كشف مصدر أمني عراقي مطلع لـ “المجتمع” أن إيران أبلغت الحكومة العراقية عبر وسطاء أنها غير راضية عن نتائج الحوار الاستراتيجي بين واشنطن وبغداد، الذي انتهت جولته الثالثة الأسبوع الماضي، بسبب عدم مناقشة مسألة خروج القوات الأمريكية من العراق، خصوصاً بعد نفي المتحدث باسم وزارة الدفاع الأمريكية وجود طلب عراقي بهذا الخصوص خلال الحوار بين الطرفين.
وقال جون كيربي في مؤتمر صحفي، يوم الخميس 8 إبريل الماضي، إنه لا يوجد في الوقت الحالي أي تفاهم مع العراق على موعد انسحاب القوات الأمريكية القتالية، نافياً وجود أي طلب عراقي لسحب هذه القوات، وفقاً لرويترز.
الأعرجي في طهران للتوضيح
وكشف المصدر، الذي طلب عدم الإفصاح عن هويته، أن رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي أوفد مستشار الأمن الوطني العراقي قاسم الأعرجي، إلى العاصمة طهران، لغرض احتواء الرفض الإيراني، خشية من تفجر الموقف الأمني وعودة الفصائل المسلحة الموالية لإيران لاستهداف المصالح الأمريكية من جديد.
وأشار إلى أن الحكومة العراقية اتخذت إجراءات أمنية مشددة في أنحاء متعددة من البلاد وخصوصاً في العاصمة بغداد، تحسباً لهجمات صاروخية تستهدف مواقع ومعسكرات تضم قوات التحالف الدولي الذي تقوده أمريكا، بعد صدور تصريحات لعدد من زعماء الفصائل الشيعية المسلحة، اعتبروا فيها نتائج الحوار الاستراتيجي غير جدية وفيها مماطلة فيما يخص الانسحاب الأمريكي.
وسائل إعلام إيرانية تحدث عن زيارة الأعرجي إلى طهران، الاثنين الماضي، مشيرة إلى أنه عقد لقاء مع أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي شمخاني.
وأشارت إلى أن شمخاني ركز في حديثه مع مستشار الأمن الوطني العراقي، على الحضور الأمريكي في العراق والمنطقة، مؤكداً أن “أمريكا أكبر عنصر مزعزع للأمن ونشر الإرهاب المنظم”، مع دعوة بغداد إلى إخراج القوات الأمريكية.
وقال شمخاني إن الإسراع في تنفيذ قرار البرلماني العراقي بشأن إخراج هذه القوات سيؤدي إلى تعزيز وإرساء المسارات الصانعة للاستقرار، مؤكداً أن متابعة ومعاقبة الآمرين والمتورطين في اغتيال قائد فيلق القدس السابق الجنرال قاسم سليماني، ونائب رئيس الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس، من أولويات التعاون الأمني بين البلدين، بحسب وكالة “نور نيوز” المقربة من مجلس الأمن القومي الإيراني.
وأشارت الوكالة إلى أن أمين مجلس الأمن القومي الإيراني شدد على أن بلاده لديها توقعات أكثر من العراق لمتابعة هذه الجريمة الإرهابية، كما دعا بغداد إلى التعاون في مواجهة حركات المعارضة الكردية الإيرانية المتواجدة في إقليم كردستان العراق.
إعلان انتهاء الهدنة
وكان وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين، ونظيره الأمريكي أنتوني بلينكن، قد ترأسا جلسة الحوار عبر دائرة تلفزيونية مغلقة، الأربعاء الماضي، وانتهت ببيان مشترك أعلنا فيه عن توصل الجانبين إلى تفاهمات بشأن دور تدريبي واستشاري للقوات الأمريكية في العراق، ودعم أمريكي للعراق في المجالات الصحية والثقافية والتنموية المختلفة، فضلاً عن دعم الحكومة في تنظيم عملية الانتخابات المبكرة المزمع إجراؤها في العاشر من أكتوبر المقبل.
وبالتزامن أصدرت الفصائل الشيعية الموالية لإيران، بياناً أشارت فيه إلى أنها قد تعلّق الهدنة مع القوات الأمريكية في العراق، معللة ذلك بأن الحوار الاستراتيجي لم يأتي بالنتائج المطلوبة فيما يتعلق بالانسحاب الأمريكي، مشيرةً إلى أنها وجهت بذلك رسالة واضحة الى رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي بضرورة أخذ هذا المطلب على محمل الجد.
الصحفي العراقي حسين الكعبي، قال إن إيران مهتمة بشكل كبير بمخرجات الحوار الاستراتيجي، خصوصاً في الشق المتعلق بخروج القوات الأمريكية وعدم بقائها بأي شكل من الاشكال.
وأضاف في حديثه لـ”المجتمع”: وما يدل على أهمية هذا الأمر زيارة قائد فيلق القدس إسماعيل قآني الى بغداد المفاجئة غداة بدأ الحوار بين العراق وأمريكا، والتي استمرت يومين وشهدت لقاءات مكثفة بشخصيات سياسية وزعماء فصائل لها السيطرة على الشارع العراقي.
وتابع: قآني ذكّر المسؤولين العراقيين بالدور الذي قامت به بلاده خلال الحرب على “داعش”، وأهمية رد الجميل لها في هذه المرحلة الحساسة، حيث تحتدم المواجهة بين أمريكا وحلفائها في المنطقة مع إيران، خصوصاً بعد أن أنهكت العقوبات اقتصادها، في ظل مخاوف جدية من احتمال انزلاق المنطقة إلى صراع إقليمي بسبب البرنامج النووي الإيراني.
وتحدث الكعبي عن أن إيران وضعت بصماتها في السابق، عندما خاض العراق جولات تفاوضية مع الولايات المتحدة حول الاتفاقية الأمنية في العام 2008م، إذ لم تحظى الاتفاقية على رضى طهران، إلا بعد تعهدات قدمها العراق، بأنه سيكون حريصاً على عدم تضمين الاتفاقية أي بند يُبيح للولايات المتحدة استخدام الأراضي العراقية في مهاجمة إيران.
وختم الصحفي العراقي حديثه بالقول: إن استمرار وضع العراق في دائرة الاستقطاب بين طهران وواشنطن، يشتت بوصلة المستقبل العراقي، الذي هو في أمس الحاجة للاستقرار الذي لم يعرف طريقه للمشهد العراقي منذ احتلال الولايات المتحدة للعراق عام 2003م، ويجعل حالة عدم اليقين مستمرة إلى أجل غير مسمى، وهو ما ينعكس على الوضع الاقتصادي والأمني والسياسي المضطرب.