أعلن وزير البترول طارق الملا ونظيره الصهيوني يوفال شتاينس، في بيان صحفي عن البدء رسميا في استيراد الغاز الطبيعي من “إسرائيل” اليوم الاربعاء، وهو ما يأتي بعد عامين من توقيع البلدين اتفاقية تصدير الغاز بقيمة 15 مليار دولار.
وتنص الاتفاقية، التي وقعت في فبراير 2018م وجرى تعديلها أواخر العام الماضي، على أن تقوم “إسرائيل” بضخ ما يزيد عن 85 مليار قدم مكعب من الغاز إلى مصر على مدار الـ 14 عاما المقبلة.
وأثيرت حملة اعلامية ضخمة في الصحف المصرية حول تحول مصر لمركز اقليمي للطاقة عندما تستقبل الغاز الصهيوني والقبرصي، وتقوم بتسييله في معاملها ثم تصديره لأوروبا، وهو ما تبين انه اوهام غير حقيقة واعلنت تل ابيب وقبرص واليونان توقيع اتفاق دون مصر لبناء خط انابيب للتصدير المباشر لاوربا.
وهو ما أكدته أيضاً صفحة (“إسرائيل” بالعربي) بتأكيدها: “سيتم استخدام الغاز في السوق المحلي المصري لإنتاج الكهرباء وفي الصناعة”، دون ذكر أي أحاديث عن تصديره.
ما هو حجم الغاز الذي ستقوم مصر باستيراده؟
لم يقدم البيان المصري الصهيوني أي تفاصيل حول حجم الغاز الذي ستقوم “إسرائيل” بتصديره إلى مصر، إلا أن مصادر صرحت في السابق أن الكمية المبدئية التي سيجري استيرادها هي 1.5 إلى 3 مليارات متر مكعب في العام وسترتفع العام المقبل إلى 4-5 مليارات متر مكعب، ثم 7 مليارات متر مكعب في 2022.
ومن المقرر نقل شحنات الغاز عبر خط أنابيب يربط بين مينائي العريش المصري وعسقلان الصهيوني والذي جرى تأهيله بتكلفة 55 مليون جنيه بحيث يصدر من “إسرائيل” لمصر بعدما كان يصدر من مصر لـ “إسرائيل” قبل ثورة 25 يناير 2011م.
هل تحتاج مصر الغاز الصهيوني؟
أعلنت مصر (الشركات الأجنبية التي تستخرج الغاز) عدة مرات عن اكتشافات كبيرة للغاز واكتفاء ذاتي وتصدير بعض الشحنات للخارج بيد أن التوقعات أكدت عدم صحة ذلك وأن الغاز الصهيوني سيستخدم محلياً ما طرح تساؤلات بين خبراء النفط عن حقيقة الإعلانات المصرية عن تحقيق اكتفاء ذاتي وتساؤلات حول هذه الاكتشافات!
وتسعى مصر لزيادة إنتاجها من الغاز الطبيعي ليصل إلى 8 مليارات قدم مكعبة يوميا خلال العام المالي المقبل 2020 /2021م، وتنتج البلاد حالياً 7 مليارات قدم مكعبة من الغاز يومياً بفائض 1.3 مليار عن حاجة البلاد، وهو ما يجري تصديره بالكامل إلى الأردن من مصنع الإسالة بإدكو عبر خط الغاز المصري الأردني.
وكان تقرير لمؤسسة “وود ماكينزي” البريطانية للاستشارات وأبحاث الطاقة، أشار إلى أن احتياجات مصر من الغاز الطبيعي ستزيد بنسبة 30% خلال العشرين عاماً المقبلة وهو ما سيؤدي إلى نقص في الإمدادات خلال السنوات الخمس المقبلة.
وقد أبدى مصدر في وزارة البترول المصرية، ودبلوماسي مصري سابق، استغرابهما من أنباء الإعلان عن سعي تل ابيب لتشييد خط بحري لنقل الغاز إلى أوروبا، بالتزامن مع انتهاء ترتيبات استحواذ تحالف مصري “إسرائيلي” أمريكي علي خط الغاز المصري “عسقلان – العريش”.
وقال المصدران أن الخط الجديد الذي اعلنت عنه تل ابيب، سبق ان أكد خبراء استحالة تشييده لأسباب امنية وسياسية واقتصادية، لهذا فالحديث عنه الان يتضمن 3 احتمالات.
وعدد المصدران، الاحتمالات الثلاثة في: ابتزاز مصر في الصفقة الاخيرة، التخوف من احتمالات عودة موجة التفجيرات لخط سيناء، محاولة خطف حلم مصر التحول لمركز للطاقة، والسعي لحلول تل ابيب محلها.
وجري تفجير خط الغاز من مصر لـ “إسرائيل”، والذي يجري عكسه حاليا ليصدر من عسقلان للعريش، 30 مرة في الفترة من 2011 حتى 2016م، بحسب تقديرات مصرية رسمية، بواسطة ملثمين يتبعون تنظيمات مسلحة في سيناء. ومن المقرر أن تشتري شركات القطاع الخاص المصرية شحنات الغاز الطبيعي من شركة دولفينوس المملوكة لرجل الأعمال علاء عرفة، المقرب من المخابرات المصرية، ثم تقرر بعدها إما تسييل الغاز وتصديره عبر مصانع الإسالة في دمياط وإدكو أو بيعه في السوق المحلية.
وقد نقلت جريدة المال عن مصدر حكومي قوله إن قبرص بدأت التفاوض مع الشركاء الأجانب في حقل أفروديت، وهي شركات نوبل إنرجي الأمريكية وشل الهولندية وديليك “الإسرائيلية”، بشأن توقيت تنفيذ مشروع إنشاء خط نقل الغاز القبرصي إلى مصر.
وأوضح المصدر أن الشركات الثلاث هي التي ستتولى مهمة إنشاء الخط وتمويله، مضيفا أنه ليس من المستبعد دخول الحكومتين المصرية والقبرصية في ذلك الأمر.
وكانت مصر قد وقعت اتفاقية مع قبرص في سبتمبر 2018م لإنشاء خط أنابيب بحري مباشر للغاز الطبيعي بين البلدين. ويهدف المشروع البالغة تكلفته مليار دولار إلى نقل الغاز من حقل أفروديت القبرصي إلى محطات الإسالة بمصر وإعادة تصديره
وتعتمد خطة مصر للتحول إلى مركز إقليمي لتصدير غاز شرق المتوسط إلى أوروبا على كونها الخيار الوحيد الرخص والممكن لتوريد الغاز إلى أوروبا، لعدم وجود جدوى اقتصادية لإنشاء خط الأنابيب “الإسرائيلي” الذي يمتد بطول 2000 كم.
ومهما كانت النتيجة، تظل إمدادات الغاز “الإسرائيلية” موضوعاً حساساً سياسياً في كل من مصر والأردن، الأمر الذي قد يُعقّد تعاونهما في مجال الطاقة في المستقبل.
الخط الصهيوني ينهي الحلم المصري
وعلى غير المتوقع، وعكس ما يجري الترويج له في مصر، من تحويل مصر لمركز للطاقة بدأ ان الحلم المصري يجري اختطافه من الجانب الصهيوني.
حيث أعلنت شركة خطوط الغاز الطبيعي “الإسرائيلية” (آي إن جي إل) في نوفمبر توقيع مذكرة تفاهم مع شركة “آي جي بوسيدون” الإيطالية اليونانية، بغرض إنشاء خط أنابيب للغاز الطبيعي يمتد إلى أوروبا، وفقا لما ذكرته وكالة رويترز.
وقالت الشركة إن الخط المزمع سيحمل اسم “خط أنابيب شرق المتوسط”، وبإمكانه نقل نحو 10 مليارات متر مكعب من الغاز سنويا من منطقة شرق البحر المتوسط إلى قبرص واليونان وإيطاليا وأسواق أوروبية أخرى.
ووفقا لوصف مشروع خط أنابيب شرق المتوسط على موقع شركة آي جي بوسيدون، فقد تم الانتهاء بالفعل من وثائق التصميم والهندسة وذلك بمنح قيمتها مليوني دولار من أوروبا.
http://www.igi-poseidon.com/en/eastmed
وتحاول “إسرائيل” منذ وقت طويل العمل على إنشاء هذا الخط، والتحول الي مركز للطاقة في المنطقة، وهذا هو التحدي الحقيقي أمام تحول مصر إلى مركز إقليمي للطاقة، يعتمد على الغاز “الإسرائيلي” والقبرصي.
وسيمتد الخط من حقل ليفانتين “الإسرائيلي” الي قبالة سواحل قبرص ثم يمتد لاحق لجزيرة كريت وبعدها إلى اليونان، حيث سيتصل مع خط أنابيب بوسيدون الممتد ما بين اليونان وإيطاليا.
وتعود فكرة المشروع “الإسرائيلي” الي عام 2016م، وقتها أكد المدير العام السابق بالمفوضية الأوروبية مايكل لي في عام 2016م إن المشروع غير قابل للتطبيق سواء تجاريا أو سياسيا.
وعام 2018م وقعت “إسرائيل” اتفاقيات مع اليونان وإيطاليا وقبرص، لإمداد الدول الثلاث بالغاز الطبيعي عبر خط أنابيب يتكلف من 7 إلى 8 مليارات دولار قالت إنها تعتزم تشييده خلال خمسة أعوام، وفقا لما ذكرته قناة هاداشوت العبرية وموقع وذا تايمز أوف “إسرائيل” ولكن المشروع استمر يواجه صعوبات.
ونقلت قناة هاداشوت عن وزير الطاقة “الإسرائيلي” يوفال شتاينتز قوله حينئذ: “منذ عقود، كنا نشكو من النفوذ العربي في أوروبا بسبب النفط والغاز، تصدير الغاز إلى أوروبا سيخفف من هذا النفوذ إلى حد ما، وسيمثل قوة موازنة للقوة العربية”.
https://twitter.com/USITA_forum/status/1066467726909153280
والغريب أن المشروع الصهيوني – لا المصري -تم الترويج له بدعم من الاتحاد الأوروبي و”إسرائيل” منذ ظهور احتياطيات الغاز الضخمة في شرق البحر المتوسط، وسبق نشر تقارير عام 2018م تؤكد أن الاتحاد الأوروبي قدم بالفعل 100 مليون دولار لتمويل الدراسات الخاصة به!!
ووقعت “إسرائيل” مذكرة تفاهم مع الدول الأوروبية الثلاث يعود تاريخها إلى ديسمبر 2017م، ومنذ ذلك الحين أجرت معها مناقشات حول تفاصيل المشروع، وفقا لصحيفة “جلوبز”.
وتردد أن الاتحاد الأوروبي سيوافق على الاتفاقية وسيجري توقيع العقد النهائي في فبراير 2019، وهو ما لم يحدث، حتى أعلنت “إسرائيل” أمس عن بناء الخط رسميا.
ووفقا لتقديرات “جلوبز”، يتوقع أن يستغرق البناء حتى 2024م وتمويل المشروع عاما قبل بدء البناء، ما يعني أن خط الأنابيب ربما يكون جاهزا بحلول عام 2025م.
وفي أكتوبر 2019م قالت صحيفة “نويه تسورشر تسايتونج” إن “إسرائيل” لا تستهدف، في تصديرها للغاز، فقط مصر، التي يتوقع أن يرتفع استهلاكها من الغاز بنسبة 30 % خلال العقدين المقبلين بسبب النمو السكاني، ولكن تستهدف أيضا دول الاتحاد الأوروبي.
وأشارت الصحيفة إلى أن “إسرائيل” تسعى إلى وصول الغاز إلى الأسواق الدولية، وتستهدف دول الاتحاد الأوروبي بشكل كبير.