نشر موقع “يورونيوز” تقريراً مطولًا عن الانتخابات الفرنسية المرتقبة في عام 2022م وعرض التقرير لأبر المرشحين للانتخابات القادمة وفرصهم وخلفياتهم الأيديولوجية والسياسية ورؤيتهم لمستقبل فرنسا فإلى التفاصيل:
قبل حوالي عام من إجراء الانتخابات الرئاسية في فرنسا، لاختيار الرئيس الجديد والثاني عشر للجمهورية الفرنسية الخامسة، أعلنت بعض الشخصيات السياسية عن رغبتها في خوض انتخابات 2022م العامة، حيث ستقام الجولة الأولى من الانتخابات في 23 أبريل 2022م، وستقام جولة أخرى في 7 مايو 2022م، يأتي ذلك مع حرص معظم الأحزاب على التريث في تقديم مرشحيها، بغية التوصل إلى توافق ما يقطع الطريق أمام الرئيس الحالي إيمانويل ماكرون، وزعيمة اليمين المتطرف مارين لوبان لتكرار مواجهة انتخابات عام 2017م.
إيمانويل ماكرون
شهدت ولاية ماكرون أزمات داخلية وأعمال عنف غير مسبوقة
فاز إيمانويل ماكرون في الانتخابات الرئاسية في عام 2017م من خلال حزبه “الجمهورية إلى الأمام” الذي أسسه قبل عام من الاستحقاقات الرئاسية الماضية، وكان وعد ماكرون أثناء حملاته الانتخابية بإنجاز التغييرات، وتشمل: تحقيق توفير في الميزانية يصل إلى 65 مليار دولار خلال الأعوام الخمسة المقبلة، فضلاً عن تقليص عدد الموظفين العموميين بنحو 120 ألف موظف، وإصلاح سوق العمل وبرامج معاشات الدولة السخية لتتماشى مع برامج القطاع الخاص.
وعرفت ولاية الرئيس ماكرون أزمات داخلية، منها اندلاع أعمال العنف غير المسبوقة والفوضى التي شهدتها باريس في عام 2018م في إطار تحرك “السترات الصفراء”، حيث كانت مطالب المحتجين تقتصر فقط على إلغاء زيادة أسعار الوقود.
الأزمة الثانية تمثلت في حصول فجوة في ميزانية فرنسا لعام 2018م بمقدار 10.5 مليار دولار، ما يشكل نحو 39% من إجمالي الضرائب التي تم تحصيلها عام 2017م، في المقابل؛ زادت الضرائب المفروضة على المواطنين العاديين بهدف سد هذه الثغرة، مثل الضرائب على مصادر الطاقة، وعلى القيمة المضافة، وعلى الدخل.
ووسط تعامل الحكومة الفرنسية مع جائحة كورونا، برزت قضايا أخرى يمكنها أن تسهم في تشكيل موقف شعبي قد يلقي بظلاله خلال الانتخابات الرئاسية القادمة، على الرغم من أن الرئيس ماكرون لم يعلن عن نيته الترشح حتى الوقت الحالي.
وقال خبراء لـ”يورونيوز”: إنه من المتوقع أن يرشح الرئيس الفرنسي نفسه لخوض انتخابات الرئاسة، قبل 12 شهرًا فقط من الجولة الأولى من التصويت في انتخابات الرئاسة الفرنسية، ووفقاً لاستطلاعين أجراهما معهد “إيفوب” (Ifop)، مؤخراً، قال 35% فقط من الفرنسيين: إنهم يثقون في تعامل الحكومة الفرنسية مع جائحة كورونا، بينما أفاد 45% فقط برأي إيجابي عن ماكرون، وفي الوقت نفسه، فإن نوايا التصويت في الجولة الأولى ستجعل ماكرون متبوئاً المرتبة الثانية بعد مارين لوبان إذا أجريت الانتخابات الآن، حسب الاستطلاع الآنف الذكر.
المرشحون الجدد
لوبان.. مشروعها هو التحرك نحو مبادرة للوحدة الوطنية
فيما يلي نظرة على أولئك الذين يتنافسون على خلافة إيمانويل ماكرون بما يشمل من لم يعلنوا بعد عن نوايا ترشحهم لانتخابات الرئاسة الفرنسية القادمة:
مارين لوبان:
في يناير الماضي، أعلنت رئيسة التجمع الوطني في فرنسا مارين لوبان (52 عاماً) أنها ستطلق حملة تمهيدية للانتخابات الرئاسية للتحضير لبديل للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في انتخابات 2022، وقالت لوبان: دخلنا مرحلة ما قبل الانتخابات الرئاسية، وينبغي على حزبها المصادقة على ترشحها في مؤتمره عام 2021م.
وقالت لوبان، التي وصلت لنهائيات انتخابات 2017م: إن مشروعها هو التحرك نحو مبادرة للوحدة الوطنية، من خلال مشروع موحد يمكن أن يجمع الفرنسيين من أينما جاؤوا، مشروع لتغيير كبير في البلاد، وقالت: لذا من المبكر جدًا، دون الحكم المسبق على القرار الذي سيصدر عن مؤتمر حركتنا الذي سيعقد في العام 2021م، أن أعرب عن رغبتي بالاستعداد للانتخابات الرئاسية.
أضافت لوبان، التي اتهمها خصومها بعدم الكفاءة بعد مناظرتها مع إيمانويل ماكرون بين جولتي عام 2017م، لتؤكد: يجب أن نلتزم حتماً بالمهمة التي نطلب من الفرنسيين أن يعهدوا بها إلينا، لن نرتجل في مهمة الرئيس، بل سنستعد لذلك”.
في انتخابات 2017 الرئاسية، حصلت لوبان، مرشحة حزب الجبهة الوطنية الذي تم تغيير اسمه لاحقاً، على 33.9% من الأصوات، على الرغم من خسارة حزب “الجبهة الوطنية” اليميني المتطرف في الانتخابات الرئاسية بفرنسا عام 2017م، فإنه وسع قاعدة ناخبيه بشكل غير مسبوق، حيث بلغ عدد الذين صوتوا لصالحه نحو 11 مليون ناخب، وهو ما يرسخه في المشهد السياسي الفرنسي ويجعله القوة السياسية المعارضة الأولى في البلاد.
ووفقاً لاستطلاعين أجراهما معهد “إيفوب”، مؤخراً، حول نوايا التصويت، فقد منحت لوبان حاليًا 28% من الأصوات في الجولة الأولى، أعلى بنقطتين مئويتين من ماكرون، أشارت النتائج إلى حصول مرشح “الجمهورية إلى الأمام” ماكرون على نسبة 66.1% من أصوات الناخبين، فيما حصلت منافسته عن حزب “الجبهة الوطنية” لوبان على نسبة 33.9%.
وقال أنطونيو باروسو، خبير في مركز “Teneo Intelligence”، ليورونيوز: لوبان تحاول تخفيف موقفها بشأن القضايا الاقتصادية مثل مغادرة اليورو الذي اختفى من برنامجها، مضيفاً: ذات يوم، قالت: إنه يجب سداد جميع الديون العامة، وهو تغيير في الرأي مقارنة بما قالته في الانتخابات الأخيرة، وتمكن ماكرون من هزيمتها في المناظرة الرئاسية بين الجولتين في عام 2017م في الغالب من خلال التركيز على عدم قدرتها على تقديم برنامج اقتصادي متماسك.
اليميني برتران.. مشروعه يقوم على ترميم سلطة الدولة وطي صفحة المركزية الباريسية
اليميني كزافييه برتران:
أعلن اليميني كزافييه برتران، وزير الصحة في عهدي الرئيسين السابقين جاك شيراك، ونيكولا ساركوزي، نهاية مارس ترشّحه لانتخابات الرئاسة الفرنسية المقررة في العام 2022، وصرّح برتران البالغ من العمر 56 عاماً: نعم سأكون مرشحاً، أنا عاقد العزم على خوض الاستحقاق الرئاسي، موضحاً أنه لن يشارك في الانتخابات التمهيدية المقبلة لليمين.
وقال برتران الذي يرأس حالياً منطقة أو-دو-فرانس الواقعة في شمال البلاد: من واجبي أن أتغلب على مارين لوبان (رئيسة التجمّع الوطني اليميني المتطرف)، وبذل كل الجهود لتوحيد صفوف الفرنسيين، ويعرض برتران رؤيته لفرنسا “فخورة متعافية ومتصالحة” التي يسعى لتحقيقها من خلال مشروع واضح يقوم على ترميم سلطة الدولة، وطي صفحة المركزية الباريسية وإعادة جعل العمل حجر زاوية في مشروعنا الوطني، على حد قوله.
لكن برتران قال: إنه لن يشارك في الانتخابات التمهيدية لاختيار المرشّح الرئاسي لليمين الفرنسي الذي يواجه صعوبات في إيجاد مرشّحه المنشود للانتخابات الرئاسية المقررة في العام 2022م.
ووفقاً لاستطلاعين أجراهما معهد “إيفوب”، مؤخراً، يحتل برتران حاليًا المركز الثالث في الاقتراع خلف ماكرون، ولوبان بنسبة 14% من نوايا التصويت في الجولة الأولى، لكن استطلاع “IFOP” يرى أنه يفوز على لوبان في مواجهة بالدور الثاني إذا فشل ماكرون في جمع ما يكفي من الأصوات.
وقال أنطونيو باروسو، خبير في مركز “Teneo Intelligence”، لـ”يورونيوز”: لا يزال من غير الواضح كيف ستختار حزب “الجمهوريون” (LR) مرشحه الرسمي وما إذا كان برتران سيختار الترشح تحت مظلة الحزب، مضيفاً: القضية أساسية، لأن من ينتخب اليمين يمكن أن يشكل تحدياً كبيراً لماكرون في الجولة الأولى.
“الجمهوريون”، هو حزب سياسي فرنسي من اليمين ووسط اليمين، وهو الاسم الجديد لحزب الاتحاد من أجل حركة شعبية (UMP) الذي غير اسمه في 30 مايو 2015م.
في أعقاب نتائج الانتخابات الأوروبية عام 2019م، أعلن رئيس حزب “الجمهوريون” الفرنسي اليميني لوران فوكييه استقالته من منصبه، بعد أسبوع واحد فقط من إعلان نتائج الانتخابات الأوروبية التي أمنت على حزبه بخسارة فادحة، إذ لم تتجاوز النتائج 8.48%.
ويقول أرنو لوكلير، أستاذ العلوم السياسية بجامعة نانت: على الرغم من أن حزب “الجمهوريون” قد حقق بعض النتائج المقبولة في الانتخابات البلدية في عام 2020م، فإن نتائجه المحلية لا تؤدي دوراً في انتخابات الرئاسة، موضحاً: لذا يتعين عليهم اتخاذ خيار صعب للغاية: إما أن يذهبوا إلى قاعدة حزب الوسط للتنافس مباشرة مع ماكرون أو الذهاب إلى اليمين الأكثر راديكالية للتنافس مع لوبان.
ميلانشون سيكون أقرب كثيرًا في طرح برامج حملته من “السترات الصفراء”
جون لوك ميلانشون:
في نوفمبر، فاجأ زعيم حزب “فرنسا الأبية” جون لوك ميلانشون الجميع بإعلان ترشحه للانتخابات الرئاسية المقبلة عام 2022م، إذ جرت العادة أن يختار اليسار مرشحه بالتوافق بين الأحزاب، وهو ما لم يحصل هذه المرة على ما يبدو مع انتقادات وجهت إليه.
ميلانشون الذي ترشح مرتين سابقاً للانتخابات الرئاسية عامي 2012 و2017م، يبدو أنه يسير بعيداً عن الطريق التقليدي، مع إعلانه أنه سيحصل على ترشيحات 150 ألف مواطن فرنسي عبر منصة رقمية من أجل اعتماد ترشحه رسمياً، في “آلية أكثر ديمقراطية” من الآلية التقليدية التي تنصّ على قيام 500 رئيس بلدية بطرح اسم المرشح الرئاسي ليخوض السباق رسمياً، وفق تعبيره.
في انتخابات عام 2017م، حقق ميلانشون أرقاماً كادت أن تؤهله لخوض جولة ثانية من الانتخابات، تنافس بها الرئيس الحالي ماكرون، ومرشحة اليمين المتطرف لوبان، وجاء المركز الرابع وحصل على 19.5% من الأصوات، في الوقت الحالي، يمنحه استطلاع “IFOP” 10% من نوايا التصويت في الجولة الأولى.
وأوضح باروسو أن ميلانشون سيكون أقرب كثيرًا في طرح برامج حملته من “السترات الصفراء”، وربما يتحدث كثيرًا عن الاقتصاد ويحاول تصوير ماكرون على أنه اليمين الليبرالي الجديد الذي لا يهتم بالحقوق الاقتصادية للشعب الفرنسي، بينما يرى أرنو لوكلير، أستاذ العلوم السياسية بجامعة نانت، أنه يجب أن يؤدي حجة التعدي على الحريات أو تهديدها دورًا مهمًا في حملة ميلااشون، مضيفاً: من المرجح أن يجادل ميلانشون بأن “العالم الجديد” الذي وعد به ماكرون قد أسفر عن زعيم واحد لا يترك مجالًا لأي شيء أو لأي شخص، وبالتالي فإن الحياة الديمقراطية قد تراجعت إلى حد ما في عهد ماكرون.
التحدي الرئيس بالنسبة لليسار هو أنه منقسم للغاية
آن هيدالغو.. رئيسة بلدية باريس:
رئيسة بلدية باريس آن هيدالغو (61 عاماً) هي الوحيدة من بين الأربعة مرشحين التي لم تعلن عن ترشحها رسميا لانتخابات الرئاسة، عن الحزب الاشتراكي، حسب استطلاع “IFOP”، فهي تحظى بـ8% من نوايا التصويت في الجولة الأولى لانتخابات الرئاسة.
خلال الجولة الأولى من انتخابات الرئاسة الفرنسية في عام 2017م حصل مرشح الحزب الاشتراكي، بونو آمون على 6.4% من الأصوات، ثم خسروا 250 مقعدًا برلمانيًا في الانتخابات التشريعية التالية ليحتفظوا بـ30 نائبًا فقط، استمرت سلسلة خسارتهم المتتالية في عام 2019م عندما تمكنوا بالكاد من الحصول على أصوات كافية للظفر ببعض مقاعد كأعضاء في البرلمان الأوروبي.
وخلال الانتخابات التشريعية التي تلت انتخابات الرئاسة، نال الحزب الاشتراكي الفرنسي ما بين 7 و9% من الأصوات، ليتعرض لخسارة جديدة مدوية بعد الخسارة التي تكبدها مرشحه في انتخابات الرئاسة في مايو 2017م.
يقول باروسو: إن التحدي الرئيس بالنسبة لليسار هو أنه منقسم للغاية، ولكي تكون هيدالغو منافسًا واقعيًا من اليسار، يجب عليها أن تحصل على قدر كبير من الأصوات من ميلانشون، طالما أنه من الصعب للغاية أن يتأهل أحد المرشحين أساسًا إلى الجولة الثانية.
وفقًا لـلوكليرك، فإن المخرج الوحيد للحزب الاشتراكي هو التحالف مع حزب الخضر، وقدم التشكيلان قوائم مشتركة في عدة انتخابات بلدية العام الماضي، ومع ذلك يبدو مثل هذا الاحتمال مستبعدًا إلى حد كبير.