تأتي ذكرى النكبة – كما سماها العقل العربي- وهي ذكرى تأسيس الكيان الصهيوني الذي قام على يد مجموعة من العصابات الصهيونية الأوروبية، تأتي تلك الذكرى رقم 73 في ظل سياقات قلبت عديد من الخطط والبرامج اليهودية التي اعتقدت أنها استقرت على تقسيم ثابت لفلسطين يتضمن ثلاثة تقسيمات هي:
القسم الأول: قطاع غزة (يشكل 1,33%) من مساحة فلسطين، وهو شريط صغير في الجنوب الساحلي لفلسطين (قطاع غزة)، وهو مكان يتميز بالكثافة السكانية العالية.
والقسم الثاني: الضفة الغربية (تشكل حوالي 21 %) من إجمالي مساحة فلسطين، ويحدها من الشرق نهر الأردن والبحر الميت، ومن الشمال سهل مرج ابن عامر، ومن الجنوب صحراء النقب، ومن الغرب يفصلها عن “إسرائيل” (الكيان الصهيوني) خط هدنة غير منتظم تم ترسيمه في معاهدات الهدنة بين الدول العربية والكيان الصهيوني عام 1949م. وهذا القسم يشرف عليه (نظرياً السلطة الفلسطينية طبقاً لاتفاقيات أوسلو 1993م).
القسم الثالث باقي فلسطين (ويشكل78%) من مساحة فلسطين: وهي التي تحتلها “إسرائيل” وتعتبرها خارطتها الجغرافية والتي تتصل إلى مصر عبر حدود سيناء وصحراء النقب، ومع حدود الأردن في وادي عربة، إلى الشمال مع حدود سوريا في الجولان.
والخارطة توضح الانفصال بين المناطق الفلسطينية (غزة والضفة الغربية) حيث يتوسطها الاحتلال الصهيوني والذي يهمين بالطبع على القدس والمسجد الأقصى ضمن المساحة التي يهيمن عليها.
مثل اعتقاد المحتل -لاسيما عبر العقود الثلاثة الأخيرة- استقرار خارطة فلسطين على هذا النحو، والسيطرة على الأماكن المقدسة بصورة كاملة، وإخضاع فلسطينيو الداخل (الأماكن المحتلة) إلى هذا التصور وتلك الرؤية الاستعمارية، وظن أن هذا الاعتقاد ترسخ بشكل كبير مع أمواج التطبيع العربي في العامين الأخيرين، ومحاصرة قطاع غزة الذي يشكل نقطة مركزية لمقاومة المحتل – لكنها بالطبع ليست النقطة الوحيدة- ولكنه أراد أن يشعر نفسه باطمئنان الخريطة في الذهن العربي التي يقبع تحت هيمنته في الداخل المحتل.
إلا أن أوهام المحتل كان يفيق منها تباعًا كما حدث في 2015-2016 فيما عرف بثورة السكاكين، والحوادث المتتالية لفلسطيني الداخل مع المستوطنين، ورفض التهجير القسري من داخل القدس تحديدًا، والعمليات الاستشهادية المتفرقة داخل المنطقة المحتلة. وهو ما يمكن البحث عنه في شبكة المعلومات ويتوفر فيها بصورة كثيفة.
حكاية حي الشيخ جراح
يعرف حي الشيخ جراح باسم طبيب صلاح الدين الأيوبي، الشيخ حسام الدين الجراحي، وإليه يعود تسمية اسم هذا الحي، ويقع هذا الحي بالقرب من باب العامود أحد الأبواب الرئيسة للمسجد الأقصى، أي أنه يعتبر ملاصقاً للمسجد المبارك، وفي حرمه وامتداده وقدسيته ) الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ(.
وقد قرر الاحتلال – ضمن محاولات تهويد القدس والتمكين لزيادة أعداد المستوطنين- إلى إخلاء هذا الحي، بدعاوي عدم ملكية أصحابه له، وفعلوا ذلك مع عائلة مشهورة هي عائلة الغاوي عام 2009م.
وقد رفعت الجمعية الاستيطانية دعاوي لإخلاء عدد كبير من منازل الحي/ وكان مقررًا أن تنظر المحكمة العليا “الإسرائيلية” يوم الاثنين الموافق 7 مايو 2021م، جلسة استماع في قضية طويلة الأمد، بشأن حي الشيخ جراح والاستماع لمحامي العائلات الفلسطينية والجمعية الاستيطانية، التي تطالب الأهالي بالإخلاء، وكان هذا اليوم نقطة البداية للأحدث الكبرى التي أعادت تكوين خارطة فلسطين الكاملة مرة أخرى.
مائتين نقطة احتكاك.. المنطقة الخضراء أم المناطق الحمراء
استجابت غزة لنداء المقدسيين والأقصى المبارك بعمليتها التي رفعت شعار لها هو “سيف القدس”، فتحقق الوصل من غزة في الجنوب إلى القدس في الشمال، ووسعت غزة عملياتها لتشمل الساحل الفلسطيني المحتل (عسقلان سديروت، وأسدود، وتل أبيب، وفي الجنوب حتى بئر السبع ومطار رامون، ومن قبله مطار بن جوريون، ومستوطنات نتيفوت وعلوميم ومفلسيم، وغير ذلك مما أصبح معروفًا لدى المواطن العربي.
ثم كان خط الوصل الثاني الذي خطه فلسطينيو الداخل المحتل بدءًا من اللد والخليل، ثم يأتي يوم الجمعة 14 مايو 2021م – عشية ذكرى النكبة الـــ 73- لتتحول نقط التماس مع العدو الصهيوني وجيشه المحتل، فتذكر المواقع الإعلامية المتابعة ميدانيًا أن هناك أكثر من مائتي نقطة مواجهة بين الفلسطينيين وجيش الاحتلال، في استعادة ذكرى جماعية المقاومة بالحجر والبشر الأعزل من كل شيء سوى الإيمان وإرادة المقاومة والحرية.
وامتدت هذه المواجهات شرقًا وغربًا وشمالًا وجنوبًا من القدس إلى الخليل إلى نابلس إلى رام الله إلى اللد إلى العيساوية إلى حيفا ويافا، والعيساوية، وجنين، والبيرة، والناصرة، وأم الفحم، وفي مناطق متعددة كثيرة وفي عمق الداخل المحتل. وهو ما جعل رئيس وزراء الكيان الصهيوني يستدعي قوات من الاحتياط، وإعطاء الشرطة صلاحيات واسعة للقمع والقتل والاعتقال خوفًا من تمدد خط المقاومة طولًا وعرضًا.
وفي ضوء استعادة الصورة الكاملة لفلسطين عبر مركزية المقاومة تحولت المنطقة الخضراء وغير الخضراء إلى مناطق حمراء للمحتل، ونقاط بناء لاستعادة تماسك الصورة الفلسطينية التي راهن الاحتلال وأعوانه المطبعين على تفتيتها عبر عقود خلت.
الصورة الفلسطينية الكاملة
ما يحدث في فلسطين المحتلة منذ 6 مايو وحتى 14 مايو 2021م هو غرس واضح لاستعادة الصورة الكاملة لفلسطين كل فلسطين، وإفشال كافة مخططات التهويد للحجر والعقل والإرادة، وحسرة على الأموال التي أنفقت على التطبيع ومن المطبعين لمحو فلسطين ليس فقط من الخارطة العربية بل من الذاكرة العربية جميعًا، ذاكرة الأجيال القادمة ليعيش العدو في حالة استقرار وأمان، كل ذلك أطاح به هذا الغرس، غرس استعادة الصورة الكاملة لفلسطين، وتكون ذكرى النكبة الــ 73 هي تدشين لاستعادة تلك الصورة عبر مركزية المقاومة والتحرر والحرية والكرامة الفلسطينية والعربية والإسلامية.