في كل رمضان خاصة يثار التساؤل حول أحقية العاملين في جمع مال الزكاة والصدقات في أخذ نسبة من المال المجموع، والتساؤل حول النسبة المأخوذة، برغم وجود نص صريح في القرآن حول أحقية جامع الزكاة في أخذ أجرة على عمله، من مصرف “والعاملين عليها”، لكن كثيراً من الفقهاء المعاصرين يرون أن هذا فيمن تعينه الدولة، ويأتي التساؤل هنا حول العاملين في الجمعيات الخيرية، هل لهم حق في أخذ رواتبهم ومكافآتهم من مال الزكاة أم لا؟
من يجمع الزكاة نوعان:
النوع الأول: من تعيّنهم الدولة موظفين:
وذلك في بيت الزكاة، أو أي هيئة رسمية تتبع الدولة، وهؤلاء لا خلاف بين الفقهاء في أنهم يأخذون أجرة على جمعهم الزكاة، سواء كانت من مال الزكاة، أو من غيره من المصارف التي يعطيهم منها ولاة الأمور أو الدولة.
والدليل في هذا قوله تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [التوبة: 60].
ولحديث ابن ماجة عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لا تحل الصدقة لغني إلا لخمسة؛ لعامل عليها أو لغازٍ في سبيل الله أو لغني اشتراها بماله أو فقير تصدق عليه فأهداها لغني أو غارم”.
النوع الثاني: جامعو الزكاة من خلال الجمعيات الخيرية:
وهذان صنفان:
الصنف الأول: الموظفون في الجمعيات الخيرية، وهؤلاء يتقاضون راتباً شهرياً من الجمعية.
الصنف الثاني: من تتعاقد معهم الجمعيات موسمياً، مثل شهر رمضان، فتعطيهم مكافأة، بالإضافة إلى نسبة مما يجمعونه.
وقد أفتى بعض العلماء بعدم جواز أخذ نسبة من الزكاة لهؤلاء؛ معللين ذلك أنهم ليسوا معينين من قبل ولاة الأمور، ونصوص الفقهاء في تفسير قوله تعالى (وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا).
قال محمد بن الحسن الشيباني في الأصل المعروف بالمبسوط (2/ 180): “يفرض لهم الإمام رزقاً مما يلي ويلون ويعطيهم من ذلك قدر ما يرى”.
وقال الكاساني في بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (2/ 35): “فلو لم يكن للإمام أن يطالب أرباب الأموال بصدقات الأنعام في أماكنها وكان أداؤها إلى أرباب الأموال لم يكن لذكر العاملين وجه”، وكذلك ما ورد في السُّنة «فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يبعث المصدقين إلى أحياء العرب والبلدان والآفاق لأخذ الصدقات من الأنعام والمواشي في أماكنها»، وعلى ذلك فعل الأئمة من بعده من الخلفاء الراشدين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم، حتى قال الصديق رضي الله عنه لما امتنعت العرب عن أداء الزكاة: والله لو منعوني عقالاً كانوا يؤدونه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لحاربتهم عليه وظهر العمال بذلك من بعدهم إلى يومنا هذا”.ا.هـ
وفي صحيح البخاري عن أبي حميد الساعدي رضي الله عنه قال: “استعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً من الأسد على صدقات بني سليم، يدعى ابن اللتبية، فلما جاء حاسبه”.
والاستشكال هنا: هل المقصود بتعيين ولاة الأمور سعاة يجمعون الزكاة من الناس أن يكون ضمن جهاز الدولة، يعني أن يكون موظفاً حكومياً؟
والذي يبدو لي أن المقصود من “جامع الزكاة” هو من تعيّنه الدولة في جهازها الإداري، وممن تسمح لهم الدولة بجمع الزكاة من الجمعيات الخيرية، وتحت رقابتها من خلال الوزارات المعنية، كوزارة الشؤون الاجتماعية أو غيرها، فيكون الموظفون عند تلك الجمعيات التي تعمل بإذن الدولة، هم قد عملوا بإذن الدولة، لأنهم يخضعون لها، وتخرج تراخيص العمل من الدولة من كونهم يعملون في الجهات الخيرية التي تجمع الزكاة.
فالموظفون في الجمعيات الخيرية التي تعمل بتراخيص من الدولة، يندرجون تحت “العاملين عليها”، ما داموا موظفين، وكذلك من يعملون موسمياً؛ ما دامت الدولة تسمح لهم بالعمل، لأنه لا يشترط في جامع الزكاة ألا يكون بلا عمل، لكن هذا الجواز مشروط بما وضعه الفقهاء من شروط، سواء ما يتعلق بشروط العامل، أو ما يتعلق بشروط ما يأخذه.
شروط العمل في جمع الزكاة:
المقصود بـ”العاملين عليها” كل من يعمل في جمع الزكاة، سواء من يقبض الزكاة من أصحابها، أو من يوزعها، أو الذي يعمل في الحسابات أو غيرها من أعمال المؤسسة.
ويشترط في جامع الزكاة أن يكون مسلماً عدلاً لا يظلم ولا يحابي، وأن يكون عنده علم بفقه الزكاة، كي يجتهد فيما يعرض عليه من مسائل، وأن يكون قادراً على هذا العمل.
قال الشيرازي: “ويجب علي الإمام أن يبعث السعاة لأخذ الصدقة لأن النبي صلي الله عليه وسلم والخلفاء من بعده كانوا يبعثون السعاة، ولأن في الناس من يملك المال ولا يعرف ما يجب عليه، ومنهم من يبخل، فوجب أن يبعث من يأخذ.
ولا يبعث إلا حراً عدلاً ثقة؛ لأن هذا ولاية وأمانة، والعبد والفاسق ليسا من أهل الولاية والأمانة، ولا يبعث إلا فقيهاً؛ لأنه يحتاج إلى معرفة ما يؤخذ وما لا يؤخذ، ويحتاج إلى الاجتهاد فيما يعرض من مسائل الزكاة وأحكامها” (المجموع شرح المهذب: 6/ 167).
وقال ابن قدامة في المغني (6/ 473): “وهم السعاة الذين يبعثهم الإمام لأخذها من أربابها، وجمعها وحفظها ونقلها، ومن يعينهم ممن يسوقها ويرعاها ويحملها، وكذلك الحاسب والكاتب والكيال والوزان والعداد، وكل من يحتاج إليه فيها؛ فإنه يعطى أجرته منها؛ لأن ذلك من مؤنتها، فهو كعلفها، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يبعث على الصدقة سعاة، ويعطيهم عمالتهم، «فبعث عمر، ومعاذاً، وأبا موسى، ورجلاً من بني مخزوم، وابن اللتبية، وغيرهم”.
القدر الذي يؤخذ من جمع الزكاة:
أما القدر الذي يؤخذ من الزكاة، فإن عموم كلام الفقهاء أنه لا تحديد له، بمعنى لا يشترط أن يكون ما يؤخذ من الزكاة ثمن الزكاة؛ أي ما يعادل (12.5%) بل يعطى على قدر عمله.
فعند الحنفية غير مقدر بالثمن ولا يزاد على نصف الزكاة التي يجمعها، حتى لو كثر عمله، وعند الشافعية والحنابلة أن عمله أجرة على مدة معلومة أو عمل معلوم، وقال الشافعية: لا يزاد على الثمن بأي حال من الأحوال، فإن كان عمله يساوي أكثر من ثمن الزكاة؛ أعطي من بيت المال، وذلك حتى لا يجور على حق الفقراء والمساكين وغيرهم، ويجوز للإمام ألا يعطي جامع الزكاة من مال الزكاة مطلقاً، ويعطيه من موارد مالية أخرى. (شرح فتح القدير على الهداية 2/ 16 ط الأميرية – بولاق، وحاشية الدسوقي على الشرح الكبير 1/ 495 ط دار الفكر، والمغني لابن قدامة 6 / 473 ط مكتبة القاهرة، والمجموع شرح المهذب 6/ 168 ط دار الفكر).
احتراز:
لما كان العاملون في الجمعيات الخيرية يجمعون مال الزكاة ومال الصدقات، كان الأولى أن يأخذوا من مال الصدقات، ثم إن احتاجوا أخذوا من مال الزكاة بما يكمل أجرهم، إلا أن يكونوا يجمعون مال الزكاة فيأخذون منها، والأولى عندي أن يكون أنقص من الثمن بأي حال من الأحوال، فإن احتاجوا أخذوا الثمن، وذلك لاعتبار العدد في المصارف وهي ثمانية، والاعتبار الآخر أن مصارف الزكاة لا تتساوى في رتبة الحاجة من جهة، ومن جهة أخرى يعطون حتى لا تعطل الزكاة، وتستمر، وقياساً على جواز أخذ الإمام والمؤذن والقائم على العبادات من شعائر المسلمين، والأصل أن يكون محتسباً، لكن لما كان القول بالاحتساب يوقف العمل ويعود عليه بالبطلان؛ كان القول بإعطائهم بأكثر من وجه، الأول: النص الوارد في القرآن، وهو أقوى مستند، والثاني: نظائر ذلك في الفقه من أخذ الأجرة على الأعمال الصالحة.