بعد 9 سنوات من الترقب، بدأت تطفو على السطح “الحقيقة المرة”، لما يخطط لمخيم اليرموك، فالحديث يدور عن مخطط عمراني جديد، سيغير ملامح “عاصمة الشتات الفلسطيني”.
ولا تخفي اللاجئة الفلسطينية، ماجدة منصور، (40 عاما)، مخاوفها، من تلاشي هذه الرمزية الفلسطينية (مخيم اليرموك) إلى كابوس ماثل أمامها واقعا مرا.
وتتساءل “منصور”، في حديث لـ”قدس برس”، عما سيحل بمنزلها الذي بناه والدها، وعن حارتها التي طالما لعبت وكبرت فيها، مع رفيقاتها في المخيم.
أما الناشط السياسي في المخيم “أبو عامر”، فيقول، لمراسلنا: إن “المخطط معد بترتيب من قبل تجار دمشق ومحافظ العاصمة، لغايات تجارية دون مراعاة لظروف أهالي المخيم”.
ويرى اللاجئ الفلسطيني أبو موسى رزي، أن “العقول التي وضعت المخطط خبيثة، وتسعى لضرب قضية اللاجئين الفلسطينيين، وتصفية حلم العودة”.
ويتضمن المخطط التنظيمي الجديد، الذي بات يهدد كيان المخيم ورمزيته المتعلقة بالقضية الفلسطينية، تصورا لإعادة إعمار مخيم اليرموك على ثلاث مراحل، ضمن مدة زمنية لـ15 عاما، تبدأ المرحلة الأولى منه في المناطق ذات الأضرار العالية، ثم تنتقل إلى المتوسطة، والمرحلة الأخيرة ستكون للمناطق ذات الأضرار المنخفضة.
ويقع مخيم اليرموك داخل حدود مدينة دمشق، ويبعد حوالي 8 كيلو مترات عن وسط المدينة، وقد تم تأسيسه عام 1957، فوق مساحة من الأرض تبلغ 2.1 كيلو متر مربع، بهدف استيعاب اللاجئين الفلسطينيين الذي كانوا متفرقين في الأماكن العامة آنذاك.
وفي العام 2011، تحول المخيم إلى ساحة مواجهة عسكرية، بين قوات النظام السوري وفصائل مسلحة، ما أدى إلى تهجير معظم قاطنيه باتجاه المناطق المحيطة به، وإحداث عمليات تدمير واسعة داخله.
وبعد 7 سنوات من القتال، تمكنت قوات النظام السوري من استعادة السيطرة عليه، بعد معارك مع تنظيم داعش أواسط العام 2018.
اللجوء للمحاكم الدولية
الناشط القانوني علاء البرغوثي، أوضح في حديثه لـ”قدس برس”، أن “محافظة دمشق هي الجهة الرسمية، التي لها صلاحيات واسعة، فيما يتعلق بالأمور الهندسية والتنظيمية وإدارة المدينة، بما في ذلك مخيم اليرموك”.
ويستدرك البرغوثي: “إلا أن للمخيم خصوصية كبيرة لعدة اعتبارات، أهمها المكانة الرمزية للمخيم في مسيرة الثورة الفلسطينية، ومكانته كأكبر مخيم للاجئين الفلسطينيين في سورية”.
وبين البرغوثي أن محافظة دمشق أعطت مهلة لسكان المخيم سواء من اللاجئين الفلسطينيين أو المواطنين السوريين للاعتراض على القرار، وهو الأمر الذي تم بالفعل، إذ توجه المئات منهم على الفور للاحتجاج على المخطط التنظيمي؛ لما فيه من ضرر كبير جداً على الأهالي الذين فقدوا منازلهم، وفقدوا حقهم بالعودة إلى مخيمهم، ريثما يعودون إلى وطنهم فلسطين”.
وأضاف: “ربما الاعتراض الآن هو الفرصة الأخيرة للأهالي لإيقاف المخطط التنظيمي الجديد”.
وأشار البرغوثي إلى أن هناك فرصة أخرى مهمة، تقع على عاتق الجهات الرسمية والفصائل الفلسطينية، ومنظمة التحرير الفلسطينية، ووكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “الأونروا”، “الذين يجب عليهم العمل الفوري لإيقاف هذا المخطط، عبر قنواتهم واتصالاتهم”.
وأكد “البرغوثي” أن الضرر المادي كبير جداً، ولا يمكن تعويضه خصوصاً مع الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تعاني منها سورية، مبينا أن الضرر المعنوي أيضا، لا يمكن تجاهله.
وعن إمكانية اللجوء إلى المحاكم الدولية؛ لوقف تنفيذ المخطط، أوضح البرغوثي، أن “الوضع معقد جدًا في هذه الحالة”.
وأضاف: “بحسب اطلاعي لا يوجد سابقة فيما يتعلق بهذا الموضوع، وإن وجدت؛ فالأمر قد يستغرق عشرات السنين؛ كون هذه الحالة متشابكة جداً من حيث التبعية والمسؤولية وأيضاً التمثيل”.
مخطط معد مسبقا
بدوره، يرى الأكاديمي والباحث الفلسطيني، أحمد قاسم حسین، أنه “لن تكون هناك في المدى المنظور أي عودة لأهالي مخيم اليرموك”.
وقال في تصريحات لـ”قدس برس”: “أعتقد أن صفحة مخيم اليرموك طويت وإلى الأبد، خاصة أن عملية التدمير التي شهدها تشي بما لا يدع مجالًا للشك، أن المخطط التنظيمي لهذه المنطقة قد تم تحضيره بشكل مسبق، وأن هذه المساحة الجغرافية الضيقة، التي تبلغ نحو 11.2 كیلومتر مربع (520 فدانًا)، لن تعود مجددًا لتكون مكان تجمع للاجئین الفلسطینیین وإخوانهم السوریین”.
ويشار إلى أن “مجموعة العمل من أجل فلسطيني سوريا، حذرت من استغلال محافظة دمشق، لخوف الأهالي من خسارة أماكن سكنهم في المناطق التي طُرحت مؤخراً للتنظيم، لتقوم بدورها بفتح الباب أمام الراغبين بالاعتراض على المخطط، بعد دفع مبلغ 1000 ليرة سورية، (ثمن طلب وطوابع ورسوم إضافية)، و”هو تحصيل مالي غير نظيف لصندوق المحافظة من جيوب الفقراء المُهجرين عن منازلهم”، وفق قولها.
وبحسب “مجموعة العمل”، أطلق محامون فلسطينيون وسوريون مبادرة للدفاع عن حقوق أهالي مخيم اليرموك، بعد المخطط التنظيمي الذي وصفوه بـ”المجحف بحق أهالي المخيم”، وتقول: إن “القضاء هو الوحيد القادر على إلزام المحافظة إيقاف تنفيذ المخطط التنظيمي”.