رغم مرور 72 عامًا على “نكبة” فلسطين، فإن المسن محمود أبو ديب (81 عامًا) ما يزال متمسكًا بأمل العودة لقريته التي هُجر منها، حينما كان طفلاً.
ويقطن أبو ديب حالياً في بلدة بني سهيلا الريفية، جنوبي قطاع غزة.
ويحتفظ أبو ديب، الذي هاجر مع أسرته من قرية “بير معين”، القريبة من قطاع غزة، عام 1984، بخارطة القرية، وبندقيتين قديمتين.
ويقول المسن الفلسطيني: إنه حارب بإحدى البندقيتين الاحتلال، بجانب الثوار الفلسطينيين، خلال حقبة الخمسينيات من القرن الماضي.
ويمتلأ منزل أبو ديب بالمقتنيات التراثية، التي تشير لمدى تمسكه بحقه في العودة لقريته التي هُجر منها.
وخلال لقائنا معه، كان أبو ديب يرتدي “جلابية” تراثية، وبنطالاً فضفاضاً يُطلق عليه محلياً اسم “السروال”، وحطة (شماغ) وعقال (غطاء الرأس التقليدي) وعباءة سوداء.
كما يضع على خاصرته العديد من الخناجر القديمة نقش اسمه على بعضها.
وحمل المسن الفلسطيني قطعتي سلاح قديمتان يحتفظ بهما منذ عشرات السنين.
ويقول: إن البندقية الأولى من نوع “كارلو” (معروف أيضاً باسم كارل جوستاف، هو سلاح رشاش قديم أوروبي المنشأ)، وأهداها له ضابط في الجيش المصري عام 1956.
أما البندقية الثانية، فهي من نوع سيمينوف (بندقية نصف آلية روسية الصنع)، حصل عليها عام 1967، من أحد أصدقائه.
وفي فناء منزله، نصب خيمة، بداخلها فراش تراثي، ومعلق بها بعض القطع الفخارية المصنعة حديثًا والسيوف القديمة، ويجلس بجوارها حصان.
ويوضح أنه يتواجد في أغلب الأوقات في الخيمة، ويعتبرها “ملاذه الدائم”، حيث يجلس وينام ويستقبل بعض الضيوف فيها.
وفي إحدى غرف منزله، خصص غرفة واسعة لاستقبال الضيوف، فرشها بسجاد تراثي وعلق على جدرانها عددًا من السيوف، وصورًا له مع شخصيات أبرزها الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، بجانب صور جده ووالده.
وفي بعض زوايا الغرفة، وضع أبو ديب مقتنيات تراثية، ومنها “مهباج” لطحن القهوة، ومحراث زراعي ورثه من أبيه، ومفتاح قديم لمنزلهم في القرية، وخارطة تفصيلية لها ولمدن فلسطينية مجاورة محتلة، وآنية نحاسية، وغيرها من المقتنيات.
ويحرص اللاجئ الفلسطيني على نقل اهتمامه وعشقه للتراث الفلسطيني إلى أبنائه وأحفاده، حيث يلزم نحو 10 من أحفاده، على لبس التراث الشعبي، والتواجد حوله، حينما يكون لديه ضيوف أو وسائل إعلام.
وكثيراً ما يشرح للأحفاد عن وطنه وقريته التي سلبها الاحتلال؛ كما يعلمهم استخدام البندقيتين اللتين بحوزته.
ويقول أبو ديب: إن عائلته كانت تمتلك أراضي زراعية كبيرة، في قريتهم “بير معين”، مساحتها نحو 500 دونم (الدونم ألف متر مربع)، كانت تزرع بالبطيخ والشمام والقمح والشعير.
ويوضح أنه كان يبلغ من العمر نحو 10 سنوات، حينما أجبر السكان على مغادرتها.
يقول أبو ديب: كنت أعي جيدًا عندما هجرت من بلدي، وقاومنا بسلاحنا البسيط الاحتلال، وبقينا نقاوم ونزرع الأرض، وكانت القوات الإسرائيلية بجوار أراضينا (..) في النهاية أجبرونا على الهجرة قسرًا لبلدة بني سهيلا في خان يونس.
ويكمل: أجبرنا على الهجرة، وتركنا خلفنا محصولنا وأملاكنا، بقيت معالم بعضها حتى اليوم.
وتابع: أبي حمل بعض المقتنيات من أرضنا، وحمّلني مفتاح الدار ومحراثاً خشبياً أحتفظ به، أمانة عندي قبل وفاته.
ويضيف: ما زلت أحتفظ بأمل العودة للأرض المحتلة وأوصيت أبنائي بالمحافظة عليها بعد وفاتي.
ويكمل أبو ديب، شاهراً البندقية: ما سلب بالقوة لا يُسترد إلا بالقوة، لذلك ما زلت أحتفظ بسلاحي، ودربت أبنائي وأحفادي عليه، وأحافظ عليه، منذ عام 1956 عندما تسلمته.
ويوضح أنه التحق إبان الإدارة المصرية لقطاع غزة (1948-1967) بقوات منظمة التحرير الفلسطينية، وقاتل الاحتلال الإسرائيلي.
ويضيف: مهمتي في القتال ضد الاحتلال كانت تحت مسمى “م.ط”، أي مدفعية طائرات، في صفوف الثوار الفلسطينيين، بقيادة أحمد الشقيري أول رئيس لمنظمة التحرير الفلسطينية”.
كما يقول أبو ديب: إنه شارك في حرب عام 1967، التي احتلت “إسرائيل” فيها الضفة الغربية وقطاع غزة وسيناء المصرية والجولان السوري.
ويضيف: قاتلت في فرقة غزة في منظمة التحرير، عام 1967 على تل المنطار شرقي مدينة غزة (..) قدمنا شهداء وجرحى، ولم نُسلّم.
وعن أسباب تمسكه بالتراث الفلسطيني، يقول أبو ديب، خاتماً حديثه: من ليس له ماضٍ، ليس له حاضر ومستقبل.
ويُحيي الفلسطينيون في الـ15 من مايو، من كل عام، ذكرى “النكبة”، عبر فعاليات واسعة، تعبيراً عن تمسكهم بحق العودة إلى ديارهم التي هُجّروا منها قسراً، عام 1948.
ويُطلق الفلسطينيون مصطلح “النكبة” على عملية تهجيرهم من أراضيهم، على أيدي “عصابات صهيونية مسلحة” عام 1948.
وفي العام 1948 أُعلن عن قيام دولة “إسرائيل” على غالبية أراضي فلسطين التاريخية، بعد أن تم تهجير قرابة 800 ألف من أصل 1.4 مليون فلسطيني، من قراهم ومدنهم إلى الضفة الغربية وقطاع غزة والدول العربية المجاورة.