بالكلمة يدخل العبد في الإسلام وبها يخرج وبها يفرَّق بين الحلال والحرام
غاب المربون فتحول السعار اللفظي إلى أمر واقعي يدفع بأفراده لجنبات الإلحاد
وسائل التواصل الاجتماعي هي الوسائل الإعلامية الأكثر تداولاً بين الملحدين العرب
من الأسباب المؤدية للإلحاد اللفظي الشهوانية والانفلات من القيود والتحرر من الالتزامات الدينية والأخلاقية
يجب إطلاق العنان لعلماء ودعاة الأمة المشهود لهم بالتقوى وحسن الخلق لتربية أفراد المجتمع
على الدولة تحقيق العدالة وسط الناس وإطلاق الحريات دون المساس بحريات الآخرين
يعيش العالم العربي خاصة والإسلامي عامة حالة من الانفلات اللفظي وانهيار في الأخلاق التي ظل الآباء والأجداد يغرسون بذورها في نفوس الأبناء جيلاً بعد جيل؛ حتى تظل المجتمعات قوية لا يعتريها الوهن والخنوع، ويسيطر عليها اتباع الغرب في كل تصرفاته، حتى أصبحنا إمعة لا تقر قلوبنا معروفاً ولا تنكر منكراً، حتى تجلى ذلك فيما نقوله بيننا، ويوضح الوضع الذي آلت إليه مجتمعاتنا وشبابنا بعد انتكاسة ثورات «الربيع العربي»، فحل التميع بعد الانضباط والالتزام، وزادت موجات الإلحاد بين صفوف شبابنا، وتحطمت ثوابت التربية على صخور الفاحش من القول.
كل هذا يدفعنا للوقوف حول هذه الظاهرة التي استشرت وزادت حتى أصبحت بركاناً يثور من تحتنا يكاد يطمس معالم الأرض التي تعلوه، وينفث ما فيه من خبث القول والأفعال.
بالكلمة رفع الله أقواماً، وحط آخرين، بها عُدّلَ من عُدّلَ، وبها جُرحَ مَنْ جُرح، فلها ثقلها في الإسلام، ولها خَطْب جسيم؛ فبالكلمة يدخل العبد في الإسلام، وبها يخرج، وبها يفرَّق بين الحلال والحرام، وبها تحرم، وبها يجلد القاذف، وبها ينصر المظلوم، ويقتص من الظالم، وبها يُؤمر بالمعروف، ويُنْهى عن المنكر.
قال تعالى: (وَمَثلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِن فَوْقِ الأَرْضِ مَا لَهَا مِن قَرَارٍ {26}) (إبراهيم)، وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن العبد ليتكلَّم بالكلمة من رضوان الله، لا يلقي لها بالاً، يرفعه الله بها درجاتٍ، وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سَخط الله، لا يلقي لها بالاً، يهوي بها في جهنم» (البخاري، 6477)، ولهذا كانت خطورة الكلمة التي تتجسد أمامنا وتتعرى لتخرج لنا شر ما فيها.
من الواقع الحقيقي إلى الافتراضي:
مع الانتشار الفضائي – أو ما يمكن أن نطلق عليه الواقع الافتراضي – صرنا نستجير بالأخلاق لتنقذنا من حالة الانفلات اللفظي والحركي الذي نعيشه، كلمات كثيرة تسللت إلى البيوت عن طريق المسلسلات والبرامج وغيرها، حتى إن الكلمة قبل أن يتم تداولها لا تأخذ ضوءاً أخضر من أي عرف أو مرجعية لكنها تفرض نفسها عنوة في الحياة.
لقد وجدنا من يسعى إلى الإسراف في الألفاظ حتى صارت مثل مزاد علني، كل يريد زيادة الجرعة لكي يلفت إليه الانتباه، فسمعنا وشاهدنا على وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة وشبكات التواصل الاجتماعي حتى أصبحت الفتن تحيط بالأمة كقطع الليل المظلم؛ يصبح الحليم فيها حيران، ويصبح فيها الرجل مؤمناً ويمسي كافراً، ويصبح الرجل كافراً ويمسي مؤمناً، يبيع دينه بعرض من الدنيا، كما قال صلى الله عليه وسلم.
وحينما غاب المربون وأصحاب الهمم العالية تحول السعار اللفظي لأمر واقعي يدفع بأفراده لجنبات الإلحاد فتتملكه، حتى صار الإلحاد أمراً طبيعياً يتباهى به الجميع على الملأ، ونقيم الحفلات لأنصار الشذوذ ولا حرج، ونسخر من العلماء والدين دون حياء.
حالة من الانفلات اللفظي وصفها الناقد طارق الشناوي بقوله: «اقتحمت ولا تزال بيوتنا، ولن تتوقف بمجرد أن تتدخل الرقابة بالمنع، ولكن أولاً بتهذيب لغة الخطاب في الشارع، فهل نبدأ بأنفسنا؟».
وتعتبر وسائل التواصل الاجتماعي – مثل «فيسبوك»، «تويتر»، «يوتيوب»، المدونات – هي الوسائل الإعلامية الأكثر تداولاً بين الملحدين العرب، لأسباب عدة ربما من أهمها أنها تتيح للمستخدم خيار عدم الكشف عن تفاصيل هويته.
أسباب الإلحاد اللفظي:
المتابع للمشهد يدرك الأسباب التي تدفع إلى الانفلات اللفظي الذي يستعر أواره حتى ينتج عنه نوع يمكن أن نطلق عليه «الإلحاد اللفظي أو القولي»، ومن هذه الأسباب المؤدية إلى ذلك: الشهوانية والانفلات من القيود والتحرر من الالتزامات الدينية والأخلاقية، زد على ذلك انتشار المحسوبية وغياب العدالة الاجتماعية وانتشار البطالة وغياب القدوة والرقيب، والفشل السياسي والاقتصادي والانفلات الأمني وغياب العدالة.
فأكثر الملحدين يحملون مشاعر سخط على الله (حاشاه سبحانه) أكثر من مشاعر الإنكار، ومن الأسباب التي دفعتهم لذلك رد الفعل من سلوك بعض المنتسبين للدين وتسلطهم وقمعهم، وتقليد الشباب الأعمى للأقوى، ومحاولتهم تكميل النقص والعصرنة، بالإضافة للتناقضات العقلية أو المشكلات الفلسفية والشبهات، وانتشار مناخ عام يُحِث على الكراهية والتحريض، من خلال خطاب ديني يبتعد عن الوسطية والاعتدال، ووجود صدامات سياسية وفقهية بين أنصار التيار السياسي/ الديني، هذا بخلاف الكبر والعناد الذي تكون نتيجته هذا المنزلق الخطير.
على درب العلاج:
إن ظاهرة الإلحاد التي غزت وتمكنت من قلوب شباب أمتنا التي يعود بعضها إلى البعد عن ثواب الدين والأخلاق والانفلات اللفظي الذي يشيع روح الابتذال وسط الناس سواء كان في الوسائل التي يشاهدها الناس من أناس اتخذوهم قدوة زائفة أو في الشوارع؛ وهو ما أحدث فراغاً وجدانياً وروحياً في قلوبهم، ومن ثم لا بد من إطلاق الصرخات المدوية لتعديل مسار الأمة والرجوع لطريقها الحقيقي.
وبين يدي علاج الانفلات اللفظي والتصدي للإلحاد لا بد من سلوك عدة مسارات (سواء على المستوى الفردي أو المجتمعي أو على مستوى الدولة):
أولاً: على المستوى الفردي:
هناك بعض الأمور العلاجية التي يجب على كل فرد أن يراعيها حتى لا تزل قدمه دون أن يدري:
1- على كل فرد تحصّن بالأخلاق وتسلّح بالإيمان ألا يغفل قاعدة «أصلح نفسك وادعُ غيرك».
2- عليه أن يجتهد في سلوك مسلك الرجال والتحلي بأخلاق العظماء.
3- عليه أن يبحث عما يشغل أوقاته ولا يستنزفها بين صفحات مواقع التواصل الاجتماعي.
4- يحرص على إعلاء قيمة الدين والأخلاق في قلوب أبناء المجتمعات الإسلامية.
ثانياً: على المستوى المجتمعي:
أما على المستوى المجتمعي، فالمسؤولية أكبر والأدوار المنوطة أعظم، منها:
1- إطلاق العنان لعلماء ودعاة الأمة المشهود لهم بالتقوى وحسن الخلق لتربية أفراد المجتمع.
2- بذر بذور الأخلاق الطيبة في نفوس الأفراد وتعهدها لكي تخرج ثماراً طيبة يشعر بها الناس وبمذاقها الحلو الجميل.
3- إيجاد القدوة الحسنة التي تستطيع جذب الجميع على مائدة القرآن.
4- استخدام منابر وسائل التواصل الاجتماعي في إظهار قيم وآداب الدين الإسلامي.
5- عقد المؤتمرات والندوات واستقطاب العلماء.
6- شغل أوقات الشباب بما يعود عليهم بالمفيد.
ثالثاً: دور الدولة:
أما على المستوى الرسمي والحكومي، فهناك أدوار لا تقل أهمية عن سابقتها؛ مثل:
1- حجب كل مصادر الانفلات اللفظي والإلحاد عن الناس وحجب أخبارهم وإهمال أعمالهم وتصرفاتهم.
2- استخدام وسائل الإعلام في تقديم أعمال هادفة ونماذج من الأجيال التي حملت وعملت لهذا الدين بصدق وبطريقة محببة للناس.
3- عقد المناظرات مع الملحدين وإظهار باطل حجتهم، فإن لم يعودوا وظلوا على غيّهم فهي وِجاء لمن يفكر ويضعف أمام مغريات الملحدين.
4- التشديد الأمني لردع المنفلتين لفظياً الساعين للإلحاد وجدانياً.
5- تحقيق العدالة والعدل وسط الناس وإطلاق الحريات دون المساس بحريات الآخرين.