فرض الحجر الصحي في تونس نمطاً جديداً من الحياة لم يعهدها التونسيون من قبل، أو لم يألفوها كما هو الوضع الآن، بعد حالة الحجر الصحي الإجباري، الذي يعد خرقه مجازفة كبرى إذا تم اعتقال المئات من المخالفين وسحب رخص القيادة والأوراق الثبوتية من كل مخالف لإجراءات الحجر الصحي، وتم إيداع المئات أماكن الحجر الصحي الإجباري ومنعوا من العودة من حيث أتوا.
الحياة في المدن
تغيّر نمط الحياة في المدن التونسية، وأصبحت الشوارع والنهوج التي كان سائقو سيارات التاكسي يتحاشونها لكثرة الازدحام خالية من المارة لا سيما بعد الظهر، حيث تعمل بعض الإدارات والمؤسسات الخدمية كمؤسسات الاتصالات مثلاً حتى الساعة الواحدة بعد الظهر، فيما لا يفتح سوى النزر القليل من الدكاكين والمحلات الكبرى أبوابها في الفترة الصباحية ليتمكن السكان من التزوّد بحاجياتهم الحياتية الضرورية.
أما مظاهر السمر في الأحياء السكنية بعد إغلاق المقاهي والمطاعم والكثير من الأماكن التي تجمع الناس قبل جائحة كورونا، فقد تم منعها هي الأخرى بقوى الأمن والشرطة من خلال دوريات مشتركة تقوم باعتقال كل من يوجد بعد الساعة السادسة مساء، وأحياناً تقوم بتفريق التجمعات الكبرى التي تزيد على ثلاثة أشخاص حفاظاً على سلامة الجميع ومنعاً للعدوى.
ووصلت عمليات الإجبار على البقاء في البيوت (إذا لم تكن هناك حاجة ملحة للخروج كالذهاب للمستشفيات أو الصيدليات لشراء الأدوية في الحالات الطارئة) حد اعتقال شباب حاولوا كسر الروتين الذي فرضه الحجر الصحي بلعب كرة القدم سواء في ملاعب أو في الأحياء التي أصبحت شبه خالية من المارة.
شد دارك
الحياة داخل البيوت بالمدن التونسية تطبيقاً لذلك الشعار الملزم باللجة التونسية “شد دارك” (الزم بيتك) تغيّرت هي الأخرى، وأصبح الجلوس أمام شاشة التلفزيون والحاسوب أكثر من السابق، إلى جانب اشتراك جميع أفراد العائلة في عملية تنظيف البيوت والطبخ والغسيل.
وقد كشفت عمليات استطلاع رأي في تونس عن هذا التغيير في نمط العيش، إذ إن الكثير من الموظفين الذين كانوا يتناولون طعامهم لا سيما الغداء خارج منازلهم أصبحوا يشتركون في إعداده داخل بيوتهم لتكسير الروتين والوضع الجديد المثير للقلق، فضلاً عن إغلاق الصحف الورقية التي أصبحت تصدر إلكترونياً فغدت مطالعتها تتم عبر الحاسوب أو الهاتف المحمول، وتعزز بذلك دور الإعلام الإلكتروني في تونس، وتأخر الإعلام المرئي الذي أمسى معتمداً على ما ينشره ربيبه الإلكتروني بما في ذلك إعلانات وبلاغات الوزرات والمنظمات الحكومية وغير الحكومية ومناشط المجتمع المدني في البلاد.
وقد دفعت جائحة فيروس كورونا التونسيين لأن يكونوا متابعين نهمين لوسائل الإعلام لمعرفة آخر أخبار جائحة كورونا.
وهناك فئة أجبرتها الظروف على العمل لأيام خارج المنزل أو بعيداً عن الأهل جمع الحجر الصحي شملها، فضلاً عن أولئك الذين كانوا يقضون أنصاف الليالي وثلاثة أرباعها خارج المنزل دون مبرر وظيفي سوى تضييع الوقت وإهمال العيال، فأصبحوا مجبرين على البقاء مع زوجاتهم وأطفالهم.
الحياة في الأرياف
يغبط سكان المدن في تونس أهالي الأرياف الذين لم يشعروا بالحصار المضروب على المدن، حيث يواصل أهالي الريف حياتهم الطبيعية ويتمتعون بكل ما لدى سكان المدن ولا سيما الماء والكهرباء والإنترنت والتلفزيون ويزيدون عليهم بهامش الحرية في حالة الحجر الصحي.
يلتقي أهالي الريف بشكل طبيعي يومياً سواء من عاد منهم من المدن أو من يمارس العمل الفلاحي وهم يعرفون بعضهم بعضاً عكس سكان المدن وغالباً ما تربط بينهم وشائج قربى أو مصاهرة.
ولأن الريف التونسي في كثير من جهات البلاد يتمتع بمزايا المدينة، (وسائل النقل والاتصالات)، إلا أنه يتمتع بمزايا خاصة في هذه الظروف، فغالباً ما يخزّن أهالي الريف التونسي المؤن التي يصنعونها في الصيف من القمح الصلب ومن الشعير فيصنعون من القمح الأكلات الرئيسة ومن الشعير شربة الشعير، وحتى الخبز، فضلاً عن توافر الخضر والغلال الطازجة والموسمية التي ينقلها المنتجون إلى من لا يملكون أراضي زراعية بأسعار مناسبة.
وتمثل العادات الاجتماعية المتوارثة في الريف عامل امتياز في هذه الظروف الحرجة؛ إذ يقوم أهالي الريف بذبح الخراف والعجول وتوزيعها ويسمونها “قسمة” يحددون سعرها حسب قيمة الذبيحة وعدد المشتركين، ولها أسماء أخرى تختلف من إقليم تونسي إلى آخر.
وحسب التضاريس ونوع الطبيعة المختلف في تونس، يتوجه أهالي القرى الجبلية إلى أماكن بالجبال، وأهالي الصحراء إلى أمكان بالصحراء، وأهالي الغابات إلى أماكن بالغابات للاستمتاع بالطعام والشاي والقهوة والمشروبات الغازية سواء بالليل أو النهار، ولكن في شكل عائلات متجانسة، أو أصدقاء شباب.
ففي الصحراء ينصب الأهالي الخيام بعيدة عن بعضها بعضاً ويشعلون النار ويتسامرون حتى الصباح، وقد حذرت السلطات المواطنين من سكان المدن من التوجه إلى الصحراء ودعتهم إلى الالتزام بالحجر الصحي؛ مما جعل الصحراء حكراً على أهلها في هذه الظروف، وقد تم حجز شاحنات وسيارات كانت تود التوجه للصحراء، كما تم التنبيه على الأهالي بأخذ الاحتياطات اللازمة خاصة عند التجمع بنقاط المياه وترك مسافة بين خيمة وأخرى عند حط الرحال في قلب الصحراء.
أما سكان السهول القريبة من الجبال أو الغابات فلا يزالون أحراراً؛ إذ يتوجهون بعد الظهيرة إلى أدغال الغابات والهضاب القريبة من الجبال سواء كانوا عائلات أو شباباً، يعرف بعضهم بعضاً، حيث يلعبون كرة القدم أو السلة أو الطائرة، وبعض الأسر تجلب معها المأكولات ويظلون حتى المساء ثم يعودون إلى منازلهم، وذلك كل يوم في انتظار انتهاء حالة الحجر الصحي.