أثارت دعوة الرئيس التونسي الباجي قايد السبسي للمساواة بين المرأة والرجل في الإرث، جدلا سياسيا وفكريا في الساحات الإعلامية والثقافية والحقوقية في تونس وخارجها.
وانقسم التونسيون مجددا بين قائل بأن الدعوة للمساواة بين المرأة والرجل في كل شيء، بما في ذلك في الميراث، يمثل خطوة إصلاحية تحتاجها تونس، وبين من رأى في المقترحات مخالفة للثابت من الشرع ومجازفة لمعاودة قسمة التونسيين.
وبينما أكدت حركة “نداء تونس”، التي أسسها الرئيس التونسي الباجي قايد السبسي، انها “تلقت بكل اعتزاز ونخوة مضامين خطاب رئيس الجمهورية بمناسبة عيد المرأة معلنة عن مساندتها للاجراءات المعلنة في الخطاب والهادفة، وفق تقديرات الحزب، إلى إلغاء كل أشكال التمييز ضدّ المرأة”، فإن حركة “النهضة” الشريك الرئيسي في الحكم، والموجود رئيسها في جولة خارجية، لم تصدر حتى الآن موقفا رسميا من مقترحات الرئيس.
يذكر أن حركة “النهضة”، كانت قد دعت في بيان لها بمناسبة “عيد المرأة” الذي يصادف يوم 13 من آب (أغسطس) من كل عام، إلى ضرورة المسارعة باتخاذ الإجراءات والآليات الكفيلة بتفعيل القانون الأساسي للقضاء على العنف ضد المرأة حتى يتم القضاء النهائي على هذه الظاهرة الخطيرة.
وطالبت بتوسيع مشاركة المرأة التونسية في كافة مواقع القرار، وأكدت على أهمية ترشح النساء والشابات في المجالس المنتخبة في الانتخابات المحلية القادمة حتى تساهم المرأة التونسية بفعالية في قيادة البناء والتغيير بتونس.
وقد انتقد الرئيس التونسي السابق المنصف المرزوقي مقترحات الرئيس الباجي قايد السبسي، التي كان صرح بها في العيد الوطني للمرأة ووصفها بـ “المهاترات” ورأى أنها “لغط أثاره السبسي قصدا” بغرض “إذلال النهضة وإضعافها”.
وقال المرزوقي، في تغريدة نشرها على صفحته الشخصية على موقع التواصل الاجتماعي “الفايسبوك”: “ان خطاب رئيس الجمهورية هو عملية سياسوية بامتياز للتعمية على الإخفاق المهين للرجل ولحزبه”.
واكد المرزوقي ان موقفه الحقوقي من القضية – كما من قضية عقوبة الإعدام مصرّح به منذ عشرين سنة، وموقفه السياسي اليوم لا يقل وضوحا وثباتا، وان هذه المقترحات جاءت “لخلق شرخ بين التونسيين في موضوع خلافي بامتياز يجب تركه للوقت ولحوار مجتمعي معمّق”.
وأضاف: “يجب رفض هذه المهاترات التي تفرّق وتجميع الناس حول القضايا المصيرية”، حسب تعبيره.
كما انتقد رئيس “المرصد التونسي لاستقلال القضاء” أحمد الرحموني مقترحات الرئيس التونسي الواردة في خطابه بمناسبة عيد المراة، وتحديدا تلك المتعلقة بالمساواة بين الحنسين في الارث او التسوية في الميراث.
وقال الرحموني في تصريحات نشرها على صفحته الخاصة بموقع التواصل الاجتماعي “فايسبوك”: “من الواضح ان المبادرة الرئاسية ستمثل عاملا اضافيا لتقسيم المواطنين في مسالة حساسة سبقتها محاولات خلال عهد الرئيس السابق الحبيب بورقيببة للاخلال بنظام الميراث القانوني التي يتبنى بالكامل نظام الارث الاسلامي”.
وأضاف: “لم اسمع طول حياتي من يقول ان موضوع الارث هو من امور البشر التي تركها الله سبحانه وتعالى ورسوله الاكرم لاجتهاد العباد (..) او ان المراة لم تكن ترث اباها مباشرة (..) فهل كان الرئيس يعي حقا ما يقول؟ او هو يقول ما يمكن ان يفهم”، كما قال.
وعلى خلاف موقفي المرزوقي والرحموني، رأى ديون الافتاء التونسي، أن خطاب الرئيس بمناسبة العيد الوطني للمرأة التونسية “كان رائعا في أسلوبه المتين وكانت مقترحاته التي أعلن عنها تدعيما لمكانة المرأة وضمانا وتفعيلا لمبدأ المساواة بين الرجل والمرأة في الحقوق والواجبات التي نادى بها ديننا الحنيف فضلا عن المواثيق الدولية التي صادقت عليها الدولة التونسية والتي تعمل على إزالة الفوارق في الحقوق بين الجنسين”.
موقف ديون الافتاء التونسي اعتبره الكاتب العام لنقابة الأئمة الفاضل عاشور، جزءا من حملة انتخابية لجهة سياسية بعينها، ودعا في تصريحات لإذاعة “شمس أف أم” المحلية في تونس، مفتي الجمهورية عثمان بطيخ الى تقديم استقالته.
وقد تجاوز النقاش الحدود التونسية إلى الخارج، حيث عدّ الدكتور عباس شومان، وكيل الأزهر الشريف، في تصريحات تناقلتها صحف مصرية وتونسية، أن دعوات التسوية بين الرجل والمرأة في الميراث تظلم المرأة ولا تنصفها وتتصادم مع أحكام شريعة الإسلام، مشيرًا إلى أن المواريث مقسمة بآيات قطعية الدلالة لاتحتمل الاجتهاد ولا تتغير بتغيير الأحوال والزمان والمكان، وهي من الموضوعات القليلة التي وردت في كتاب الله مفصلة لا مجملة، وكلها في سورة النساء، وهذا مما أجمع عليه فقهاء الإسلام قديمًا وحديثًا.
وكان الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي قد أشار في خطابه أمس بمناسبة عيد المرأة، إلى أن تونس “ذاهبة نحو المساواة في الإرث بين الرجل و المرأة لأن التناصف لا يخالف الدين”، مؤكدا أن الموضوع يهم البشر و أن “الله و رسوله تركا المسألة للبشر للتصرف فيها”، وفق تعبيره.
كما دعا الباجي قائد السبسي الى مراجعة المنشور 73 الذي يمنع زواج المرأة التونسية من اجنبي غير مسلم.
وأعلن عن تشكيل لجنة للنظر في الصيغ القانونية للنظر في إرساء المساواة في الإرث، بشكل لا يتعارض مع الدين ومقاصده ولا مع الدستور مبرزا ان تفعيل المساواة في الإرث سيمثل اللبنة لتفعيل مساواة كاملة بين الحنسين.