عندما تدخل إلى أي سفارة، فإن أول ما يلفت نظرك هو الديكور الداخلي، لأنك تتوقع أن يكون انعكاساً لبيئة ذلك البلد، ثم أسلوب الاستقبال والتعاون معك، الذي يعكس في الغالب طبيعة ذلك البلد، ثم الضيافة التي تمثل مستوى الكرم، ونوع الضيافة التي يقدمونها، وبالتالي تتكون لديك ثقافة أولية حول ذلك البلد، وتنطبع لديك الصورة الذهنية، وتبدأ تنقلها بإيجابياتها وسلبياتها باسم «هوية السفارة».
لذلك تحرص بعض الدول على أن تبني سفاراتها بنفسها إن تيسر الأمر، حتى تستطيع إضافة لمسات فنية من التراث الخاص بهم، بدءاً من الباب الخارجي، مروراً بالاستقبال والممرات وانتهاء بغرف السفير والدبلوماسيين، وإن لم يتيسر لهم ذلك، فإنهم يحاولون إضفاء تلك اللمسات بما هو متاح، المهم تبقى «هوية البلد» واضحة.
يذكر أحد الأصدقاء أن إيران أسست مركزاً ثقافياً في إحدى الدول الأوروبية، ولمعرفتهم بأن الأوروبيين يعشقون الفنون، فقد غطوا الجدران بلوحات فنية تراثية من بلاد فارس، وطبعوا المطويات والكتيبات التي تشرحها من جانب فني بلغة ذلك البلد، وكذا تجد سفاراتهم تعج بالفنون التراثية الرائعة التي تلفت الأنظار، حتى إنك تعرف السفارة الإيرانية من بوابتها الخارجية برسومها الفسيفسائية.
وبالتأكيد فإنك لن تخرج من أي سفارة كويتية بدون مجلة “العربي” ومجلة “الكويت”، ولن تخرج من السفارة السعودية بدون مصحف، وهذه صورة ثقافية أخرى.
ولعلك تتذوق الحلوى في السفارتين البحرينية والعُمانية، وتتذوق الكنافة في السفارة اللبنانية، والحلقوم في السفارة التركية، وهذه إحدى الصور الذهنية لعادات وتقاليد الضيافة في تلك البلاد.
ولأهمية النظرة الأولى في السفارات، أولت بعض وزارات الخارجية اهتماماً بهذا الجانب، فالاتصال علم تستثمره العديد من الدول لتحقيق أهدافها، وأقلها الخروج بصورة ذهنية متميزة، وانطباع إيجابي عن تلك البلد، فخصصت إدارة معنية بتصميم السفارات من ناحية فنية، ووضعت شكلاً موحداً لجميع المداخل والغرف والقاعات، مع المرونة وفق المساحة والإمكانيات المتاحة، وهو ما نطلق عليه «الهوية».
ومن اللمسات واللمحات التي تساعد في رسم الصورة الذهنية عن المكان الآتي:
– كما تعرف الدول من أعلامها، فيمكننا التعريف بها بنشر أبرز معالمها، ولعل أبرز معلم كويتي في العالم هو «أبراج الكويت»، الذي انتشر لأنه كان المعلم الوحيد قبل 45 سنة، ولمدة 30 سنة، حتى بدأت تظهر الأبراج الأخرى.
– توفير مطبوعات عن تلك المعالم وغيرها بعدة لغات، ووسائل التواصل مع الجهات المعنية بها في البلد.
– توفير مطبوعات لمختلف الأنشطة الثقافية والفنية والرياضية التي تناسب مختلف الأذواق والأعمار.
– تقديم الضيافة الشعبية إن توافرت قدر المستطاع، ولعلنا في الخليج نتميز بالتمر ودلة القهوة.
– تعليق صور معالم البلاد وأبرز الإنجازات والمناسبات، واللوحات الفنية الشهيرة، من أول المدخل حتى نهاية جميع الأجنحة، مع تعليق شارح لها.
– أن يكون في الاستقبال مواطن وليس موظفاً من تلك البلاد، أو وافد.
وغير ذلك من الأمور التي تصنع هوية السفارات الموحدة، التي هي بالنهاية هوية البلد الأم، التي يفضل عند وضعها الاستعانة بمختصين من علم النفس والاجتماع والإعلام والعلاقات العامة، هوية تبقى في الذاكرة بشكل إيجابي وسعيد.
__________________________
يُنشر بالتزامن مع صحيفة “الأنباء” الكويتية.