مرحبا بكم، نحن إخوة، لا تخجلوا من العودة لأخذ ما يلزمكم من مواد غذائية”.. هكذا تحدث بهاء المواطن الإيطالي من أصول مصرية وهو يسلم سلة فيها خضروات لسيدة مغربية في مطعمه الذي حوّله إلى نقطة لتوزيع المساعدات الاجتماعية في حي سان سالفاري بزقاق برتولي بتورينو (عاصمة إقليم بييمونتي شمالي إيطاليا).
فمنذ بدء الحجر الصحي للحد من انتشار فيروس كورونا (كوفيد-19) بإيطاليا في 10 مارس الماضي -الذي أدى إلى تجميد معظم مفاصل الاقتصاد الإيطالي، وتوقف نسبة كبيرة من الإيطاليين عن العمل- اندفع كثيرون لتقديم المساعدات الغذائية لمن توقفت أعمالهم ولم يعودوا قادرين على تحصيل قوت يومهم، ومن هؤلاء أفراد مسلمون وجمعيات إسلامية على امتداد البلاد.
أحد هؤلاء الأربعيني بهاء المعروف بنشاطه وحيويته في حيه، والذي قرر خلال الأسبوع الثاني من الحجر الصحي أن يستمر في العمل، لكن دون مقابل، فقد بادر بداية إلى توزيع أطباق “الشاورما” على جيرانه في الحي، بعد أن فتح مطعمه مجانا للعموم تضامنا منه مع بلده الثاني، كما يقول.
مجموعة “شباب الخير“
وشكّل بهاء قبل ثلاثة أسابيع مع أصدقائه مبادرة سماها “مجموعة شباب الخير”، وهي مكونة من أفراد الجالية العربية وإيطاليين، يتعاونون مع بعضهم البعض لتقديم مواد غذائية أساسية (الأرز، والدقيق، والزيت، والسكر، والحليب..)، إضافة إلى خضراوات وفواكه لعدد من الأسر الإيطالية والعربية والمهاجرين من أصول أخرى ممن هم في أمس الحاجة للمساعدة.
وظهرت تداعيات وباء فيروس كورونا على الفئات الهشة من السكان الإيطاليين، خاصة الذين كانوا يعملون بطريقة توصف بأنها “غير نظامية” في السوق السوداء، أو العاملين بنظام المياومة.
نعيمة واحدة من المهاجرات المغربيات اللواتي تضررن من توقف الأعمال بسبب انتشار الوباء، حيث فقدت شغلها، وكانت عاملة نظافة باليومية، وتقول إن “الوضع صعب جدا على المهاجرين الذين يشتغلون بشكل غير مستقر وغير قانوني”. هذا الحديث أكدته نعيمة (30 عاما) للجزيرة نت أثناء وجودها في مطعم بهاء وهي تستفيد من بعض الإعانات الغذائية.
الخير يعم إيطاليا
مبادرة بهاء وأصدقائه تشبهها مبادرات أخرى تقوم بها الجالية المسلمة في إيطاليا، سواء كانوا أفرادا أو من خلال جمعيات ومساجد ومراكز إسلامية بمدينة تورينو وغيرها من المدن الإيطالية الأخرى.
وعن قيمة التحركات الخيرية الإسلامية في هذا الظرف الحساس الذي تعيشه إيطاليا، يقول رئيس اتحاد الهيئات الإسلامية بإيطاليا ياسين لفرم لـ”الجزيرة.نت”: “نشيد بالدور الجليل الذي تقوم به الجمعيات الإسلامية والمساجد والمراكز الإسلامية، فمن خلال تواصلي المستمر مع القائمين على المساجد رصدت مساهمة هذه المؤسسة الدينية في تقديم المساعدة للعائلات الإيطالية والمهاجرين المسلمين وغير المسلمين من خلال تقديم المواد الغذائية الأساسية”.
ويشير لفرم إلى أن المسلمين استطاعوا جمع ما يناهز خمسمئة ألف يورو من أجل الحماية المدنية، والمستشفيات والبلدية والجمعيات التي تشتغل في العمل التطوعي، والصليب الأحمر، وغيرها من الهيئات التي تعمل على مواجهة الأثر السلبي الذي ما زال يخلفه انتشار وباء كورونا في إيطاليا.
وتابع أن عددا من المبادرات الخيرية الإسلامية قدمت معونات نقدية، وهو الأمر الذي كان له صدى إيجابي على مستوى وسائل التواصل الاجتماعي، حيث برزت دعوات لجمع التبرعات في مراكز وجمعيات إسلامية عديدة عبر التراب الإيطالي.
وأضاف لفرم -الذي كان يتحدث للجزيرة نت من مدينة بولونيا عاصمة إميليا رومانيا المنكوبة بفيروس كورونا- “نحن جد فخورون في اتحاد الهيئات الإسلامية بالدور الإيجابي الذي يقوم به مسلمو إيطاليا من خلال التبرع بالمال والدم، وتشكيل فرق تطوعية لنقل التبرعات الغذائية والأدوية للمحتاجين، خاصة العجزة”.
تبرعات مالية
ورصدت “الجزيرة.نت” من خلال اتصالها بعدد من رؤساء الجمعيات الإسلامية والقائمين على المساجد نجاح حملات جمع التبرعات، خاصة في الشمال الإيطالي المنكوب بوباء كوفيد-19، فقد تمكنت تنسيقية المساجد في تورينو -على سبيل المثال لا الحصر- من جمع ما يناهز 16 ألف يورو لصالح المجمع الطبي في المنطقة.
وفي هذا الإطار، يقول رئيس الفدرالية العامة الإسلامية الإيطالية محمد بحر الدين: “كانت مبادرة مساجد تورينو من خلال جمع التبرعات المالية، والتي تم إطلاقها في الظروف الحالية، وتستجيب لتطلعات الجالية المسلمة بالمنطقة، والتي كانت تواقة للاشتراك فيها”.
ويصف رئيس المركز الإسلامي (مسجد السلام) حسن بطل عملية جمع التبرعات بأنها “من صميم ديننا الحنيف الذي يحث على التضامن والتكافل الاجتماعي، فهذا بلدنا الثاني ونحن جزء منه، لنا ما لنا من الحقوق، وعلينا ما علينا من الواجبات، وإذا لم نفعل ذلك فسنكون آثمين”.
وهو ما يؤكده أيضا محمد شاهين إمام مسجد عمر، والذي أشار إلى أن مساهمة المسلمين واجب شرعي إنساني، وإظهار لقيمة الإنسانية في الإسلام كما جاء في حديث النبي صلى الله عليه وسلم “خير الناس أنفعهم للناس”.
وقال رئيس الجمعية الإسلامية للألب محمد باهي إن “تطوع مساجد مدينة تورينو رغم ما تعيشه من ظروف مادية صعبة حقق الهدف المنشود، وسيتم تحويل المبلغ المتبرع به إلى الحساب البنكي للمجمع الاستشفائي للمدينة خلال الأسبوع المقبل”.
إعادة التفكير في علاقاتنا
وعلق نيكولا زينغاري الباحث في الأنثروبولوجيا والثقافة الإسلامية بجامعة تورينو على المبادرات الخيرية للجالية الإسلامية في زمن كورونا بالقول إن ما حدث في مدينة تورينو من تبرعات المسلمين شيء مميز.
وأكد أن “أغلب المبادرات وأعمقها كانت بمبادرة من الجمعيات والهيئات الدينية، والإسلامية على الخصوص”، مضيفا “ربما تصبح الهدية أرقى نموذج للتبادل في هذه الأوقات المظلمة، حيث نحتاج إلى إعادة التفكير في علاقتنا بالتضامن مع الآخرين ومع أنفسنا”.