محمد الحسن الددو
إن أهم سمات ومعالم المنهج الإصلاحي المنشود المطلوب هي أنه رباني، أي يقصد به وجه الله وينطلق من شرع الله، فهو مرجعه في كل شيء ويقيس الأمور بمعيار واحد هو رضى الله، يعني كل ما يحقق رضوانه تعالى هو بغيته ومنتهاه.
وما يحقق سخط الله تعالى لا بد من اجتنابه والابتعاد عنه بالكلية.
والسمة الثانية هي سمة الوسطية والاعتدال وعدم الإفراط والتفريط وعدم الغلو وعدم التنازل، والسير على وفق المنهج السوي الذي لا إفراط فيه ولا تفريط ولا وكس فيه ولا شطط. وذاك مقتضٍ لمعرفة أحوال الناس حتى يعرف الانحراف سواء كان إلى جهة التنازل والميوعة أو إلى جهة التشدد والإفراط؛ ذلك ما أرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم، فقد قال: “إن الدين يسر ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه فسددوا وقاربوا وابشروا واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدلجة”.
ومن هذه السمات أيضا الشمول؛ فهذا المنهج لا بد أن يكون شاملا يغطي كل احتياجات الناس؛ لأنه منطلق من هذا الدين الشامل الذي يغطي كل احتياجات الناس، وأحاط بكل جوانب الحياة. فما لم يكن المنهج الإصلاحي يغطي كل جوانب الحياة، فإن إصلاح جانب واحد مع بقاء الفساد على حاله في بقية الجوانب مستحيل، وقديما قال الحكيم:
متى يبلغ البنيان يوما تمامه *** إذا كنت تبنيه وغيرك يهدم
فلا بد أن يكون الإصلاح متساوقا وأن يكون في كل جوانب الحياة وأن يكمل بعضه بعضا.
ولا ينافي ذلك التخصص، كتخصص بعض الدعاة في بعض الجوانب، كما أن دعوات بعض الأنبياء في بعض الأحيان يكون فيها التركيز على إصلاح جانب معين حصل فيه خلل واضح، قد لا يكون الخلل متعينا في غيره، فمثلا دعوة شعيب للإصلاح في الجانب الاقتصادي في الكيل والوزن وعدم بخس الناس أشياءهم، وعدم استخدام الكذب لترويج البضائع ونحوه. هذا إصلاح اقتصادي وهو الذي كان أهل مَدْيَن يحتاجونه في ذلك الوقت.
ثم إن من هذه السمات أن يكون المنهج جامعا بين الأصالة والمعاصرة؛ فهو ضارب بأعماقه في الأصالة لأنه معتمد على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وهدي السلف الصالح من هذه الأمة وعلمهم وتراثهم. هو مهتم بالمعاصرة والتطوير لأنه يعلم أن كل ما يحدث من التطوير والإنجازات الحضارية هو من نعم الله على أهل هذه الأرض، ولا بد من استغلاله فيما يرضي الله سبحانه وتعالى، وهذا مقتضى عدم مصادرة آراء الآخرين، وعدم الانكماش عنهم.
فلا بد في هذا المنهج الإصلاحي المنشود من الانفتاح على الآخرين قليلا حتى تعرف ما لديهم من الخير وتنتفع به وحتى تعرف ما لديك أنت من القصور والنقص وتنتفع بإصلاح ذلك. وقديما قال الشاعر الحكيم:
عداتي لهم فضل عليَ ومنة *** فلا أبعد الرحمن عن الأعاديا
همُ بحثوا عن زلتي فاتقيتها *** وهم نافسوني فاكتسبت المعاليا
والإنسان إنما يكتشف أخطاءه من خلال الآخرين، وما دام منعزلا فلن يكتشف كثيرا مما وصل إليه الآخرون، ولا يكتشف كثيرا من أخطائه؛ لذلك لا بد من الجمع بين الأصالة والمعاصرة وعدم الانعزالية.
—-
* المصدر: الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين.