صوّت مجلس نواب الشعب في تونس (البرلمان)، الإثنين الماضي، بقبول تعديل حكومي واسع اقترحه رئيس الحكومة، يوسف الشاهد، رغم عدم موافقة الرئيس الباجي قايد السبسي (92 عاما).
التعديل حظي بدعم حركة النهضة (إسلامية- 68 نائبا من 217) وحزب مشروع تونس (ليبرالي- 14 نائبا)، وحزب المبادرة الوطنية الدستورية (وسطي دستوري- 3 نواب).
كما أيد التعديل الحكومي كل من كتلة الائتلاف الوطني (40 نائبا)، وحزب المسار الديمقراطي الاجتماعي (يسار معتدل- لا نواب له).
ويسمح الدستور التونسي لرئيس الحكومة بعرض أي تعديل في حكومته على البرلمان، دون الحصول على موافقة رئيس الجمهورية، ما عدا منصبي وزيري الدفاع والخارجية.
ويُعبِّر الخلاف بين الشاهد والسبسي، بحسب خبراء وسياسيين، عن رغبة الشاهد في القطع مع “وصاية” السبسي، والخروج من الأزمة مع حزبه “نداء تونس” (ليبرالي)، وتشكيل تجربة سياسية خاصة به.
قبل تعيينه رئيسا للحكومة، من جانب السبسي، في أغسطس/ آب 2016، برز اسم الشاهد بشدة، لأول مرة داخل “نداء تونس”، خلال أزمة اندلع في الحزب، عام 2015.
الأزمة اندلعت بين حافظ قايد السبسي، نجل الرئيس، والأمين العام للحزب آنذاك، محسن مرزوق، وكلف السبسي الشاهد، أواخر نوفمبر/ تشرين ثان 2015، بقيادة لجنة لإيجاد حل.
ونظمت “لجنة الـ13″، بقيادة الشاهد، مؤتمرًا للحزب في مدينة سوسة (شرق)، خلال يناير/ كانون ثانٍ 2016، انتهى بتنصيب حافظ مديرًا تنفيذيًا لـ”نداء تونس”، وإخراج مرزوق من الحزب.
** “نظام رئاسي”
ذهب المحلل السياسي، الحبيب بوعجيلة، إلى أن “سبب الخلاف الرئيسي بين الشاهد والرئيس هو رغبة الباجي قايد السبسي في تأبيد وضع نظام رئاسي غير معلن دستوريًا”.
وأضاف بوعجيلة للأناضول: “نجح السبسي في ذلك مع الحبيب الصيد (رئيس حكومة بين يناير/ كانون ثانٍ 2015 وأغسطس/ آب 2016)، ولما عبّر الصيد عن رفضه أقاله السبسي.
وعدد “عوامل ساعدت الشاهد، منها أن الحزب الذي يعتمد عليه السبسي (نداء تونس) ارتكب أخطاء ولم تعد صورته جذابة، وتَشكل مشهد سياسي جديد لا يقبل بنفوذ قرطاج (الرئاسة)”.
وتابع أن “رعاة الانتقال الديمقراطي التونسي في الغرب لم يعودوا يقبلون أن تُقاد تونس بشكل تقليدي، حيث سيطرة الرئيس والعائلة”.
ويشير بوعجيلة بهذا الوضع إلى حكم الرئيس الأسبق، زين العابدين بن علي (1987: 2011)، الذي أطاحت به ثورة شعبية.
وقال مشاركون في حواري قرطاج الأول والثاني بين قوى سياسية، تحفظوا عن نشر أسمائها، إن الحوارت لم تكن إلا لإقالة رئيس الحكومة، تلبية لرغبة حافظ السبسي، نجل الرئيس.
وأسفر حوار قرطاج الأول، صيف 2016، عن إقالة رئيس الحكومة، الحبيب الصيد، بينما فشل حوار قرطاج الثاني، الربيع الماضي، في إقالة الشاهد، بعد أن رفضت حركة النهضة ذلك.
** حافظ السبسي
طالب الرئيس السبسي، في أكثر من مناسبة العام الماضي، الشاهد بالاستقالة أو طرح حكومته في اختبار ثقة أمام البرلمان.
وقال الباحث الاجتماعي، هشام الحاجي، إن السبسي وجد في الشاهد ما لم يجده في الحبيب الصيد من رغبة في أن يأخذ مسافة من قرطاج (الرئاسة)
وأردف الحاجي للأناضول أن “الشاهد أراد أن يخرج من تحت سلطة السبسي، ليمارس صلاحياته، ويفكر في مستقبله السياسي”.
وتابع أن الشاهد أراد أن يتحرك “بعيدًا عن الأجواء التي تسود في حركة نداء تونس، والتي يرى كثيرون أن أسبابها تعود إلى الصراع بين الشاهد وحافظ السبسي”.
تحليل بوعجيلة للقطعية بين الشاهد والسبسي ذهب إليه أيضًا الصحبي بن فرج، النائب بكتلة “الائتلاف الوطني” (40 نائبًا)، وهي قريبة من الشاهد، وتأسست في أغسطس/آب الماضي.
وقال “بن فرج”، في تصريح للأناضول، إن “السبب الوحيد للخلاف بين الشاهد وقايد السبسي هو حافظ قايد السبسي، نجل الرئيس”.
وأضاف أن “حافظ السبسي دمّر نداء تونس، وكان في طريقه إلى تدمير الدولة”.
** الرئيس يختار التهدئة
إزاء هذه التطورات، وبينما انتظر البعض أن يُصعد الرئيس تجاه الشاهد، اتجهت تصريحات السبسي، خلال مؤتمر صحفي في قصر قرطاج الخميس الماضي، نحو التهدئة.
السبسي قال إنه “لا وجود لأي خصومة مع رئيس الحكومة، يوسف الشاهد”.
وتابع أن “مصير الحكومة اليوم في يد المجلس مجلس نواب الشعب.. ونتصرف حسب ما يقتضيه الدستور وما يقتضيه شرف المهنة والدولة التي نحن فيها”.
بحسب بوعجيلة، فإن “السبسي أدرك أنه من الأحسن له ألا يكون في خاتمة حياته السياسية عنوان تأزيم أو هتك الدستور”.
ورأى أن “السبسي أقر بطريقة غير مباشرة بأنه لم يعد يملك الأوراق التي كانت لديه زمن حكومة الحبيب الصيد”.
** حزب جديد
من خلال التصويت على التعديل الوزري أمام البرلمان، الإثنين الماضي، اتضحت القطيعة النهائية بين الشاهد وحزب “نداء تونس”، حيث غاب نواب “النداء” عن الجلسة.
ورأى الحاجي أن “الشاهد لن يعود إلى النداء، وقد سحب إطارات من الحزب إلى جانبه”.
ولم يلب وزراء حزب “النداء” (8 وزراء) دعوة من الحزب وجهت إليهم للانسحاب من الحكومة.
وأعلنت كتلته البرلمانية، الثلاثاء الماضي، إقالة 5 من أعضائها، ليتقلص عدد نوابها من 51 إلى 46؛ وذلك بسبب مشاركتهم في جلسة منح الثقة للتعديل الوزاري.
وتابع الحاجي: “من الصعب أن يغادر حافظ ومجموعته النداء، والشاهد يريد مواجهة مصيره السياسي بتشكيلة جديدة لم يسبق أن مارست الحكم أو ارتبطت بالباجي قايد السبسي كرئيس”.
واعتبر “بن فرج” أن “النهاية المؤسفة لحركة نداء تونس، التي تسير نحو الاندثار، تلح على القوى الوسطية التقدمية تأسيس تنظيم سياسي ليمثل الأغلبية في مجلس نواب الشعب”.
ورأى أنه “لم تعد هناك إمكانية لإعادة الحياة لنداء تونس أو إيجاد أي علاقة بين أي مكوّن من العائلة الوسطية معه، خاصة بعد أن اتهم الجميع بالانقلاب على الدستور والرئيس”.
واعتبر بن فرج أن “المجال مفتوح لتأسيس حزب وطني وسطي كبير جامع يقوم على الكفاءة”.
واستطرد: “الوقت حان لجيل يوسف الشاهد (43 عامًا) والأشخاص الذين أعمارهم في 40 سنة و50 سنة كي يحملوا المشعل ويشكروا من سبقهم في تثبيت هوية الدولة”.
وختم بأن “من هنا إلى آخر السنة سيكون هذا التشكيل الجديد (حزب الشاهد) ثابت على الأرض لوضع تونس في مدار الدول الصاعدة المتقدمة اقتصاديًا واجتماعيًا وسياسيًا بصفة نهائية”.
ويرى سياسيون تونسيون أن الحزب المرتقب برئاسة الشاهد سيكون المنافس الجديد لحركة النهضة في انتخابات برلمانية ورئاسية منتظرة عام 2019.