ربما كان العام 2020، هو الأثقل على القضية الفلسطينية بكل تفاصيلها، ولعل انفراط العقد العربي وانزلاق الدول العربية، الواحدة تلو الأخرى في مستنقع التطبيع، هو آخر مشهد مؤثر في القضية الفلسطينية في هذا العام.
سنة جديدة تطوي آخر صفحاتها أو تكاد من عمر حركة “حماس”، تكمل فيها مسيرة 33 عاماً، تغيرت فيها جغرافيا السياسة وموازينها، كما تغيرت المبادئ والمفاهيم من المحيط إلى الخليج، فكيف يمكن تقييم أداء الحركة، إزاء هذه المتغيرات وما أبرز التحديات التي قد تواجهها.
تقييم التجربة
يعتقد الباحث والمحلل السياسي، سليمان بشارات، أن هناك منطلقات يمكن من خلالها تقييم تجربة حركة حماس، بعد 33 عاماً على انطلاقتها، موضحاً في حديثه لـ”قدس برس”، أن “أولى هذه المنطلقات بقاؤها بالمشهد الوطني الفلسطيني، ليس ذلك فحسب، بل تعتبر الطرف الموازي لحركة “فتح” من حيث الوزن الوطني، والمنافس الشديد لها بالعمل السياسي”.
أما المنطلق الثاني، “فهو القدرة على التأثير، وصناعة القرار السياسي، وهذا أيضاً حاضر من خلال عدة زوايا، محلياً ووطنياً في الخارطة الفلسطينية، وإقليميا، وكذلك الأمر دولياً، إذ إنه لا يمكن تجاهلها باعتبارها لاعباً أساسياً عند الحديث عن القضية الفلسطينية”.
أما المنطلق الثالث، وهو جماهيري، وفق “بشارات”، الذي قال: “باعتقادي رغم أنه منذ العام 2006 لم يشهد انتخابات على مستوى المجلس التشريعي أو الرئاسة، إلا أنها كحركة وطنية لازالت تحظى بحضور شعبي كبير، قد لا يكون ظاهراً في بعض الأحيان نتيجة تبعات الانقسام والحالة السياسية، لكن هذا لا ينفي القاعدة الجماهيرية المؤيدة والصامتة”.
وأشار أنه وبموازاة هذه المنطلقات، يبقى الأثر الميداني صاحب الحضور، إن لم يكن في الضفة الغربية بشكل ملموس، إلا أنه في قطاع غزة، واعتبارها القوة العسكرية الأولى، والتي استطاعت عبر عدد من المواجهات العسكرية مع الاحتلال من إثبات قدراتها القتالية والعسكرية، وكذلك قدرتها على إدارة الشق الأمني لقطاع غزة.
تحديات
أما عن التحديات التي تواجه “حماس”، فيرى بشارات أنها كثيرة وكبيرة، وهذا نابع أيضاً من وزنها، إذ إن طبيعة وحجم التحديات تتواءم بالضرورة مع القدرة على التأثير، وأبرز هذه التحديات، بحسب بشارات، التحدي السياسي، والقدرة على ديناميكية الاستمرار كلاعب سياسي فلسطيني.
ويؤكد بشارات أنه أمر في غاية الأهمية، نتيجة استمرارية الانقسام وما ترتب عليه، وبالتالي فإن تعزيز حضورها في غزة يتطلب موازاة ذلك في تعزيز الحضور في الضفة والقدس، باعتبارها ساحات ذات عمق مستقبلي فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية وطبيعة المواجهة مع الاحتلال.
وفي هذا الإطار، يشير بشارات إلى التحدي على المستوى السياسي الإقليمي والدولي، في ظل المتغيرات المتسارعة، إذ أصبحت الحركة أمام امتحان في كيفية الموازنة ما بين البقاء على الثوابت، وفي الوقت ذاته الحفاظ على العلاقة المتينة مع بعض الأطراف، “وهذه ربما معادلة صعبة في ظل المحاور التي تتشكل، وكذلك في ظل حالة التغيرات السياسية السريعة”.
ثانياً، التحدي المالي، يؤكد بشارات، أنه لم يعد يخفى على أحد حجم ما تتعرض له حركة حماس من حصار مالي، وصعوبات كبيرة، كأحد خطوات الابتزاز السياسي ربما وتشكيلات المحاور، وفي المقابل الحركة في السنوات العشر الأخيرة امتدت مؤسساتها التي تحتاج إلى حالة ديمومة من الاستمرارية بالعمل، وبالتالي أصبح تحدي توفير الاحتياجات المالية محكاً له، خاصة في ظل استمرار حالة الحصار المفروض على القطاع والمطلوب منها توفير أهم احتياجات الحياة فيه.
وثالثاً، التحدي الأمني، وهو امتداد للتحدي العسكري، بحسب بشارات، الذي يرى أن حركة “حماس” راكمت من خبرتها الأمنية والعسكرية وأصبحت تمتلك الكثير من القدرات في هذا الجانب، و”بالتالي الحركة في هذا المجال أمام تحديين، البناء على هذه القدرات وتطويرها، وكذلك القدرة على إبقاء ثقة الجماهير بها من خلال ما حققته عبر المواجهات العسكرية الماضية”.
ويعتقد بشارات أن التحدي الأكبر أمام الحركة، في كيفية الموازنة والموائمة ما بين علاقتها ومنطلقاتها السياسية والفكرية، وبالمقابل حالة التطبيع العربي “الإسرائيلي” وما قد يترتب عليها مستقبلا، “وهذا يدفعنا إلى تساؤلات إلى أي قدرة يمكن لها أن تتكيف مع هذه الظروف، وكيف يمكن أن تبقى محافظة على زخمها الجماهيري والشعبي، رغم حالة التطبيع السياسي في الكثير من البلدان العربية والإسلامية”.
علاقات “حماس”
وعن موقع “حماس” في المشهد السياسي العربي والإقليمي والدولي، أوضح المحلل السياسي، إبراهيم المدهون، في حديثه لـ”قدس برس”، أن “الحركة اليوم تملك علاقات متسعة مع مصر، ولديها علاقة وثيقة بقطر وتركيا وإيران ولبنان، وعلاقات كبرى مع روسيا، وهناك آفاق لأن يكون لها حضور في الصين وأمريكا الجنوبية، كما تحاول سياسياً نسج علاقات مع الاتحاد الأوروبي ونقل الرواية الفلسطينية”.
وأضاف: “أعتقد أنها (حماس) الآن أضحت أبرز عنوان للشعب الفلسطيني أيضاً؛ فواقعها الأمني بات متقدماً، والاحتلال يتهيب من توجيه أي ضربة خوفاً وخشيةً، بسبب التعقيدات الأمنية”.
ومن الناحية العسكرية أكد أن “هناك مراكمة في القوة العسكرية الحمساوية”، مشيراً إلى أن “أكثر من 50 ألف مقاتل في قطاع غزة وحدها، تشكل قوة عسكرية، أشبه بالجيش النظامي، وفيها وحدات مثل البحرية والضفادع البشرية والمضاد للدروع والقاذفات والصواريخ وطائرات الاستطلاع، بالإضافة إلى القوة الاستخباراتية العسكرية”، وفق المدهون.
وأضاف كما أن “حماس” قادرة على معرفة تحركات الاحتلال ورصد جنوده وقطاعاته العسكرية، بالإضافة إلى امتلاكها لخبراء في تقدير الموقف الحقيقي للاحتلال “الإسرائيلي”، وربما تفوق دولاً كثيرة بهذا المجال، مؤكداً أن هناك دولاً تستعين بتقديرات حركة “حماس” الخاصة بتحركات وسياسة الاحتلال الإسرائيلي.
وعن التحديات، يرى المدهون أن من أبرزها التنسيق الأمني، الذي حاولت “حماس” عن طريق المصالحة تجاوزه وإضعاف شوكته، لكن تراجع حركة “فتح” عن هذا المسار أعطى نفساً وقوة للتنسيق الأمني من جديد.
ويرى المدهون أن الشعوب العربي، ما زالت بجانب “حماس”، وأن “موجات التطبيع، لن تضر الحركة، وبالعكس هي توضح المسار وتجليه، من مع الشعب الفلسطيني ومن ضده”.
وأشار “المدهون” إلى أن أحد أهم التحديات التي تواجهها الحركة حالة الانقسام، وسياسات الولايات المتحدة في المنطقة، بعد فرض رئيسها دونالد ترمب لوقائع جديدة، من ضمنها إعلان القدس عاصمة للاحتلال، وإعلان ضم الضفة الغربية.