شهدت العديد من المدن الأفريقية خلال السنوات الأخيرة فيضانات عارمة نتجت عنها الكوارث وخسائر في الممتلكات، وكان السبب ليس فقط في تغير المناخ, ولكن في أنظمة الصرف الصحي غير الفعَّالة التي تسدُّها النفايات البلاستيكية وغيرها.
ووفقًا لتقرير التنمية الحضرية للبنك الدولي، تُنتج قارة إفريقيا حوالي 70 مليون طن من النفايات، ويتوقَّع أن تزداد النسبة مع النمو السكاني. وعلى رأسها تُشَكِّل نفايات البلاستيك تحديًا بيئيًّا في جميع أنحاء القارة، لكنها أيضًا توفِّر فرصة للإبداعات والابتكارات في حل التحديات البيئية، وخلق فُرَص العمل. وستساعد القارة على تحقيق أهداف التنمية المستدامة ورؤية 2063م لتحقيق التنمية الاجتماعية والاقتصادية المستدامة.
ورغم أن النفايات قد تسبِّب التلوث والمرض؛ إذا لم يتم التخلص منها بشكل صحيح, إلا أنَّ معظم النفايات المنتَجَة في إفريقيا قابلة لإعادة التدوير، وإعادة استخدامها لصنع وإنتاج منتجات جديدة – حتى وإن كانت نسبة النفايات المتولدة يوميًّا في إفريقيا والتي يتم جمعها لا تتعدى 10%, وعادةً ما تجد البقية طريقها إلى أماكن تفريغ غير مشروعة، والطرق والمجاري.
وبالفعل, تزخر إفريقيا برجال أعمال شباب مبدعين يبنون أعمالاً ناجحة في مجال إعادة تدوير النفايات, ويَخلقون فُرَص العمل لمجتمعهم، والثروة لأنفسهم مع الحفاظ على بيئاتهم الإفريقية.
وقد ذكرت قراءات أفريقية التي نشرت التقرير- فيما يلي- بعض رجال الأعمال بإفريقيا الذين أتقنوا صناعة النفايات:
لورنا روتو – مؤسس “جلوبال بيو إينرجي” – كينيا
تقوم شركة “غلوبال بيو إينرجي” – التي أسستها لورنا روتو عام 2010م -بتصنيع أعمدة السياج من النفايات البلاستيكية المعاد تدويرها من “داندورا”-؛ وهو حي فقير في مدينة نيروبي عاصمة كينيا.
ولأنّ آلاف الأكياس والحقائب البلاستيكية تتناثر في شوارع نيروبي ومجاريها, فإن أعمال الشركة هي تحويل هذه النفايات إلى أعمدة بلاستيكية متينة, رخيصة التكلفة وفعَّالة من حيث الاستخدام وصديقة للبيئة. كما أن المبادرة تساهم أيضًا في البيئة من خلال إعادة تدوير النفايات، وتقليل عدد الأشجار التي تُقْطَع لصنع الأعمدة, إضافة إلى خَلْق فرص العمل.
وقد فاز مشروع “لورنا روتو” التي عملت في القطاع المصرفي، بجائزة WWF لتحدي الطبيعة, والتي تأتي مع مبلغ قدره 5000 يورو؛ حيث تفوقت على أكثر من 120 متسابقًا في تلك المسابقة التي جذبت روّاد أعمال مهتمين بالزراعة العضوية وإنتاج الطاقة الخضراء، وإدارة النفايات.
وفي إحدى مقابلاتها في عام 2010م, قالت روتو: “إننا نتوقع أن نتمكن من توليد أرباح بقيمة 5.5 مليون شلن كيني (58 ألف دولار أمريكي) سنويًّا بمجرد بدء العمل بشكل كامل”.
بلقيس أديبيي أبيولا – مؤسّس “ويسيكلارز”، نيجيريا
خطَّطت بلقيس لفكرة إعادة تدوير النفايات عندما كانت طالبة ماجستير في إدارة الأعمال بالولايات المتحدة الأمريكية، وقد استقالت من وظيفتها بعد خمس سنوات من العمل كمهندس البرمجيات في شركة IBM, للتركيز على صناعة النفايات – خصوصًا وأنها أرادت مواجهة تحدّي إنقاذ البيئة والبطالة في نيجيريا من خلال تقديم خدمات إعادة التدوير للأُسَر ذات الدخل المنخفض والمتوسط. فأسَّسَت شركة “ويسيكلارز” (Wecyclers Nigeria Limited) في لاغوس عام 2012م.
وتكمن أهمية هذه الشركة في أنَّ مدينة لاغوس نيجيريا، التي تُعَدُّ أكثر مدن نيجيريا اكتظاظًا بالسكان – يزيد عدد سكانها عن 18 مليون نسمة – تستهلك يوميًّا ما يصل إلى 10,000 طن متري من النفايات بسبب الطلب المحلي والأجنبي على المنتجات النهائية.
كما أن جُلّ هذه النفايات لا يتم جمعها في أماكن مشروعة, مما يؤدِّي إلى مشاكل في أنظمة الصرف الصحي، وانتشار أكوام النفايات في الشوارع؛ الأمر الذي عقَّد مهام الشركة. غير أن بلقيس وجدت حلولها في التعاون مع السكان المحليين وتوظيف الشباب العاطلين عن العمل لتنفيذ خطتها.
وقد اجتذبت مبادرة بلقيس الكثير من الاهتمام المحلي والعالمي. فظهرت في القنوات الإفريقية والأوروبية, وحصلت على الدعم المالي من البنوك النيجيرية والمنظمات البيئية. وألقت عددًا من المحاضرات حول صناعة النفايات وإدارة المجاري المائية, وهي أيضًا زميلة في مؤسسة Echoing Green وحائزة على جائزة مبادرة “كارتيير” للمرأة عام 2013م. وأصبح مسؤولو المدن والحكومات الإفريقية يستفيدون من نموذج شركتها وخطتها.
ريا نجواني وثاتو كجتلهاني, حقائب “ريبوربوس” المدرسية، جنوب أفريقيا
لم تكن فكرة حقائب “ريبوربوس” – التي أسَّستها زميلتا الدراسة والصديقتان ريا نغواني وثاتو كغتلهاني – مبادرة بسيطة وفعَّالة فحسب, بل هي ذات أهمية لكونها حقائب مدرسية تعمل بالطاقة الشمسية مصنوعة من أكياس بلاستيكية قابلة لإعادة التدوير. وهكذا يتم تحقيق شيئين؛ استخدام الحقائب لحمل البضائع والأدوات المدرسية, واستقبال لوحة الطاقة الشمسية الموجودة في الحقائب للطاقة أثناء مشي الأطفال إلى المدرسة، والذي يوفِّر الضوء في الليل لمراجعة الدراسة.
فهذه الحقائب ليست فقط صديقة للبيئة، ولكنها أيضًا تساهم في إنقاذ الحياة بشكل مباشر؛ حيث استخدام مصابيح الكيروسين أو الخشب من قبل الذين لا يتوفر لديهم طاقة الكهرباء قد يكون خطيرًا. وبالنظر إلى أنَّ حوالي 11.4 مليون طالب يسيرون إلى المدرسة يوميًّا، فإن هذه الحقائب تعتبر وسيلة مثالية لتوفير القدرة على الدراسة دون أيّ مخاطر. كما أن الشركة التي حصلت على إشادات من الشخصيات الإفريقية ورجال الأعمال الأوروبية – بمن فيهم بيل غيتس – قد تعاونت مع الأفراد والشركات المحلية الراغبين في تغطية تكاليف الحقائب نيابة عن الطلاب.
روجر ميلا – مؤسسة “قلب إفريقيا”، الكاميرون
يساعد مشروع روغر ميلا – أشهر لاعب كرة القدم الكاميروني – تحت منظّمته (Coeur d’Afriqueأي؛ قلب إفريقيا) لرعاية الأطفال المهملين، على تخفيف أضرار الفيضانات في العاصمة السياسية الكاميرونية، إضافة إلى محاربة البطالة – وكل ذلك من خلال التقاط بعض النفايات البلاستيكية.
ففي عام 2015م، بدأت منظمة Coeur d’Afrique تدفع مبلغًا ماليًّا للشباب لجمع القمامة البلاستيكية, والتي يُعاد تدويرها إلى بلاطة تستخدم في البناء. وتهدف المبادرة إلى حلّ أربع مشاكل رئيسية في الكاميرون: البطالة بين الشباب, وتلوث النفايات البلاستيكية, والفيضانات والبناء غير المستدام.
وبالتعاون مع المجالس وشركات جمع القمامة، توظف Coeur d’Afrique أكثر من 300 شاب في أحياء ياوندي المعرضة للفيضانات, لجمع البلاستيك من صناديق القمامة والمزاريب والمجاري.
وقد تمَّت تجربة البلاطات المصنعة من البلاستيك المعاد تدويرها, وذلك باستخدامها من قبل مجلس مدينة ياوندي ولجنة الرياضة الوطنية الأولمبية, لمشاريع مختلفة بما فيها بناء ملعب كرة اليد الوطني. كما أنه تم تدريب أكثر من 750 شابًّا على صناعة البلاطات من النفايات البلاستيكية.
نيلسون بواتينغ – مؤسس “نيل بلاست”، غانا
وجد أحد المهندسين السابقين طريقة جديدة للتعامل مع البوليمرات التي تُلَوِّث البيئة. إذ طوَّر نيلسون بواتينغ؛ مهندس شبكات في غانا، نوعًا جديدًا من الأسفلت المُصَنَّع من نفايات البلاستيك في غانا، والذي يمكن استخدامه في بناء الطرق والأرصفة.
وقد جاءته الفكرة بعد حظر الأكياس البلاستيكية في غانا، في محاولة لمكافحة المشكلة المتصاعدة للتلوث البلاستيكي. وفي عام 2017م، قام ببناء آلته الخاصة – لإعادة التدوير- من خردة المعادن والأسلاك الكهربائية والمحركات. وبعد ثمانية أشهر، بدأت عمليات جمع وإعادة تدوير ما يقرب من 2000 كجم من النفايات البلاستيكية من مناطق “أشايمان” في “أكرا الكبرى”.
وتنتج غانا 22,000 طن من نفايات البلاستيك سنويًّا، لكنَّ 2٪ منها فقط يتم تدويرها، في حين يتم التخلُّص من 98٪ المتبقية في الحقول البرية. ويتكون النوع الجديد من الأسفلت الذي ينتجه نيلسون من 60٪ من النفايات البلاستيكية و 40٪ من الرمال؛ مقارنةً مع الأسفلت التقليدي الذي يُصَنَّع بشكل كامل من الرمل.
بيت لحم تلاهون أليمو – مؤسس “سول ريبيلز”، إثيوبيا
إنَّ ما يميز أحذية شركة “سول ريبيلز SoleRebels ” ليس فقط؛ لأن مؤسستها إثيوبية نشأت في قرية فقيرة بضواحي أديس أبابا, وأنها علامة تجارية للأحذية الإفريقية الأكثر شعبية والأسرع نموًّا في العالم, ولكن لأن الأحذية مصنوعة بنسبة 100% يدويًّا باستخدام مواد محلية مُعادة التدوير, مثل إطارات السيارات القديمة والملابس المهملة والأقمشة المحلية. وكانت مؤسسة ومالكة الشركة توظِّف حرفيين محليين ذوي خبرة ومهارات عالية لتحويل هذه النفايات المعاد تدويرها إلى منتجات أحذية عالمية المستوى.
وتُبَاع أحذية “بيت لحم” الصديقة للبيئة في أكثر من 50 دولة في جميع أنحاء العالم، بما فيها الولايات المتحدة الأمريكية وكندا واليابان وسويسرا. وأصبحت منذ بضع سنوات أول شركة أحذية في العالم تحصل على شهادة من منظمة التجارة العالمية.
وفي عام 2011م, اختِيرت “بيت لحم” كقائدة عالمية للشباب في المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس؛ سويسرا. وفي العام نفسه فازت بجوائز إفريقيا لريادة الأعمال. وقد ظهرت قصة نجاح “بيت لحم” الملهمة وشركتها ” سول ريبيلز” عدة مرات في الوسائل الإعلامية والمجلات الدولية.
أندرو موبويا – شركة “ييلي”، أوغندا
كان عمر “أندرو موبيويا” 16 عامًا فقط عندما أسَّس شركة “يلي”، أول شركة مسجلة لإنتاج الأكياس الورقية في أوغندا. وقد جاءته الفكرة عام 2008م عندما حظرت الحكومة الأوغندية استخدام الأكياس البلاستيكية من أجل الحد من أضرارها البيئية.
كما أنَّ الشركة تشهد نموًّا كبيرًا؛ حيث تنتج أكثر من 20,000 كيس من الورق كل أسبوع. وتشمل قائمة عملائها الطويلة عددًا من المطاعم ومحلات البيع بالتجزئة ومحلات السوبر ماركت والمراكز الطبية، فضلاً عن الشركات متعدِّدة الجنسيات مثل ” سامسونغ”. وقد صنَّعت الشركة حوالي 1000 كيس خاص بالمخازن المحلية لشركة الإلكترونيات.
وفي عام 2012م، فاز “أندرو” بجائزة “أنزيشا” التي تبلغ قيمتها 30,000 دولار، وهي جائزة كبرى تُمْنَح لقادة الأعمال من الشباب في أفريقيا الذين أخذوا زمام المبادرة لتلبية الاحتياجات المُلِحَّة في مجتمعاتهم.