في مشهد لم يعهد من قبل لاجتماعات الحكومات الفلسطينية، منذ أن أنشأت أولها عام 1994، عقدت الحكومة وفي ظل الإجراءات الاحترازية لمواجهة مخاطر فيروس “كورونا”، اجتماعا لها في قاعة اجتماعات كبيرة، توزع فيها أعضاء الحكومة وعددهم 22 وزيرا، على مقاعد تتسع لأكثر من مائة شخص، مغادرين غرفة الاجتماعات المعهودة والضيفة، التي تتلاصق فيها مقاعد الوزراء، حيث خصصت الجلسة الطارئة، والتي عقدت في غير موعدها الأسبوعي، لمناقشة الموازنة العامة.
وابتعد الوزراء في مقاعد القاعة المدرجة عن بعضهم البعض، رغم عدم تسجيل أي إصابة في صفوفهم، وجاء ذلك ضمن خطة الطوارئ التي تنفذها الحكومة، وتحظر التجمع الكبير في الأماكن المغلقة، حيث حرصت الحكومة على أن تكون أول المطبقين للقرارات، ضمن خططها الرامية لحث المواطنين على تنفيذ هذه الخطوات الاحترازية.
ودامت الجلسة برئاسة الدكتور محمد اشتية، والتي عقدت مساء السبت على مدار أربع ساعات ونصف، في مقر المجلس بمدينة رام الله، وخصصت لنقاش الموازنة الفلسطينية للعام 2020 بالقراءة الثانية، في ضوء التداعيات المالية والاقتصادية المحتملة لفيروس “كورونا”، وحالة التباطؤ التي يعيشها الاقتصاد العالمي، والتحديات الجادة أمام الخزينة في قدرتها على تحقيق فرضيات الإيرادات المحلية المتحققة من الرسوم الجمركية والضريبية.
وأكدت الحكومة في بيان لها، أن المجلس ناقش سيناريوهات التعامل مع كل تلك التداعيات بما يحافظ على عجلة الاقتصاد الوطني.
وتخلل النقاش تقديم وزير المالية شكري بشارة، عرضا شاملا للموازنة العامة، مستعرضا عددا من السيناريوهات في طريقة التعامل مع التداعيات المحتملة على الاقتصاد الوطني، مبينا أهمية الالتزام بالخطط التنموية، وتعزيز فرص الاستثمار، والحفاظ على حصة الفقراء في الموازنة، في ضوء توقعات بتراجع الدخول، وارتفاع معدلات البطالة بسبب تداعيات الفيروس ماليا واقتصاديا.
كما عرض وزير المالية خطة لمواجهة السيناريوهات المتوقعة للوباء العالمي، والتكلفة المالية التي قد تترتب على مواجهته وتقليص مساحة انتشاره.
وقد كان اشتية دعا في مستهل الجلسة إلى إعادة النظر في “خارطة النفقات”، وترشيد الاستهلاك لمواجهة ما قد يترتب من أكلاف على الحكومة في الحد من انتشار الفيروس، الذي تعمل الحكومة على تقليص مساحة انتشاره ومحاصرته في المنطقة التي اكتشف فيها في محافظة بيت لحم، مشيدا بأهالي المحافظة وصبرهم وتعاضدهم وتآلفهم في مواجهة الفيروس.
واستعرض اشتية الجهود والتدابير والإجراءات الوقائية التي تقوم بها كافة أجهزة الدولة لمنع تفشي الوباء، مشيرا إلى إشادة منظمة الصحة العالمية بتلك الجهود التي وصفتها بانها تجاوزت ما هو موصى به منها.
وأشاد رئيس الوزراء بجميع الطواقم الصحية والأمنية والإعلامية والدفاع المدني والمحافظين لما يقومون به من جهد لمحاصرة الوباء معربا عن تقديره لتلك الجهود.
وقدمت وزيرة الصحة خلال الجلسة، تقريرا حول الأوضاع الصحية السائدة والجهود التي تبذلها الطواقم الطبية في منع تفشي الوباء ومراكز الحجر والحجز والاستشفاء التي أعدتها الوزارة في جميع المحافظات لمحاصرة الوباء.
وأشاد مجلس الوزراء بقرار وزارة الأوقاف والشؤون الدينية القاضي بإغلاق المساجد والكنائس واقتصار الصلوات في البيوت حفاظا على صحة المصلين وسلامة المجتمع، وذلك ضمن الإجراءات والتدابير الوقائية الصارمة لمحاصرة الوباء، داعيا المواطنين إلى التقيد بتلك الإجراءات حرصا على سلامتهم، مشيرا إلى أن الحكومة قد تضطر لاتخاذ إجراءات أكثر صرامة لحماية المواطنين.
وحذر المجلس من ترويج الإشاعات وما تتسبب به من آثار سلبية على أمن المجتمع وسلامته، مشيرا إلى أنه تم القاء القبض على عدد من مروجي الشائعات وتمت إحالتهم إلى القضاء، كما أشاد المجلس بالتزام المواطنين وتقيدهم بالتعليمات الصادرة عن كافة أجهزة الدولة بما يسهم في محاصرة الوباء، داعيا المواطنين إلى الإقلاع عن عادات المصافحة والتقبيل والابتعاد عن التجمعات والمؤتمرات.