في ديسمبر 1098م، قبل 923 عاماً، عمد المتوحشون من الصليبيين، حين هاجموا مدينة معرة النعمان (جنوبي إدلب السورية)، في طريقهم للقدس، لقتل آلاف المسلمين وأكل لحوم بعضهم، موتى وأحياء.
هذه الجريمة وقعت حينما كانوا في طريقهم إلى القدس، ولم يجد الصليبيون شيئاً يأكلونه فأصبحوا يتغذون على سكان المدن التي يستولون عليها، ومنها معرة النعمان بعد مجزرة قتل فيها آلاف المسلمين، وذكرها المؤرخون.
لكن تقريراً بمجلة “لوبوان” الفرنسية للكاتبين فريديريك لوينو، وجويندولين دوس سانتوس، اعترف بهذه المجزرة وبشاعة أكل الصليبيين لحوم المسلمين، وذكر بعض تفاصيل تلك المجزرة التي صادفت 12 ديسمبر.
عندما دخل الصليبيون معرة النعمان للمرة الأولى، وهي المدينة نفسها التي يواصل الصليبيون (الروس هذه المرة) قصفها في الشام، لم يراعوا ديناً ولا إنسانية أو أخلاقاً، فقتلوا كل أهلها وسلقوا لحوم مسلمين ليأكلوها وشُوي الأطفال الصغار على النار!
كانت جموع غفيرة من المتعصبين الصليبيين زحفوا على الشرق متجهين إلى بيت المقدس خلف نداء خدعهم به كبار كهنتهم وهم يهتفون: “هذا ما يريده الرب”.
انطلقوا في موجات متتالية من البؤساء والفقراء بأسمالهم البالية رفقة فرسان الصليب متعطشين للدماء حاملين الصليب إلى مملكة الرب، كما زعموا بناء على طلب البابا أوربان الثاني.
ماذا تقول “لوبوان”؟
من بين أسوأ الأحداث وأشدها رعباً في تلك الحروب البغيضة، ما شهدته مدينة معرة النعمان السورية، في 12 ديسمبر 1098م.
يقول الكاتبان الفرنسيان في مجلة “لوبوان”: إن هؤلاء الصليبيين الذين كانوا يتضوّرون جوعاً التهموا المسلمين في سورية بالفعل، وأيضاً بعض الأتراك في أنطاكية، ولم تكن بعض البلدات الأخرى التي كانت على طريقهم أحسن حالاً بعد أن حرقتها الشمس وقضى الجراد على ما بقي فيها من نبات.
وأضافا: إنه في نهاية نوفمبر 1098، تجمعت القوات الصليبية بقيادة بوهموند، وريموند دي تولوز أمام معرة النعمان، وهي بلدة زراعية متواضعة تعيش على الكروم والزيتون والتين، وسرعان ما حاصروا تلك المدينة الواقعة في سورية الحالية.
ولم يشعر سكان معرة النعمان في البداية بالذعر، فقد صمدوا بالفعل أمام العديد من الغزاة، بفضل السور المحكم المحاط بخندق عميق الذي يطوّق بلدتهم، لكن مع اقتراب فصل الشتاء، ازداد الجوع شراسة وفتكاً، فضاعف قادة الصليبيين الهجمات، وقاوم سكان هذه البلدة مدة 20 يوماً ببطولة وبسالة الغزاة الجدد.
وقد ثار غضب الصليبيين الذين كانوا يمنّون أنفسهم بوجود جبال من الطعام داخل المدينة، وفي انتظار تلك المؤن كانوا كلما ظفروا بأحد من عدوهم قتلوه وأكلوا لحمه.
تنقل “لوبوان” الفرنسية عن مؤرخين روايات من كانوا من الصليبيين هناك، مثل ألبرتي أكونسيس الذي شارك في تلك الحملة، يصف ما حدث قائلاً: لم تتوان جماعتنا عن أكل قتلى الأتراك والعرب، بل وكانت تأكل الكلاب أيضاً.
كما يصف فوشي دو شارتر، وهو أحد الصليبيين، ما جرى بالقول: لا أستطيع أن أصف ما حدث من دون أن أتطرق برعب إلى ما كنا نقوم به، إذ كنا نقطع قطعة أو قطعتين من جثة أحد المسلمين، ومنا من لا ينتظر حتى يشويها بل يبادر إلى نهشها بأسنانه الوحشية.
يضيف الكاتبان أن الصليبيين، في 11 ديسمبر 1098، تمكنوا من القفز من فوق السور مستخدمين في ذلك برجاً خشبياً، عندئذ تراجع المدافعون عن معرة النعمان بأعداد كبيرة باتجاه وسط المدينة، ليستمر القتال طوال الليل.
وفي اليوم التالي، أبلغ قادة المدينة بوهموند أنهم مستعدون للتفاوض، فوعدهم بالحفاظ على أرواحهم في حالة الاستسلام الفوري والكامل.
لكنه نكث وعده، وما كاد سكان معرة النعمان يلقون أسلحتهم حتى بدأت مجزرة رهيبة، قضى فيها الصليبيون على كل من كان حياً في المدينة.
ووفقاً لما اطّلع عليه الكاتبان من سجلات، فإن 20 ألف شخص قتلوا في تلك المجزرة، ولكن المهاجمين لما بدؤوا نهب المتاجر والمخازن اكتشفوا أنها فارغة، فثار غضبهم وعادوا للجثث التي كانت تملأ الشوارع ليلتهموها.
وينقل الكاتبان عن أحد الجنود، واسمه رودولف دي كاين، وصفه لما وقع بالقول: “في معرة النعمان، أقدم جنودنا على غلي الوثنيين (يقصد المسلمين) في القدور، وحوّلنا لحوم الأطفال إلى أسياخ لالتهامها مشوية”!
ويعلّق الكاتبان الفرنسيان على هذه المجزرة بالقول: إن سمعة الذوق الفرنسي فيما يخص الأكل تلقت ضربة قاسية إثر المجازر التي اقترفها الصليبيون هناك وما تكشف من أكلهم للحوم البشر، ولفتا إلى أن ذلك ترك أثراً عميقاً في شعوب الشرق الأوسط تجاه البرابرة الغربيين.
أضافا أن سمعة الغربيين ظلت بعد هذه الحوادث، على مدى قرون، ملطخة بوصمة عار الشراسة وأكل لحوم البشر المسلمين.
ويقول مؤرخون عرب: إن أكل الصليبيين للحوم البشر لم يكن بسبب الجوع وحده، بل أيضًا بسبب محاولتهم الحطّ من قيمة المسلم الإنسانية واعتباره في مرتبة الحيوان، على حدّ تعبير مجلة “لوبوان” الفرنسية.
البابا يبارك!
يقول ابن الأثير: إن الصليبيين أقاموا برجاً من الخشب بارتفاع سور معرة النعمان، وهنا خاف قوم من المسلمين، وأخلوا الموضع الذي كان يحفظونه، فرآهم طائفة أخرى ففعلوا كفعلهم، فخلا مكانهم أيضاً من السور.
ولم تزل تتبع طائفة منهم التي تليها في النزول حتى خلا السور فصعد الفرنج إليه على السلالم، فلما علوه تحير المسلمون ودخلوا دورهم، وكانت نتيجة هذا الانسحاب أن وضع الفرنج فيهم السيف ثلاثة أيام فقتلوا ما يزيد على مائة ألف وسبوا الكثير.
ويقول المؤرخ الصليبي ألبرتي أكونسيس المتابع لهذه الحملة الصليبية: لم تتوان جماعتنا عن أكل قتلى الأتراك والعرب.
وقد كتب قادة الصليبيين رسالة رسمية إلى البابا، في العام التالي، تبريراً لوحشيتهم واستئذاناً للاستمرار، يقولون فيها: “اجتاحت الجيش مجاعة فظيعة في المعرة ألجأته إلى ضرورة جائرة هي التقوت بجثث المسلمين”، وجاء الرد من البابا بمباركة هذه الوحشية!
____________________