوحيدي:
برزت الزراعة المُحوسبة كإحدى أهم الوسائل التي استطاع بها المزارع الفلسطيني تجاوز العقبات الفنية التي أوقعه الحصار في فخها، بالإضافة إلى طرق أخرى مثل «الزراعة المائية»، و«الزراعة بدون تربة» وغيرها.
واحد من أهم المشاريع التي كانت في هذا النطاق هو مشروع الزراعة المُحوسبة التي يتم فيها التحكم بالمزرعة عن بُعد عبر برنامج خاص يعمل بالإنترنت، ويستطيع النفاذ إلى المزرعة وتشغيلها من أي مكان، أفاد هذا المشروع بشكل كبير مزارعي قطاع غزة الذين تقع أراضيهم في مناطق حدودية، إذ يحظر الكيان الصهيوني على المزارعين الوصول إلى أراضيهم في المناطق الحدودية أو حتى الاقتراب مسافة 500 متر منها؛ فمن خلال هذا المشروع أصبح المزارع أكثر اقتراباً منها وأقدر على إدارتها عن بُعد.
فوفق هذا النظام تعمل المزرعة عبر تركيب شبكات إلكترونية خاصة بالزراعة، وربطها ببرنامج خاص يعمل عن طريق الإنترنت، ويُتيح للمزارع متابعة أنظمة المزرعة من تبريد وتهوية وري وغيرها.
يقول مدير عام التربة والري في وزارة الزراعة بغزة نزار الوحيدي: إن الزراعة المُحوسبة إحدى وسائل التطور العلمي الذي تُحاول وزارة الزراعة مواكبته، ويبيّن أن وزارة الزراعة تنفذ التجربة في قطاع غزة بمساعدة خبرات في الهندسة الزراعية من الأردن، وبمشاركة الجامعة، وحققت نجاحاً واسعاً خاصة عند تطبيقها على أراضي المزارعين في المناطق الحدودية.
وبشيء من التفصيل، أوضح الوحيدي خلال حديثه لـ«المجتمع»؛ أن هذا المشروع يقوم على نظام يستطيع التحكم بمُدخلات المزرعة من المياه والأسمدة بدرجة توفيرية تصل في غالب الأحيان إلى 60% من كميات المياه المُهدرة حالياً، وشدد على أن المُزارع يمكنه التحكم في تغيير المؤشرات والأوامر التي يرسلها إلى نظام تشغيل الدفيئة من أي مكان في العالم، ليس فقط في القطاع؛ كون البرنامج الذي يعمل على هذا النظام متصلاً بشبكة الإنترنت؛ وهو ما يمكّن المُزارع من التحكم فيه في أي وقت ومكان.
وفيما يتعلق بآلية إدارة المزرعة، أكد الوحيدي أنها تتم عن بُعد، وذلك بعد تزويد البرنامج في المزرعة بمؤشرات مُحددة كنسبة الرطوبة في التربة ودرجة الحرارة، بالإضافة إلى شدة الإضاءة وكمية الهواء في الدفيئة، وقال: إن هذه التقنية ساهمت في حل مشكلة المزارعين في المناطق الحدودية غير الآمنة، ووفرت لهم الحماية من بطش الاحتلال ورصاصه العشوائي الذي يُمطر به كل من يتحرك هناك، حيث يتم تلقي الإشارات من الدفيئة عبر الحاسوب ومن ثم العمل على ترجمتها إلى أوامر تُشغل أجهزة النظام حسب الحاجة، وفق ما قال.
وفي المجال ذاته، شدد الوحيدي على أن الفائدة الكبرى لهذه التقنية تكمن في توفير الأيدي العاملة، وبيّن أن العديد من التجارب التي أشرفت عليها الوزارة تكللت بالنجاح، واستطاعت أن تنشرها على مستوى أوسع؛ إذ أوجدت 12 دفيئة زراعية تعمل وفق النظام المُحوسب، أبرزها تجربة د. علاء الدين الجماصي وطلاب كلية الهندسة الذين يُديرون الدفيئة بنظام «BIS»، وتعتمد على نقل المعلومات بنظام «الأندرويد».
«على الدرج» عربة وكرسي متحرك: فريق «سكتش» مع يابانيين:
عمل أربعة مهندسين درسوا هندسة «الميكاترونكس» وهندسة الميكانيك، لتأسيس شركة «سكتش للحلول الهندسية» في عام 2014م، تقوم فكرة الشركة على عرض مشكلة ما من قبل المواطنين أو المؤسسات على الشركة ليقوم فريقها بتصنيع آلة أو جهاز لحل هذه المشكلة.
أنجز الفريق مشروع عربة كهربائية متسلقة الدرج لحمل الأشخاص ذوي الإعاقة عبر الدرج، تقول المهندسة غادة المنسي لـ«المجتمع»: إن فكرة العربة الكهربائية تقوم على حمل كرسي ذوي الإعاقة والصعود إلى درج المبنى، حيث وفرت أدوات مساعدة تسند إليها العربة ثم يتم رفعها من قبل الشخص مع الكرسي المتحرك على الدرج بسهولة، فالمولد الكهربائي الخاص بالعربة جاهز لحمل وزن كبير.
يستمر الفريق في تطوير الكرسي بإضافة بعض التعديلات التي تتيح لذوي الإعاقة التحرك في الأماكن الوعرة بسبب سوء الطرق في قطاع غزة، وذلك عن طريق إضافة عجلة أمامية لزيادة التوازن ونظام دفع يدوي على كل جانب تزيد سرعة الكرسي عن الكرسي المعتاد، وذلك يحقق فائدة طبية، فهي تقي ذوي الإعاقة من مشكلة الضمور العضلي التي يصاب بها غالبيتهم نتيجة لقلة النشاط العضلي.