شارك الآلاف من التونسيين في المسيرة التي دعا إليها حراك “مواطنون ضد الانقلاب” و”المبادرة الديمقراطية”، الأحد الماضي، وهي المسيرة الثامنة من نوعها لكنها مختلفة من حيث الإجراءات الأمنية؛ حيث غابت الإجراءات البوليسية التي شهدتها المسيرات السابقة التي استخدم فيها الأمن المياه الغازية، واعتقل فيها العشرات، وعطّل وصول المتظاهرين من مختلف الأقاليم، التي أكدت -كما يقول مراقبون- نزوع السلطة القائمة للاستبداد.
واعتبر البعض غياب الإجراءات البوليسية الحادة، يوم الأحد، نتيجة الضغط الداخلي والخارجي، بينما يرى آخرون بأن غضب الأمنيين الذين تنكّرت لهم السلطة وإعلانهم الإضراب وحملهم الإشارة الحمراء، بمن فيهم “الشرطة السرية” وراء “الأريحية” التي تمت فيها المسيرة.
وتعليقاً على هذا الأمر، قال القيادي بحركة النهضة العجمي الوريمي لـ”المجتمع”: أخطاء الانقلاب والإجراءات المنافية للدستور وخرق الدستور الذي لا يزال متواصلاً جعلت الرئيس قيس سعيّد يفقد كل يوم أنصاره وأصدقاءه، فيما تتسع دائرة الرافضين لانقلابه الذي عمّق الأزمة التي زعم أنه قام بالانقلاب لحلها وإنهائها.
نفق مظلم
وتابع: البلاد في ظل الانقلاب تسير في نفق مظلم، وبالتالي هذه التحركات الشعبية الاحتجاجية المدنية السلمية غايتها بدون شك إفراغ الانقلاب من محتواه، وإفشال الانقلاب، وإغلاق قوس الانقلاب، والعودة للسير الطبيعي لدواليب الدولة ومؤسساتها المنتخبة في ظل الديمقراطية والاحتكام لصناديق الاقتراع والإرادة الشعبية الحقيقية.
وأشار الوريمي إلى أن الانقلاب عمّق الأزمة الاقتصادية والاجتماعية في البلاد، وأصبحت جميع الفئات تشتكي من غلاء المعيشة وتراجع المقدرة الشرائية وتأخر الرواتب، وهناك خوف على المستقبل وعدم شعور بالأمان.
وأوضح الوريمي: سعيّد فشل في كل المحاولات التي قام بها لتخفيض الأسعار؛ بل إن جميع المواد التي قام باقتحام مخازنها وسط دعاية كبرى ارتفعت أسعارها بشكل جنوني، أو فقدت من السوق مثل الزيت والدقيق، أو أسعار الحديد التي زادت بنسبة ثلث السعر الأصلي بعد تلك الزيارة التي قام بها سعيّد لمصنع الحديد بمحافظة زغوان، إلى جانب العجز وعدم القدرة على قيادة المرحلة.
تأزم الأزمة
وأضاف القيادي بحركة النهضة: سعيّد كان يظن أنه بتجميع السلطات ستكون له إمكانية التحكم في الأوضاع، لكن بعد ابتلاع كل السلطات أدرك الجميع أنه زاد من حدة الأزمة من جهة، وهدّد المسار الديمقراطي من جهة أخرى، في ظل نظام استبدادي يقوم بنسف المؤسسات الشرعية المنتخبة والدستورية في البلاد، ليس ذلك فحسب، بل جعل البلاد في عزلة، وأصبحت صورة تونس في الخارج لا تسر سوى الأعداء، وهي أسوأ من زمن الديكتاتورية الأولى (1956 – 2011م).
وبيّن الوريمي أن ثقة المستثمرين الأجانب تزعزعت بعد الانقلاب، وأصبح الموردون الأجانب يشترطون الدفع مسبقاً قبل إنزال البضائع كمشتريات القمح، والمؤسسات في الداخل تعيش حالة إرباك وإنهاك، وهناك خطر حقيقي وخوف من تفكك الدولة وانهيارها بعد أن تصنّف على أنها دولة فاشلة، ومن ثم الانزلاق نحو الفوضى، لا قدر الله أو الحرب الأهلية.
وأكد أن الطبقة السياسية تدرك خطورة الأوضاع السائدة في تونس اليوم وتداعياتها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، بل إن مؤسسات الدولة تدرك ذلك جيّداً كالبنك المركزي، وبقية المؤسسات الأخرى، وهي تدعو جميعاً الرئيس لتصحيح المسار بالعودة للمؤسسات الدستورية وليس بإلغائها أو استبدالها أو إفراغها من محتواها، والعودة للمؤسسات هو طريق إنقاذ تونس.
احتجاز البحيري
وحول احتجاز رئيس كتلة حركة النهضة في البرلمان نور الدين البحيري، أفاد الوريمي بأن قضية البحيري مَظلمة أخرى وجريمة أخرى ارتكبها الانقلاب خارج نطاق القانون وخارج نطاق المواثيق الدولية وخارج نطاق احترام حقوق الإنسان، وهي عملية اختطاف واحتجاز قسري، وليس هناك أي تهمة موجهة للبحيري، والقضاء يؤكد أنه لم يتلق أي شكاية من السلطة القائمة، بما فيها الرئاسة والداخلية بالبحيري.
وعن أسباب اختطاف البحيري واحتجازه، أفاد بأن الانقلاب ينظر للبحيري على أنه منافس سياسي، وأنه يقوم بتجميع المعارضة للانقلاب ودعم حراك “مواطنون ضد الانقلاب”، وبالتالي يرى الانقلاب أن أسهل طريق لتحييد خصم سياسي عتيد هو الاختطاف والاحتجاز على خلاف الصيغ القانونية الجاري العمل بها في البلاد.
صمود القضاة
وحيا الوريمي صمود القضاة التونسيين والهيئات الممثلة للقضاة كالمجلس الأعلى للقضاء، وجمعية القضاة التونسيين، ونقابة القضاة، وجمعية القضاة الشبان، وغيرها، وقال: ونحن لا يمكن إلا أن نكون في صفهم، وما بني على باطل فهو باطل.
وحذّر الوريمي من أن البلاد ماضية نحو نادي باريس، وإلى الإفلاس وفقدان ما تبقى من مصداقية الدولة، في ظل حكومة غير شرعية وسلطة مستبدة، ولا حل إلا بالحوار بين شركاء الوطن، والدول الصديقة التي تريد مساعدة تونس تشعر بالقلق حيال الأوضاع الحقوقية والدستورية في البلاد، وتشترط العودة إلى المسار الديمقراطي لاستئناف الدعم.. فالوضع يزداد سوءاً.